مَن آمَنَ بي لم يُؤمِنْ بي أَنا، بل بالَّذي أَرسَلَني - يوحنا ١٢: ٤٤-٥٠

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٤٤ ورَفَعَ يَسوعُ صَوتَه قال: مَن آمَنَ بي لم يُؤمِنْ بي أَنا، بل بالَّذي أَرسَلَني. ٤٥ ومَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني. ٤٦ جِئتُ أَنا إِلى العالَمِ نورًا، فكُلُّ مَن آمَنَ بي لا يَبْقَى في الظَّلام. ٤٧ وإِن سَمِعَ أَحَدٌ كَلامي ولَم يَحفَظْه، فأَنا لا أَدينُه، لأَنِّي ما جِئتُ لأَدينَ العالَم، بل لأُخَلِّصَ العالَم. ٤٨ مَن أَعرَضَ عَنِّي ولَم يَقبَلْ كَلامي فلَه ما يَدينُه: الكَلامُ الَّذي قُلتُه يَدينُه في اليَومِ الأَخير ٤٩ لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي، بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم ٥٠ وأنا أَعلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَه حَياةٌ أَبَدِيَّة، فما أَتَكَلَّمُ بِه أَنا أَتَكَلَّمُ بِه كما قالَه لِيَ الآب.

مَن آمَنَ بي لم يُؤمِنْ بي أَنا، بل بالَّذي أَرسَلَني - يوحنا ١٢: ٤٤-٥٠

  الحرب ١٩٩

                 "دَعَوتُ بِكُلِّ قَلْبي فأَجِبْني، يا رَبُّ. فإِنِّي أَرْعى فَرائِضَكَ. إِيَّاكَ دَعَوتُ، خَلِّصْني فأَحفَظَ شَهادَتَكَ. سَبَقتُ الفَجرَ وصَرَختُ، كلِمَتَكَ رَجَوتُ. سَبَقَت عَينايَ الهَجَعات لِلتَّأَمّلِ في قَولكَ. استَمع صَوتي بِحَسَبِ رَحمَتِكَ، أَحْيِني، يا رَبُّ، بِحَسَبِ أَحْكامِكَ" (مزمور ١١٩: ١٤٥-١٤٩).

                 "دَعَوتُك بِكُلِّ قَلْبي فأَجِبْني، يا رَبُّ". من غزة ومن رفح ومن كل أرضك المقدسة التي اعتدى "كبار الأرض" على قداستها، ندعوك، يا رب. خلِّصْنا. إلى متى، يا رب؟ إلى متى، أنت الأب الرحيم تترك أقوياء الأرض يقتلون أبناءك؟  هنا، أنت قبِلتَ الموت لتقهر الموت، وقهرته، ولكنك الآن تترك الموت يقهر الناس الذين فديتهم؟ أرسل روحك، يا رب، فنراك، فنعرف ونقبل ما تريده منا. ارحمنا، يا رب.  

        إنجيل اليوم

        "ورَفَعَ يَسوعُ صَوتَه قال: مَن آمَنَ بي لم يُؤمِنْ بي أَنا، بل بالَّذي أَرسَلَني. ومَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني" (٤٤-٤٥).

        يحاول يسوع أن يحمل سامعيه، وتلاميذه أيضًا، على معرفته، من هو. ليس هو المسيح المنتظر فقط، الذي يخلِّصُ إسرائيل من ظالميها. وليس هو فقط ابن داود الذي يأتي من بيت لحم. إنما هو أيضًا ابن الله، واحدٌ مع الآب الذي أرسله. كان بطرس قد رأى ذلك بإلهام من الله لما اعترف به قال: أنت المسيح ابن الله الحي. ومع ذلك، بطرس لم يكن يدرك كل ما يقول. سر يسوع، التجسد، والفداء، حتى تلك اللحظة كان خافيًا على بطرس وسائر الرسل.

        ونحن الذين أعطانا الله أن نعرف سر يسوع؟ نحن المعمَّدين، والمكرَّسين والمرسومين، هل نعرف فعلًا يسوع في حياتنا، فيما نعيش؟ "مَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني". يسوع واحد مع الآب. وأنا مدعُوٌّ إلى هذه الوحدة، مدعُوٌّ إلى أن أرى وأحيا حياة يسوع. حياتي المسيحية، حياة مع يسوع ومع الآب ومع الروح القدس، وعلى الأرض المملؤة بالخطيئة والموت، بل بالرغم من الخطيئة والموت. يسوع الذي ارتفع على الصليب، يجذبنا إليه حيث هو في العُلى.    

        "جِئتُ أَنا إِلى العالَمِ نورًا، فكُلُّ مَن آمَنَ بي لا يَبْقَى في الظَّلام. وإِن سَمِعَ أَحَدٌ كَلامي ولَم يَحفَظْه، فأَنا لا أَدينُه، لأَنِّي ما جِئتُ لأَدينَ العالَم، بل لأُخَلِّصَ العالَم" (٤٦-٤٧).

        يسوع هو النور. هو نوري. معه لا يبقى ظلام. أنا نفسي بجب ألا أُبقِي في نفسي ظلامًا. هل الأمر فيَّ هو كذلك؟ ربي، أنت تعلم كل شيء، أنت تعلم أني أريد أن أكون فقط في نورك. وتعلم أيضًا أني لست دائمًا في نورك. لست دائمًا أمامك، وأمام الآب الذي أرسلك.   

        مَن أَعرَضَ عَنِّي ولَم يَقبَلْ كَلامي فلَه ما يَدينُه: الكَلامُ الَّذي قُلتُه يَدينُه في اليَومِ الأَخير ٤٩ لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي، بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم ٥٠ وأنا أَعلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَه حَياةٌ أَبَدِيَّة، فما أَتَكَلَّمُ بِه أَنا أَتَكَلَّمُ بِه كما قالَه لِيَ الآب" (٤٨=٥٠).

        يسوع يكلم سامعيه في ظروفهم الخاصة في زمنهم. كانوا ينتظرون مسيحًا زمنيًّا، وكانوا يعيشون في نور الشريعة فقط، الذي حصروه في نورهم، وصار مقدرة على رفض الجديد الذي يأتي به يسوع. ويسوع لم يأت ليدين، بل ليخلِّص.

        ونحن، هل نريد أن نَخلُص فعلا؟ هل نترك يسوع يرفعنا، فنراه كما هو، واحدًا مع الآب؟ وأحيا أنا نفسي حياته الإلهية، على الأرض، وبالرغم من شرور الأرض وويلاتها؟ 

        ربي يسوع المسيح، أنت الذي أرسلك الآب، أنت الواحد مع الآب، أنت النور، أنِرْني وعلِّمْني. ويلات الأرض تُعمِيني، وصراخ الفقراء يجعلني أسأل: أين أنت، يا رب؟ ارحمنا جميعًا، يا رب، وارحم هذه الأرض الميتة في الظلام. نجِّنا من الشرير، يا رب، وارفَعْنا إليك. آمين.

الأربعاء ٢٤/٤/ ٢٠٢٤                   بعد الأحد الرابع للفصح