مفهوم "الهزيمة" في الميزان بعد 55 عاما على نكسة حزيران

الكاتب : زياد شليوط- شفاعمرو -الجليل

وهكذا فشلت أهداف المعتدين من وراء حروبهم، وبذلك باتوا مهزومين في فشلهم الواضح، بينما لم يتمكنوا من هزيمة عبد الناصر وخاصة في عدوان حزيران، حيث انتظر زعماء اسرائيل مكالمة الاستسلام من القاهرة، التي جاءتهم بعد رحيل عبد الناصر بسبعة أعوام.

مفهوم "الهزيمة" في الميزان بعد 55 عاما على نكسة حزيران

مفهوم "الهزيمة" في الميزان بعد 55 عاما على نكسة حزيران

زياد شليوط

دأب بعض قصيري النظر وخاصة من أعداء العروبة والقومية وقائدها الكبير جمال عبد الناصر، الى نشر مقولات كاذبة ومغلوطة وأوغلوا في تكرارها كي يصدقها الناس، وللأسف هناك من يردد بعض المقولات كالببغاء دون التمعن فيها، وقد وصف أولئك المضللون والمفترون عبد الناصر بالرئيس "المهزوم"، على اعتبار – وفق مقولاتهم المدسوسة- أنه هزم في جميع الحروب التي خاضها، وأنه ورّط مصر في حروب ليست لها وغيرها من الأكاذيب الممجوجة، وينتهزون ذكرى النكسة التي مرّ عليها 55 عاما، مطلع الأسبوع، للترويج لتلك المقولات الصفيقة.

إنّ مراجعة سريعة الى الحروب التي خاضتها مصر في عهد عبد الناصر تؤكد بطلان تلك المزاعم الرخيصة، وقد كانت أربعة حروب: فالأولى والتي عرفت باسم حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقامت بها ثلاث دول بهدف معاقبة مصر وكسر قائدها لقراره التاريخي بتأميم قناة السويس واسترداد ملكيتها وممارسة سلطة الدولة عليها. وصمدت مصر أمام عتاد وجنود ثلاث دول متقدمة عسكريا، وكبدتها خسائر جسيمة من خلال حرب العصابات التي خاضتها ضد القوات الغازية، واضطرت القوات المعتدية إلى التراجع والانسحاب، وشكلت نتيجة الحرب منعطفا تاريخيا كبيرا في تتويج جمال عبد الناصر قائدا مطلقا للأمة العربية وقوى التحرر في العالم قاطبة، واستردت مصر كرامتها وسلطتها على ممتلكاتها وأرضها. وقد شهد الدبلوماسي الإنجليزي، أنتوني ناتنج على ذلك في قوله" ومن المؤكد أن مصر وعبد الناصر شخصيا قد كسبا بالفعل أكثر مما خسرا بحرب السويس عام 1956"(1)

الحرب الثانية هي حرب اليمن، حين استجاب عبد الناصر وهو قائد الأمة العربية، لنداءات اليمنيين وحكومتهم الشرعية بانقاذها ودعمها للوقوف أمام اعتداءات السعودية والدول الرجعية التي تدخلت للقضاء على الحكم الجمهوري في اليمن، فلم يكن أمام عبد الناصر سوى الاستجابة للنداء وأرسل فرقا من جيشه لدعم الجمهوريين في اليمن بقيادة الرئيس عبدالله السلال، وكان من الطبيعي أن تقع خسائر بشرية ومادية في صفوف الجيش المصري، وهذا الأمر شجع إسرائيل على التمادي في استفزاز مصر وخاصة بعبور سفنها البحر الأحمر وخاصة في مضائق تيران المصرية وهي ترفع العلم الإسرائيلي، فلم يحتمل عبد الناصر الأمر وأوعز للقوات المصرية بالسيطرة على أحد مراكز الأمم المتحدة على حدود سيناء، وليس اصدار امر بطرد القوات الدولية من المنطقة كما أشيع، الأمر الذي يكذبه ناتنج في كتابه(2)، مما رفع من حدة التوتر بين الطرفين، وبتشجيع ومساندة الولايات المتحدة شنت إسرائيل عدوانها على مصر وسوريا والأردن.

