المفكر عزمي بشارة في محاضرة حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية: الاستقطاب حصل داخل اليمين وليس بين اليسار واليمين
القيامة - قدم المفكر العربي عزمي بشارة، محاضرة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أمس الثلاثاء، حول نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ25 التي جرت الأسبوع الماضي، قال فيها إن ما عرفته الانتخابات ليس استقطابًا بين يمين ويسار، ولكن بين معسكري يمين يختلفان على شخصية نتنياهو وليس على مواقفه الأيدولوجية. فيما اعتبر أن الانقسام بين الأحزاب العربية جاء نتيجة لخلاف حول الموقف الأخلاقي بشأن التحالف مع استعمار استيطاني ينهب أرض الفلسطينيين.

أوضح عزمي بشارة أن النتائج لم تظهر انتقالًا نحو اليمين، ولكن داخله، مشيرًا إلى أن الصعود اللافت للصهيونية الدينية والحركات اليهودية جاء على حساب فئات يمينية معارضة لنتنياهو
وأوضح عزمي بشارة أن النتائج لم تظهر انتقالًا نحو اليمين، ولكن داخله، مشيرًا إلى أن الصعود اللافت للصهيونية اليهودية والحركات اليهودية جاء على حساب فئات يمينية معارضة لنتنياهو، وكعقاب لها على الاعتماد على أصوات نواب عرب من أجل تشكيل تحالف حكومي.
وأضاف بشارة أن "احتلال الضفة الغربية ساهم أيضًا في توحيد أرض إسرائيل التوراتية ودولة إسرائيل. كما أن هذا الصعود ليس عرضيًا، بل يرتبط ببنية الدولة في إسرائيل، حيث لا يوجد تمييز بين الأمة والقومية. فالأمة اليهودية هي الديانية اليهودية، ومن ينتمي للديانة اليهودية هو جزء من الأمة".
وإضافة إلى حصول الحركات الأصولية الدينية والقومية في نفس الوقت على 8 مقاعد إضافية، انتقلت من حزب البيت اليهودي بشكل أساسي، كان هناك انتقال آخر. والحديث هنا عن خسارة محور غانتس وساعر لمقعدين لصالح الليكود، جاء وفق تقدير المفكر العربي نتيجة تصاعد المقاومة الفلسطينية المسلحة. حيث يتشكل هذا المحور من رؤساء أركان، ترتبط دعايتهم بالأمن على نحو خاص.
الخلاف الحزبي الاسرائيلي هو حول شخصية نتنياهو وليس حول مواقفه
وفي توضيح لخريطة التحالفات السياسية، أشار بشارة إلى اختفاء اليسار الصهيوني، لصالح أحزاب أخرى ورثته، وتحديدًا حزب "يوجد مستقبل"، وهو ليس حزبًا يساريًا كما يعتقد البعض، بل يمين حقيقي اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، يتميز بأنه يمثل الطبقات الوسطى في المدن التي تريد عيش حياة علمانية فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، وتؤيد الأحزاب اليمينية الليبرالية، والسلام لكن بشروطها.
وأشار بشارة إلى حصول هذا الحزب بقيادة لابيد على مقاعد إضافية على حساب اليسار الصهيوني المنحسر، وليس الأحزاب العربية، كما تدعي ببعض الاتهامات، معتبرًا أنها "افتراءات وأكاذيب"، وأن قسمًا من الأحزاب العربية مستعد للتحالف مع معسكر لبيد اليميني.
وفيما يتعلق بالاستقطاب حول نتنياهو، أكد بشارة أن الخلاف هو حول شخصيته وليس مواقفه، مشيرًا أن الأحزاب اليمينية العلمانية، إسرائيل بيتنا والمعسكر الرسمي بقيادة غانتس وساعر، والبيت اليهودي بقيادة بينيت، كان قادتها قد عملوا مع نتنياهو، وكانوا مدراء مكتبه، قبل أن يؤسسوا أحزابًا ضده. وبالتالي فإن هناك خلاف على الشخص نفسه وليس سياسياته، إضافة إلى موقف من تهم الفساد تجعل بعض أحزاب اليمين العلماني تعتبر أنه لا يجوز أن يكون حاكمًا بموجب القيم الصهيونية. كما أن هناك خلافات على تفرده بالحكم، وإبعاده أي شخص صاحب موهبة يصعد.
