هكذا وقعت المجزرة..

الكاتب : زياد شليوط

القيامة - ننشر فيما يلي مقدمة الكتاب الوثائقي "مجزرة الرابع من آب 2005 الإرهابية في شفاعمرو" الذي أعده الكاتب الشفاعمري زياد شليوط وأصدرته بلدية شفاعمرو آب 2018، والذي يوثق المجزرة العنصرية التي وقعت في شفاعمرو، والتي تمر اليوم ذكراها السنوية التاسعة عشرة.

هكذا وقعت المجزرة..

في الرابع من آب 2005 وقبل الساعة الخامسة بقليل، وفي حي مرشان في مدينة شفاعمرو العربية الجليلية، وقف مستوطن يهودي يميني حاقد يرتدي بزة الجيش الاسرائيلي وهو يحمل سلاحه، وبدل أن ينزل من الحافلة التي أقلته الى شفاعمرو، أشهر سلاحه فجأة وأخذ يطلق النار بشكل محكم، فقتل أولا سائق الحافلة المرحوم ميشيل بحوث (56 عاما) وبعده من جلس قريبا منه فسقطت الشقيقتان هزار (23 عاما) ودينا (21 عاما) عادل تركي مضرجتين بدمائهما الربيعية، وكان الشهيد الرابع المرحوم نادر حايك (52 عاما)، وأصيب عدد من ركاب الحافلة اصابات منها البليغ ومنها الخفيف، 

فأصيبت شابة برصاصة في وجهها استدعت المكوث في المستشفى أياما عدة أجريت لها عملية جراحية، وأصيبت فتاة أخرى بحروق في يديها عندما تصدت للقاتل وأبعدت البندقية عن وجهها، كما أصيب شاب ثالث تعارك مع القاتل وانتزع منه سلاحه، ولو لم تتم السيطرة على القاتل لكانت حصيلة جريمته أكبر حجما وأكثر عددا، لكن يقظة بعض الركاب وأهل الحي حالت دون وقوع مأساة مهولة في شفاعمرو.

واصلت الحافلة تقدمها ببطء نحو عدة أمتار، الى أن اصطدمت بسيارة كانت متوقفة بجانب الطريق وبعامود إنارة. وفي غضون ذلك، استمر السفاح في إطلاق النار بشكل عشوائي على الركاب الآخرين الذين كانوا في الحافلة، مختبئين تحت المقاعد المقابلة لهم وحاولوا بعد ذلك الفرار عبر الباب الخلفي الذي كان مفتوحا، كما صوّب سلاحه الرشاش نحو الأشخاص الذين تجمهروا في الخارج.

وعندما انتقل الخبر إلى الأهالي انتقال النار في الهشيم تجمع العشرات بل المئات من أهالي المدينة، خاصة وأن معظمهم قد عرف الشهداء الأربعة أو أحدهم معرفة شخصية، كما حضرت قوات كبيرة من الشرطة والقوات الخاصة وعلى رأسها القائد العام للشرطة لحماية القاتل وتهدئة الخواطر والسيطرة على الوضع.

وعلى جانب آخر حضرت قيادات المجتمع العربي من مختلف التيارات على وجه السرعة، منهم نواب في الكنيست ومنهم رؤساء وأعضاء سلطات محلية وشخصيات سياسية ومجتمعية.

وجاء في تقرير لصحيفة محلية " بعد إطلاق الرصاص والسيطرة على الارهابي تجمع الآلاف حول الباص المنكوب والإرهابي ما زال في داخله. وقد أحاط شرطيون بالباص ودافعوا عن الإرهابي أمام المتجمهرين. وفي مرحلة معينة نجح عشرات الشبان في الدخول الى الباص، ثم قاموا بقتله، كما أفيد. وبحسب شهود عيان، قام الشبان بضرب الارهابي وألقوا عليه أغراضا مختلفة. وبعد ذلك تم ابعادهم من هناك، إلا أن الشرطيين لم ينجحوا في إنقاذ حياة الارهابي، وبقيت جثته في المكان لوقت طويل حتى تمكنت الشرطة بمساعدة رجال دين من اخراج جثة الإرهابي من الحافلة، وذلك في حدود الساعة العاشرة ليلا". (صحيفة "المدينة" الجمعة 5 آب 2005، ص 2- طبعة خاصة).

وقد أصيب بنيران المجرم العنصري عدد من ركاب الحافلة وهم: فيفيان جمال (22 عاما) التي أصيبت برصاصة في الناحية الخلفية من أذنها (دخلت الرصاصة من خلف أذنها وخرجت من وجنتها). كما أصيب صبري محسن (35 عاما) في يده، وذلك لدى محاولتهما الفرار من الحافلة. وواصل السفاح إطلاق النار، فوجد إحدى الراكبات، بديعة شعبان، مختبئة في مقعدها (المقعد الثاني من الجهة اليمنى، خلف مقعد الشقيقتين تركي). فصوب ماسورة بندقيته نحو رأسها، وضغط على الزناد لكن الرصاص لم ينطلق، إذ لم يتبقّ رصاص في السلاح على ما يبدو. فاستغلت بديعة تلك اللحظات وهجمت عليه، ممسكة بماسورة البندقية وقامت بدفعه الى الخلف. في الوقت نفسه انقض عليه أيضا أحد الركاب، هايل جنحاوي (28 عاما)، فأمسك بالماسورة وأخذ يتصارع معه. 

وفي نهاية الأمر، نجح في طرح السفاح على المقاعد بعد أن تمكّن من القبض على سلاحه بكلتا يديه، ضاغطا به على صدره. وفي الوقت نفسه، عندما خيّم الهدوء وتوقف إطلاق النار، دخل الى الحافلة أناس آخرون، فقيّدوا السفاح بالأصفاد واقتادوه الى الجهة الخلفية داخل الحافلة. وسأل أحدهم السفاح: "أتعرف ماذا فعلت؟" فأجاب برباطة جأش: "نعم. جئت لأقتل عربا".

وفي غضون ذلك، وصل أفراد من الشرطة فدخلوا الى الحافلة. وفي الخارج، تجمهر أهالي المدينة، ثم دخل عدد منهم الى الحافلة وانهالوا على السفاح بالضرب. وانتهى الحدث بموت السفاح فقامت الشرطة بنقل جثته. وكانت حصيلة هذه المذبحة استشهاد أربعة من المواطنين الشفاعمريين وإصابة نحو إثني عشر آخرين بجراح متفاوتة.
يتضح مما نشر في الصحف، أن سلسلة من التقصيرات حالت دون أن تتمكن الجهات الأمنية من كشف خطورة السفاح في الوقت المناسب. ويتضح من تحقيق صحيفة "هآرتس"، أنه كانت لدى الجيش الإسرائيلي والشاباك معلومات مسبقة، بما في ذلك تحذيرات عائلة السفاح، كان يمكن أن تشير الى أن السفاح خطير وقد يستخدم سلاحه الشخصي الذي فر به من الجيش. 

وكشف تحقيق الشاباك أنه كان هناك "خطأ في وزن الأمور" من طرفه لأنه لم يوصِ بعدم تجنيد السفاح للجيش الإسرائيلي، حيال علاقاته مع نشطاء "كاخ". وأكد رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، أنه يرى في المذبحة فشلا للشاباك، لأنه لم ينجح في منعها. (من تقرير المؤسسة العربية لحقوق الانسان).