الحرب الثالثة هي عدوان حزيران 1967 أو حرب "الأيام الستة" كما أسميت والتي انتهت بهزيمة عسكرية لثلاث دول عربية أمام الجيش الإسرائيلي المدعوم دعما غير مشروط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ودون الدخول في التفاصيل فإن عبد الناصر اتخذ قرارا غير مسبوق باعلانه المسؤولية التامة عن الهزيمة وتنحيه عن الرئاسة وعودته إلى صفوف المواطنين. وكانت المفاجأة الكبرى والتي حولت نتيجة الحرب من هزيمة إلى صمود باعلان الشعب المصري ومعه الشعوب العربية رفض استقالة عبد الناصر، وباطلاق الهتاف الذي تحول إلى شعار ملزم "حنحارب"، وعاد عبد الناصر إلى دفة القيادة بعد المطالبة الشعبية الجبارة، وبدأ مباشرة باعداد الجيش المصري إعدادا صارما لتحرير الأرض و"إزالة آثار العدوان".

والحرب الرابعة التي يتجاهلها عدد كبير من الباحثين وتم شطبها من الذاكرة الشعبية وهي حرب الاستنزاف والتي انطلقت بعد أسبوع على الهزيمة واستمرت نحو ثلاث سنوات، حقّق فيها الجيش المصري انتصارات أذهلت الإسرائيليين وكبّد جيشها الكثير من الخسائر، فلجأت إسرائيل بواسطة أمريكا الى طلب الهدنة من مصر، فوافق عبد الناصر ليواصل بناء "حائط الصواريخ" لمنع الطائرات الاسرائيليةن إسرائيل ومن خلال أمريكا الى طلب هدنة من مصر، ووافق عبد الناصر كي يتمكن من بناء "حائط الصواريخ" على القناة لمنع الطا من شن غاراتها على الداخل المصري. وحرب الاستنزاف وما رافقها من إعداد الجنود ثقافيا وسياسيا وعسكريا وتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة السوفييتية وأكثرها تطورا، هي التي أوصلت مصر إلى حرب أكتوبر 1973، حيث كان جيشها جاهزا لتنفيذ هذه الحرب قبيل رحيل جمال عبد الناصر المفاجيء، والخطة كانت معدة وجاهزة ولا ينقص سوى التنفيذ، وهذا ما ذكره الفريق محمد فوزي، وزير الحربية المصرية آنذاك بأن الرئيس عبد الناصر أصدر توجيهاته في الأسبوع الأخير من آب 1970، بأن تستعد القوات المسلحة لبدء معركة تحرير الأرض بالقوة بعد انقضاء فترة وقف اطلاق النيران بعد 90 يوما، أي في أوائل تشرين الأول ذاك العام(3)، وهو الأسبوع الذي رحل فيه عبد الناصر جسدا.

كما يشهد أمين هويدي، رئيس المخابرات المصرية العامة الأسبق، أن "عبور 1973 تم تحت ستار حائط صواريخ عبد الناصر الذي أنشأه عام 1970 ولم تتمكن قواتنا من التقدم خطوة واحدة أبعد من مدى حماية هذه الصواريخ بالرغم من أنه كان من الممكن استخدام وسائل أخرى"(4).

إن جميع الحروب العدوانية التي تعرضت لها مصر بقيادة جمال عبد الناصر، هدفت إلى إسقاط النظام القومي العربي وإبعاد عبد الناصر عن الحلبة السياسية العربية، من قبل قوى الاستعمار الغربية وبضمنها اسرائيل، التي رأت بعبد الناصر رأس حربة ضد مخططاتها للسيطرة على المنطقة وتبديد الثروات العربية ومنع تحقيق الوحدة بين الدول العربية وشعوبها، ولهذا عملت جاهدة على التخلص من هذا الزعيم بشتى السبل، وفشلت في أهدافها وفق مقولة الأديب الإسرائيلي "اليساري" الذي قال في هذا المفهوم بين النصر والهزيمة: "إنّ المنتصر هو الذي يحقّقُ أهدافَه، والمهزوم هو الذي لا يُحققُها"(5).

وهكذا فشلت أهداف المعتدين من وراء حروبهم، وبذلك باتوا مهزومين في فشلهم الواضح، بينما لم يتمكنوا من هزيمة عبد الناصر وخاصة في عدوان حزيران، حيث انتظر زعماء اسرائيل مكالمة الاستسلام من القاهرة، التي جاءتهم بعد رحيل عبد الناصر بسبعة أعوام.

إشارات:

  1. ناتنج، أنتوني- ناصر، مكتبة الهلال ومكتبة مدبولي، بيروت، 1985
  2. ناتنج، أنتوني- م. س. ص. 453
  3. فوزي، محمد - حرب الثلاث سنوات 1967/1970، دار المستقبل العربي، الطبعة الرابعة 1986
  4. أمين هويدي – مع عبد الناصر، دار الوحدة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، 1984، ص 159
  5. عوز، عاموس- سلاماً أيّها المتعصبون، كيتر، 2017، ترجمة: جورج فرح.