الأحزاب العربية: التوصية كانت بلا شك خطأ كبيرا أخلاقيًا أولًا
أما بالنسبة لمشاركة العرب في الداخل في الانتخابات الإسرائيلية، أشار المفكر العربي إلى أن هناك التباسات عديدة دائمًا حول هذه المشاركة. حيث إن شح المعلومات وسياسات التجهيل من قبل الأنظمة العربية التي استثمرت في فلسطين كخطاب أيديولوجي فقط، يهيمنان على المعرفة بشأن أوضاعهم. وفي هذا السياق سيطرت تعميمات حولهم، منها اعتبار أنهم خونة لأنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، دون فهم ما يعنيه حمل الجنسية الذي ليس خيارًا. كما تم اعتبارهم أبطالًا في مراحل أخرى، بحكم بقائهم في أرضهم. لكنهم كما يشير بشارة، شعب مثل أي شعب، فيهم وطنيون وفيهم من يصوت للأحزاب الصهيونية، وفيهم يسار ويمين.
فيما يتعلق بالانتخابات، فإن نسبة مشاركة عرب الداخل في الانتخابات الأخيرة تراوحت بين 53% و54%، بينما كانت نسبة التصويت عند اليهود حوالي 70.5 بالمئة. وشاركت ثلاث قوائم عربية في الانتخابات حصلت سويًا على 10 مقاعد.
وفي توضيحه لسياق الاصطفاف داخل الأحزاب العربية. بين بشارة أن الفترة التي تلت 2021 عرفت خلافًا. حيث إنه وبعد الانتخابات في إسرائيل، قرر معظم الأحزاب العربية التوصية على غانتس ضد نتنياهو. وكانت هذه خطوة غير مسبوقة لأن الأحزاب العربية دأبت على ألا ترشح أحدًا وتحافظ على هويتها الوطنية وتكمل نضالها. لكن كان من أهم أسباب الخطوة الأخيرة التطبيع العربي مع إسرائيل. حيث أثر معنويًا بشكل كبير على الفلسطينيين في الداخل.
وأكد بشارة أن هذه التوصية كانت بلا شك خطأ كبير أخلاقيًا أولًا، وهو أمر مفروغ منه. مشيرًا إلى أن الأخلاق هي قضية وجودية، ترتبط بأي مجتمع نريد أن ننشئ، وليست من الكماليات. إنها متعلقة بالهوية الفلسطينية والتعامل مع استعمار استيطاني يسلب أرضك. لكن هذا الخطأ كان مرتبطًا أيضًا بالحسابات البراغماتية التي ليس لها أساس من الصحة، لأن الأحزاب الصهيونية لن تقبل المساومة على أي شيء يتعلق بيهودية الدولة، وسيبقى الفلسطيني غريبًا.
ومما يدل على عبثية خيار التوصية، أن الحزب الذي اعتمد عليها من نواب عرب سقط في الانتخابات الأخيرة في إسرائيل. كما أن رئيس الوزراء السابق، يتسحاق رابين، عندما استخدم أصوات خمسة نواب عرب للحصول على أغلبية للتصويت على مصير مستوطنة كانت ستحدد اتفاقيات السلام، قُتل. إضافة إلى ذلك، لم يستفد العرب بعد دخول بعض الأحزاب في التحالف الحكومي، ولم يحصل أي تغير جوهري على أوضاعهم. فما حصلوا عليه حصلّوه بالنضال والصمود وليس المساومة.
وفيما يتعلق بحزب التجمع الديمقراطي، أشار بشارة إلى أنه خاض الانتخابات لوحده، وفاجأ الجميع بأصواته خلال شهر فقط. وبالنسبة لهذه الفترة القصيرة، فإنه حقق إنجازًا يصلح لبناء الحركة الوطنية مستقبلًا. وفي حين كانت الأحزاب الأخرى مستعدة للدخول في تحالف علماني أو تحالف علماني ليبرالي، فإن التجمع اليوم يرفض أي توصية ويناضل من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية.