التأمل اليومي من غبطة البطريرك ميشيل صباح الجزيل الوقار

الأسبوع ٢٩ من السنة/ج لوقا ١٨: ١-٨ / لوقا ١٢: ١٣-٢١ اللهم، إنهم واقفون أمام سر حبك لنا جميعًا في هذه الكنيسة. ارحمنا. وامنحنا سلامك وعدلك. آمين.

التأمل اليومي من غبطة البطريرك ميشيل صباح الجزيل الوقار

 

١٣. فقال له رجل من الجمع: يا معلم، مر أخي بأن يقاسمني الميراث. 

١٤. فقال له: يا رجل، من أقامني عليكم قاضيا أو قساما؟ 

١٥. ثم قال لهم: تبصروا واحذروا كل طمع، لأن حياة المرء، وإن اغتنى، لا تأتيه من أمواله. 

١٥. ثم ضرب لهم مثلا قال: رجل غني أخصبت أرضه، 

١٧. فقال في نفسه: ماذا أعمل؟ فليس لي ما أخزن فيه غلالي. 

١٨. ثم قال: أعمل هذا: أهدم أهرائي وأبني أكبر منها، فأخزن فيها جميع قمحي وأرزاقي. 

١٩. وأقول لنفسي: يا نفس، لك أرزاق وافرة تكفيك مؤونة سنين كثيرة، فاستريحي وكلي واشربي وتنعمي. 

٢٠. فقال له الله: يا غبي، في هذه الليلة تسترد نفسك منك، فلمن يكون ما أعددته؟ 

٢١. فهكذا يكون مصير من يكنز لنفسه ولا يغتني عند الله.

 

 

في إنجيل اليوم أخ ظلم أخاه، أخَوان متخاصمان بسبب الميراث. كلاهما غلب عليهما حب المال. طلب أحدهما من يسوع أن يأمر أخاه بأن يقاسمه الميراث. فأجابه يسوع بضرورة التوبة وعدم التمسك بالمال فهو زائل، والإنسان نفسه زائل. قال ذلك، ليسمع الظالم فلا يظلم أخاه، وليسمع كلاهما، وليبقيا أخوين متحابَّين، قلا يسمحان للمال لأن يفسد بينهما، ويكون سببَ هلاكهما.

واليوم صلاتي أمامك، يا رب، هي صلاة المعذَّبين في هذه الأرض المقدسة. أضع عذابهم أمامك، ومعهم أصرخ: يا رب، تطلع من السماء وانظر، وارحم. اليوم في بيت لحم، عند الظهر، أمام كنيسة المهد، التي تحوي سرك الأزلي، يوم صرت إنسانا لتخلص الإنسان، أناس معذبون، ومعهم مؤمنون ورؤساء روحيون من القدس ومن بيت لحم، يقفون أمامك، ليرفعوا صوتهم قائلين: يا رب ارحم.

في الضفة كلها، في مدنها وقراها اشتد عنف الجيش والمستوطنين على الناس، صار عنفهم شاملا ولا يطاق. والناس، والواقفون أمام جلال سرك في كنيسة المهد يقولون: يا رب، ارحم. ليس لدينا من يحمينا سواك. الناس ظلمونا. قتلونا، وسلبونا حريتنا. إنّا نقف أمامك، فأنت ترى كل أبنائك، أنت تعلم من المعتدي ومن المعتدى عليه.

ويقفون أيضًا أمام كنائس العالم، التي تتأمل في سرك كلما توجهت بصلاتها وقلبها إلى هذا المكان المقدس. الواقفون أمام المهد يقولون: إن رأيتم الله في بيت لحم، انظروا إلى الإنسان في بيت لحم وفي القدس وفي كل فلسطين، انظروا مذلة الإنسان، ودماء الإنسان، وإن كنتم تؤمنون بالله، يقول الله لكم اهتموا واعملوا على وقف شر الإنسان.

نعم، يا رب، في العالم كله حروب واضطهادات للإنسان، في روسيا حرب وفي أوكرانيا حرب، وفي أماكن كثيرة حروب. وهنا أمام المهد أناس واقفون يقولون: نحن أيضًا نواجه الموت والمذلة كل يوم، ونواجه المعتدين على حريتنا وكرامتنا. حيث تم سر الله لخلاص الإنسان، الإنسان يهان. وهذا منذ عقود وأجيال. ألا يوحد مؤمن، ألا توجد كتيسة، ألا توجد دولة، يهمها وتستطيع أن تصنع عدلا وسلاما في هذه الأرض التي قدستها أنت، يا رب؟

اللهم، إنهم واقفون أمامك، أمام كنيسة المهد. تتطلع من السماء وانظر وأعد هذه الأرض إلى قداستها. أعد الإنسان إلى إنسانيته، أعد الظالم إلى إنسانيته. ليرى ويتحرر هو، ليصير قادرًا لأن يراك، وفي رؤيتك يرى نفسه ويجد سلامه، ويرفع يده عن أخيه.

لسرك الأزلي نسجد، يا رب. أعد الملائكة لتترنم بسلامك في سمائنا وأرضنا. الواقفون أمام كنيستك في بيت لحم يقولون: يا رب ارحم. ويقولون للناس: اصنعوا عدلا، وكفوا ظلمكم. ويقولون للملائكة: عودوا إلى سمائنا وأرضنا. لكن، هل يعود الملائكة فعلا إلى أرضنا؟

اللهم، إنهم واقفون أمام سر حبك لنا جميعًا في هذه الكنيسة. ارحمنا. وامنحنا سلامك وعدلك. آمين. 

