وادي الملك وطاحونة الراهب والزيتون على ضفاف المياه

الكاتب : الأب رائد أبو ساحلية – راعي كنيسة اللاتين في الرينة

مسار جميل طوال السنة وخاصة في فصل الشتاء اذ تجري فيه المياه الغزيرة التي تنبع من جبل السيخ بقرب الرينة، وتمر بصفورية وتصل وادي الملك وتصب في نهر المقطع الذي يصب في البحر المتوسط شمال حيفا.

وادي الملك وطاحونة الراهب والزيتون على ضفاف المياه

وعلى امتداد الوادي نجد عدة طواحين كانت تدار بالمياه أشهرها طاحونة الراهب التي تقع بين قرية الكعبية وقرية رأس علي... نترككم مع دراسة شاملة مستفيضة من الدكتور المؤرخ شكري عرّاف، حول وداي الملك والطواحين التي أقيمت على امتداده، مأخوذة من كتابة الكامل المتكامل "مطاحن فلسطين حضارة سحقتها الثورة الصناعية."

مطاحن وادي المَلَك/صفورية:

يُعتبر وادي الملك "وادي الجليل الأسفل" بامتياز، ومع ذلك فهو ليس نهرًا. مساحة حوضه 260كم2 ومعدل الرواسب على حوضه 682 ملم/السنة، تعطي 150 مليون م3/سنويًا.

طوله 32كم، وهو من روافد نهر المقطع، يسمّى "وادي المشيرفة" أيضًا. ينشأ من جبل سيخ شرقي الناصرة - الرينة، يتجه إلى الغرب في مرج واسع، وإلى الجنوب من صفورية تنبع فيه عيون هي مصدر مائه. من عيون صفورية يتجه غربًا ويلتقي "وادي الخلّادية" الذي يصرف مرج البطوف، وهناك يسمى "وادي المَلَك".

هذا الوادي دائم الجريان، يجري أكثر من 1.25 مليون م3/السنة في مجراه الأعلى، أي ما معدله 42 لترًا/الثانية، لكن هذا المنسوب غير ثابت، إذ يتسرّب قسم من مياهه في التربة خلال جريانه.

من عيونه: عين القسطل، عين الحنانة، عين البيضا، عين العلوش، عين المشيرفة، عيون أم حميد، عين عكسان، عين الجابية، عين الورد، عين العسكر وعين حسن، وأهمها عين القسطل التي تنبع من ارتفاع 225م عن سطح البحر. منسوبها غير ثابت، يتراوح بين 10-59 لترًا/الثانية، ومعدله 7-15 لترًا/الثانية في شهري تشارين و100لتر /السنة الماطرة، وتصل كمية مياهها إلى 1.072 مليون م3/السنة.

أدارت مياه هذه العين ثماني مطاحن إلى الغرب منها، وعلى طول 3كم مستغلة فروق الارتفاع بين 220-160م.

ذكرها روبنسون عام 1838 وبعثة استكشاف فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

كان لريّ أراضي صفورية أكبر الأثر على عدم قدرة المياه على إدارة الطواحين، وإذا أضفنا المطاحن التي عملت بالمازوت في الناصرة وتلك التي عملت في صفورية نفسها عام 1926، فإن ذلك أثّر في عمل الطواحين. كانت قدرة الطحن 3-4 أكياس في اليوم فقط.

طواحين المجرى الأعلى:

- طاحونة محمد معيد/النبي اقبال- كانت قرب عين القسطل، وكان ارتفاع قناتها 3.5م وقطر بئرها 100سم.

- طاحونة مطلق سعيد سليمان- وهي بين البساتين، كانت مبنية من حجر غشيم.

- الطاحونة الصغيرة - بقي منها ستة مداميك في عام 1955، لكن قناتها اختفت.

- طاحونة كوانية – هُدمت أيام الانتداب البريطاني وأُخذت حجارتها للبناء في مناطق أخرى.

- طاحونة عربي- كانت قرب الشارع صفورية-شفاعمرو، لم يبقَ منها شيء. كان ارتفاع ساقطها 4.5م، وكان صاحبها صالح سليم، وقد عملت في صباه.

- طاحونة عثماني – كانت على الضفة اليسرى للوادي.

ذكر لي محمد بشر أسماء الطواحين التي عرفها الصفوريون: الطاحونة الفوقا، طاحونة دار حسن عيسى وكانت مشتركة، الطاحونة الوسطى، طاحونة كيوان، طاحونة الزغايرة، الطاحونة الجديدة، وطاحونة دار عباس

إعتمدت هذه الطواحين على مياه راس العين التي تبعد حوالي 150م من مجرى الوادي في إحداثيات (1667.2402)، وهي تبعد حوالي 5كم إلى الجنوب من شفاعمرو في خط هوائي.

منسوب هذه العين 27 لترًا/الثانية، وهو يتفاوت بين 12- 56 لترًا/الثانية، اعتمادًا على رواسب السنوات.

حُصرت مياه هذه العين في بركة بُنيت في الفترة الرومانية، أطوالها 33.5/9.5م، وقد رُممت مرارًا خاصةً من رهبان دير المحرقة.

إستُعملت مياهها ومياه الوادي لإدارة الطواحين، وذلك بعد إقامة سدّ رفع مستوى المياه، ومنه وُجّهت هذه المياه في قناة منحوتة في صخر السفح الشمالي للوادي.

أدارت مياه القناة طواحين على بعد حوالي 2كم إلى الغرب من السد والبركة. بعد إدارة الطواحين وُجّهت المياه إلى قناة في الضفة الشمالية للوادي على سرج جبلي ضيّق يربط راس علي بسلاسل المرتفعات الجنوبية، حيث مجموعة مطاحن أخرى تبعد 1100م عن الأولى حيث طاحونة الراهب.

أما الطواحين في المجرى الأسفل لوادي الملك فهي:

- طاحونة أم القناطير/أم القناتين- تقع في وادي صفورية، كان ارتفاع قناتها 3.8م وقطر باب بئرها 60سم(3).

- طاحونة عراس – وهي اَخر طواحين صفورية غربًا، كان ارتفاع قناتها 3.5م، غذتها بقية مياه الريّ.

- المطحنة المرفوقة/راس العين/راس علي- أما المرفوقة فهي "مار فوقا"، وهو قدّيس على اسمه كنيسة في شفاعمرو، وهي قرب قرية راس علي. ارتفع جدار قناتها 6.65م عن سطح المطحنة، أما ارتفاع البناء فهو 5.65م، وهكذا يكون ارتفاع مسقط الماء 12.3م، وهو من أعلى مساقط المطاحن في فلسطين.

كانت هناك طاحونتان: العليا شراكة بين الوقف الدرزي والكنيسة الكاثوليكية وأمين أبو رحمة في شفاعمرو. كانت قدرتها حوالي 100كغم حبوب/الساعة شتاءً و25 كغم فقط صيفًا. عملت حتى عام 1930-1931، وتوقفت بعد تشغيل مطاحن بالمازوت في كلٍ من شفاعمرو وإبطن، ولم تُجدّد بعد ذلك.

كانت هذه الطاحونة لاَل تلحمي الشفاعمرية وكان توفيق تلحمي اَخر من ملكها منهم.

وصل انتاجها في فصل الشتاء إلى كيل جليلي/75كغم /الساعة، وقد دفع الطاحنون أجرتها عينًا، أي بقسم من الطحين، وذلك بمعدل 1.5 صاعًا لكل كيل من الحبوب، أو أنهم دفعوا أربعة متاليك، ثلاثة أرباع القرش التركي عن صاع حبوب.

نزلت الأجرة شتاءً حتى النِصف، وذلك لجذب الزبائن الذين كانوا يفضلون طاحونة الراهب، ومطاحن الموتورات التي بدأت تعمل منذ عشرينيات القرن العشرين.

في هذه المطحنة عمل أربعة برّاكين، كانت أجرتهم ليرة تركية في الشهر، إضافة إلى الهدايا التي كان الطاحنون يعطونها، وهي "نتشة" مقابل تنزيلهم وتحميلهم لأكياس الحبوب، وهي عبارة عن حفنة طحين عن كل كيس.

خاف توفيق تلحمي من توقّف المطحنة فاشترى موتورًا قوّته 16 حصانًا ميكانيكيًا، شغّل حجرًا اَخر طحن 185كغم/الساعة.

مع موت صاحب المطحنة انقسم إرث هذه المطحنة بين أربعة إخوة، باعوا الموتور وبقي مبنى المطحنة لأخوين إثنين. بنيا مخزنًا صغيرًا على سطحها، وضعوا فيه مدبغة جلود، والدباغة بحاجة إلى ماء، وهو متيسر هناك.

في عام 1944 باع أحدهم حصته لاَل قرمان الذين أقاموا مزرعتهم إلى الجنوب من مجرى الوادي، لكن توفيق لم يتفق مع اَل قرمان، وفكَّ الشراكة معهم وانتهى عمل المطحنة(4).

- طاحونة الراهب:

وهي قرب عين سعيد وقرية راس علي، كانت مسقوفة بالقرميد، وهي قرب ضلع الجبل إلى الشمال من وادي الملك، بنوا فوق الوادي جسرًا وجَدّدوا البركة ومبنى الطاحونة وأجروا الماء إليها بقناة.

نحتوا شعار دير الكرمليين في المحرقة فوق أبوابها. كانت المطحنة من طابقين لتكون فيها طاحونتان في كلٍّ منهما حجران، أي أن الهدف إيجاد أربع مطاحن في كِلا الطابقين، ولتقوية المياه بنوا سدًّا عاليًا على مجرى الوادي.

ضمّنوا الطاحونة سنويًا لأحد سكان شفاعمرو، وبضمانها بنوا ديري المحرقة والكرمليين على جبل الكرمل. هبَط إنتاجها خلال حوادث 1928-1929 الدموية، والمعروفة بـ "ثورة البراق". وقد توقف عملها في أواخر عشرينيات القرن العشرين بأثر وجود المطاحن التي عملت بالمازوت في إبطن وشفاعمرو.

كان معدل إنتاجها 250كغم/الساعة وكان فيها حجران وبئران، وقد جرت المياه بعد أن أدارت الأولى إلى الثانية. كانت هذه الطاحونة مُلكًا للدروز، اشتراها الرهبان الكرمليون في أواسط القرن التاسع عشر، مباشرةً بعد حرب القرم عام1855، يُذكر أن ديرهم قد جُدّد أيام الحكم المصري لفلسطين، وهي الفترة التي شهدت تسامحًا دينيًا بأثر سياسة إبراهيم باشا التسامحية. وقد سكنوه عام 1835. غيّر إبراهيم يوسف الدُرّ الشفاعمري فراشها الخشبي إلى اَخر من الحديد، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى.

حوّلوا هذه المطحنة إلى مطروف لعصر الجفت وإخراج ما تبقى من زيت فيه، لكن المشروع لم ينجح بسبب قلّة الناس الذين أرادوا إنتاج الزيت من جفتهم.

كان إبراهيم مباريكي اَخر من ضمنها من شفاعمرو، مات الرجل عام 1955.

كان علو ساقط المطحنة في الطابق العلوي 8.4م وقطر بئرها الأولى 100سم والثاني 85سم. سقط الماء من الطابق العلوي على سطح الطابق الأول إلى اَبار المطحنتين السفليين، كان قُطر أحد البئرين 60سم وارتفاع ساقطة 7.6م، أي أنها استغلّت علو 16م.

رُمم المبنى لتربية الخنازير، وقد بُنيت عشرات الأحواض وصلت عربات تجرّها البغال إلى هذه المزرعة. وتحوّلت إلى مزرعة لتربية الماعز(5).

- طاحونة خربة الكساير - لم يذكر هذه الطاحونة غير محمد بشر في كتابيه عن صفورية(6).