الله يعيد إلينا ما أعطيناه - مرقس ١٠: ٢٨-٣١

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"فَقَالَ يَسُوعُ: الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: مَا مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتًا أَو إخوَةً أَو أَخَوَاتٍ أَو أُمًّا أَو أَبًا أَو بَنِينَ أَو حُقُولًا مِن أَجلِي وَأَجلِ البِشَارَةِ، إلّا نَالَ الآنَ، فِي هَذِهِ الدُّنيَا، مِائَةَ ضِعفٍ مِنَ البُيُوتِ وَالإخوَةِ وَالأَخَوَاتِ وَالأُمَّهَاتِ وَالبَنِينَ وَالحُقُولِ، مَعَ الِاضطِهَادَاتِ، وَنَالَ فِي الآخِرَةِ الحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ" (٢٩-٣٠).

الله يعيد إلينا ما أعطيناه - مرقس ١٠: ٢٨-٣١

 

٢٨. وأخذ بطرس يقول له: ها قد تركنا نحن كل شيء وتبعناك. 

٢٩. فقال يسوع: الحق أقول لكم: ما من أحد ترك بيتًا أو إخوةً أو أخَواتٍ أو أُمًّا أو أبًا أو بنين أو حقولًا من أجلي وأجل البشارة 

٣٠. إلّا نال الآن في هذه الدنيا مائة ضعف من البيوت والإخوة والأخَوات والأُمَّهات والبنين والحقول، مع الاضطهادات، ونال في الآخرة الحياة الأبدية. 

٣١. وكثير من الأوَّلِين يصيرون آخِرين، والآخِرون يصيرون أوَّلين.

 

"وَأَخَذَ بُطرُسُ يَقُولُ لَهُ: هَا قَد تَرَكْنَا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وَتَبِعْنَاكَ" (٢٨). 

"وَتَبِعْنَاكَ". هذه عِلّةُ وجودنا، اتباع يسوع، أن نكون مثله، أن نقيم معه، الذي هو والآب واحد، وأن نتابع عمله على الأرض. مثل يسوع، أن نرى ما يرى، أن نعمل ما يعمل، أن نحِبَّ كما يُحِبّ، وأن نتألم كما تألم. لنَتبعَه، لنكونَ مثلَه، في حياة الاب والروح القدس، تركنا كل شيء.

تركنا كلَّ ما ليس أنت، كل ما يمكن أن يمنعنا من أن نكون كلنا لك. تركنا شر هذه الأرض. تركنا خيرات الأرض، التي يمكن أن تشتت انتباهنا، وتبعدنا عنك.

تركنا وشارَكْنا خيراتنا في الأرض مع إخوتنا، أبنائك، يا الله. أعطينا أبناءك، وسلَّمْنا أنفسَنا بين يدَيْكَ.

تركنا كل شيء، وصرنا أحرارًا من كل قيد، لنتبعك، أنت وحدك، لنجد فيك كل كياننا وكل حياتنا. أنت وحدك فقط، أنت كل شيء.

الأرض لك. وأنت تعيدها إلينا، وقد بدَّلْتَها بصلاحك. ونأخذها كما تعطينا إياها. أعطَيْتَنا إياها من قبل، لنشتغل فيها، ولنجد فيها عيشنا، ونبقى دائمًا أمامك. لكن شيئًا فشيئًا، صنعنا منها أصنامًا. لهذا، تركنا كل شيء، لنتبعَك، ونعود إليك، أحرارًا من كل قيد. 

"فَقَالَ يَسُوعُ: الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: مَا مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتًا أَو إخوَةً أَو أَخَوَاتٍ أَو أُمًّا أَو أَبًا أَو بَنِينَ أَو حُقُولًا مِن أَجلِي وَأَجلِ البِشَارَةِ، إلّا نَالَ الآنَ، فِي هَذِهِ الدُّنيَا، مِائَةَ ضِعفٍ مِنَ البُيُوتِ وَالإخوَةِ وَالأَخَوَاتِ وَالأُمَّهَاتِ وَالبَنِينَ وَالحُقُولِ، مَعَ الِاضطِهَادَاتِ، وَنَالَ فِي الآخِرَةِ الحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ" (٢٩-٣٠). 

الله يعيد إلينا ما أعطيناه. وما أعطينا إخوتنا. وهو بعطينا أضعاف ما أعطيناه. مئة بالمئة. سعادة تملأ النفس، لا بالخيرات المادية، التي يمكن أن تعود وتصير أصنامًا، وتمنعنا من رؤية الله. بل السعادة التي لا تُقدَّر بقياس. 

والخيرات الأرضية نفسها، يعيدها الله إلينا في الحياة، نوعًا ما. ففي الحياة الرهبانية، الرهبان والراهبات تركوا كل شيء. وفي الحياة الرهبانية وجدوا كل شيء، كل ما هو ضروري للحياة. يعيشون في الجماعة، ولا أحد ينقصه شيء، لا البيت، ولا اللبس ولا الطعام، ولا العلاج. الجماعة تضمن كل شيء. تركنا كل شيء. ويسوع قال: ستنالون الضعف ومئة بالمئة. هنا على الأرض وفي الأبدية. نجد الله، سنكون معه، ولن نريد شيئا غيره. هل يمكننا أن ندخل منذ اليوم ونحن على الأرض في هذا الزمن، الزمن الخالي من الأشواق، إلّا الشوق إلى الله، فنمتلئ ونشبع بحب الله خالقنا وأبينا؟

وأضاف يسوع: مع الاضطهادات. "طُوبَى لَكُم، إذَا شَتَمُوكُم وَاضطَهَدُوكُم وَافتَرَوْا عَلَيكُم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلِي، افرَحُوا وَابتَهِجُوا: إنَّ أَجرَكُم فِي السَّمَوَاتِ عَظِيمٌ" (متى ٥: ١١-١٢).

تركنا كل شيء، ونلقى الصليب؟ نعم. نترك كل شيء لنتبع يسوع، هنا على الأرض، ونسير معه حتى الجلجلة. حتى نكون معه في قيامته.

والحياة الأبدية، رؤية الله، ويعطينا إياها الله هنا على الأرض إن أردنا، إن خرجنا حقًّا من كل أشواق الأرض. لنفسح المجال للخير الأسمى وحده، لله أبينا.

ربي يسوع المسيح، آمنَّا. وتبعناك. ونعرف أننا على طريق الحياة. أعطنا أن ندخل الأبدية، منذ الآن، ونتابع بناء الأرض بقوة صلاحك، وحبك. آمين.

الثلاثاء ٣٠/٥/٢٠٢١                             بعد العنصرة