اسمعوا أنتم وافهموا - لوقا ٩: ٤٣-٤٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: " ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ" (٤٣-٤٤).

اسمعوا أنتم وافهموا - لوقا ٩: ٤٣-٤٥

 

 ٤٣. فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:

 ٤٤. ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ.

 ٤٥. َأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هذَا الْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هذَا الْقَوْلِ.

 

       "فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: " ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ" (٤٣-٤٤).

       كانوا متعجِّبين من عظمة الله. وهو حق وعدل أن نتعجَّب من عظمة الله، وأن نسجد، ونصرخ: رحماك، يا رب. الله خلقنا، وخلق الكون من أجل منفعتنا. فنتعجَّبُ ونقول: شكرًا، يا رب، على كل عطاياك. ونبقى لحظات طويلة في الإعجاب والسجود. نعم، الله عظيم، وهو أبونا، ويعرف كل ما نحتاج إليه. يبدو لنا أحيانًا أنه يتركنا لحريتنا التي تبعدنا عنه، وعن أنفسنا وعن خير أنفسنا. لكن الله أبانا يسهر علينا. يرى كل شيء. ويُحِبُّنا دائمًا. ولا يتركنا أبدًا، حتى إذا بدا لنا أنه يتركنا. له طرقه، وهو وحده يعرفها. وطرق الله ليست طرقنا.

       قال يسوع لتلاميذه، الذين أخذهم هم أيضًا الإعجاب مثل الجماهير: "ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ".

       الله عظيم وقدير، ويصنع المعجزات. يسوع هو المسيح ابن الله. ومع كونه إلهًا، أراد أن " يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ". سر الصليب والفداء. لماذا الصليب، لماذا إهانات البشر، الله، يحكم الناس عليه بالموت؟! لا نسأل، لا نطرح السؤال على الله. الله أكبر من قلبنا، ومن أفكارنا.

       قال يسوع لتلاميذه: اسمعوا أنتم وافهموا. "ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ". هذا كلام جديد، غريب، لا يتوقعه التلاميذ. هم كانوا يريدونه مسيحًا ملكًا زمنيًّا يعيد الملك إلى إسرائيل. لكن يسوع ليس ذلك.

       قال القديس بولس:

       "فَلْيَكُن فِيمَا بَينَكُم الشُّعُورُ الَّذِي هُوَ أَيضَا فِي المـَسِيحِ يَسُوع. هُوَ الَّذِي فِي صُورَةِ الله لَم يَعُدَّ مُسَاوَاتَهُ لله غَنِيمَةً، بَل تَجَرَّدَ مِن ذَاتِهِ مُتَّخِذًا صُورَةَ العَبدِ وَصَارَ عَلَى مِثَالِ البَشَرِ، وَظَهَرَ فِي هَيئَةِ إنسَانٍ فَوَضَعَ نَفسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى المـَوتِ مَوتِ الصَّلِيبِ" (فيليبي ٢: ٥-٨). 

       ""فَلْيَكُن فِيمَا بَينَكُم الشُّعُورُ الَّذِي هُوَ أَيضَا فِي المـَسِيحِ يَسُوع". يقول القديس بولس هذا لنا اليوم أيضًا: أن يكون فينا الشعور الذي في المسيح يسوع، أن نرى ما يرى، وأن نفهم ما لا نقدر أن نفهمه، وأن نقبل أن يبدِّلَنا الله لنفهم، وليكون فينا الشعور الذي في المسيح يسوع، وأن نتأمل في كل سرِّه، هو رب المجد والذي "تَجَرَّدَ مِن ذَاتِهِ مُتَّخِذًا صُورَةَ العَبدِ وَصَارَ عَلَى مِثَالِ البَشَرِ، وَظَهَرَ فِي هَيئَةِ إنسَانٍ، فَوَضَعَ نَفسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى المـَوتِ مَوتِ الصَّلِيبِ". 

       كل هذا من الصعب أن يقبله التلاميذ. ويصعب علينا نحن أيضًا اليوم أن نقبله. نحن نؤمن اليوم لأن الله وهبنا نعمة الإيمان، وآمنَّا من دون أن نطرح الأسئلة. نتأمل في السر، ونحتفل بذكرى الموت كل يوم، ولكن هنا أيضًا خلل فينا، العادة فينا حجبت عنا رؤية "الواقع الإلهي". حياتنا اليومية، معتادة على رؤية الصليب، والعادة تمنعنا من أن نكون دائمًا واعين حاضرين أمام حقيقة ما نرى. ليست فينا دائمًا المشاعر التي في الرب يسوع.

       ربي يسوع المسيح، أعطنا أن تكون فينا المشاعر نفسها التي فيك، حتى نفهم ونستقبل في نفوسنا، كل سِرِّكَ الذي أردت أن تُطلِعَنا عليه. آمين.

السبت ٣٠/٩/٢٠٢٣            الأسبوع ٢٥ من السنة/أ