الاثنين ١٧/١٠/٢٠٢٢

 

 

١. وضرب لهم مثلا في وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل،

٢. قال: كان في إحدى المدن قاض لا يخاف الله ولا يهاب الناس.

٣. وكان في تلك المدينة أرملة تأتيه فتقول: أنصفني من خصمي،

٤. فأبى عليها ذلك مدة طويلة، ثم قال في نفسه: أنا لا أخاف الله ولا أهاب الناس،

٥. ولكن هذه الأرملة تزعجني، فسأنصفها لئلا تظل تأتي وتصدع رأسي.

٦. ثم قال الرب: اسمعوا ما قال القاضي الظالم.

٧. أفما ينصف الله مختاريه الذين ينادونه نهارا وليلا وهو يتمهل في أمرهم؟

٨. أقول لكم: إنه يسرع إلى إنصافهم. ولكن، متى جاء ابن الإنسان، أفتراه يجد الإيمان على الأرض؟

قاض ظالم. ووكيل ظالم، ورد ذكره أيضا في أمثال يسوع. يسوع يكرز بملكوت السماوات، ويعرف أنَّ في الأرض خطيئةً وظالمين. ويقول لنا: تشبهوا لا بظلمِهم. بل كما هم ما هرون في شؤون الأرض، كونوا أنتم ماهرين في شؤون الله.

في المثل اليوم، الشخصية الرئيسية هي الأرملة المسكينة، المظلومة. يسوع يقول لنا: إن صليتم فتشبهوا بثباتها، بعدم يأسها. لا أحد لها في الأرض، إلا شفقة الناس عليها. هي الإنسان الضعيف، الذي يقدمه لنا يسوع مثالًا لنثبت في الصلاة ولا نمَلّ. هي سألت إنسانًا، ونحن نسأل الله. هي سألت ظالمـًا، ونحن نسأل إلهًا، أبًا محبًّا، يعطف علينا. في صلاتنا نقترب من الله خالقنا وأبينا، الإله القدوس، كله صلاح، وكله محبة. توجُّه الأرملة إلى القاضي الظالم كان يزيدها مذلة، وتوجُّهنا إلى الله يزيدنا رفعة وفرحًا، ويكثِّر الحياة فينا.

الثبات في الصلاة ثبات في طلب الحياة، مهما كانت حاجتنا. والله يعرفها. قال لنا يسوع المسيح ذلك: إن أباكم السماوي يعرف ما تحتاجون إليه. لكن اقتربوا منه، لتزدادوا قداسة بقداسته، ومحبة بمحبته، ونورًا بنوره. اقتربوا من الله. لتحققوا هدف حياتكم الأسمى: أن تصيروا مثل الله.

إن كان الناس بالرغم من شرهم يصنعون الخير بعضهم لبعض، إن كان القاضي الظالم نفسه استجاب لأرملة فقيرة لا أحد لها، "أفَمَا يُنصِفُ الله مُختَارِيهِ الَّذِينَ يُنَادُونَهُ نَهَارًا وَلَيلًا، وَهُوَ يَتَمَهَّلُ فِي أُمرِهِم؟" (٧). الله صالح ومحِبٌّ للبشر. يتمهَّل في أمرنا. يتمهَّل إن خَطِئْنا. وحبُّه لا يتركنا. يتمهَّل في صلاتنا، لنبقى نحن واقفين أمامه ننتظر، أمامه حاضرين، نتملّى به. الصلاة حضور أمام الله، الصلاة عيش في محبة الله وكل أبناء الله. واستجابة الصلاة هي أيضًا حضور أمام الله. وعيش في محبة الله وجميع أبناء الله. وهي رؤية للأمور كما يراها الله.

"مَتَى جَاءَ ابنُ الإنسَانِ، أَفَتُرَاهُ يَجِدُ الِإيمـَانَ عَلَى الأَرضِ؟" (٨). أيجد الأرملة وحدها، تطلب العدل، أم يجد القاضي الظالم وأمثاله؟ هل يجد ظالمين ومظلومين، كما كان الحال في زمنه، وكما هو الحال في زمننا؟ هل يجد مؤمنين أم متخاصمين في شؤون الإيمان، كما هو الحال في أيامنا؟ هل يجد أناسًا يصلون مثل الأرملة، بالرغم من كل ما أصابها من ظلم الناس، أم يجد مؤمنين كانوا مؤمنين ثم يئسوا، وتوقفوا عن النظر إلى الله، وعن وضع رجائهم فيه؟

هل يجد مؤمنًا مجتهدًا في تطهير نفسه، ليرى الله وإخوته، أم يجد مؤمنا نسي أنه مؤمن، وهو مهتمّ فقط بنفسه، مهما كثرت حاجات إخوته؟  متى جاء ابن الإنسان، هل يجد إنسانًا يحب أخاه الإنسان، أم يجد حروبنا الكثيرة، ومظالمنا، وأسرانا، وفقراءنا.

اللهم، علِّمْنا أن نصلي، بمثل ثبات الأرملة المسكينة. معذَّبو الأرض يصرخون إليك، وإلينا. علِّمْنا أن نستجيب لهم، وأن نثبت في صلاتنا أمامك، حاضرين أمامك، نستمد من نورك وحبك، حتى، إذا عدت إلى الأرض، وجَدْتَنا في نورك وحبِّك وحبِّ جميع إخوتنا. آمين.

الأحد ١٦/١٠/٢٠٢٢