أخبرني أيّها المذود

الكاتب : د. ميشال عبس- الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

أخبرني أيّها المذود ماذا حدث تلك الليلة حين تجسّدت الكلمة؟ حلّفتك به وبجراحه وبنزفه على الصليب، أخبرني ماذا جرى في تلك الليلة الدهريّة؟ متواضعًا تجسّد واستحال واحدًا منّا وحلّ في أكثر الأمكنة تواضعًا وفقرًا.

أخبرني أيّها المذود

شمس العدل حلّ بيننا واختار أن يلقننا درسًا منذ ولادته، درس أن ليس لابن الإنسان أين يسنُد رأسه.

بقماش بسيط لفّته أمّه واضجعته في المذود وهي التي كانت تَعلَم من هو.

استسلمت لمشيئة القادر الذي بشّرها، وسارت الدرب الصعب، درب الهروب والتشرّد والفقر.

قارسًا كان البرد ليلتها، فتكفّلت المواشي بتدفئته. لم يحتاج لتدفئة بني البشر الذين أتى لخلاصهم.

هل من مكان أكثر زهدًا وتواضعًا من المكان الذي ولد فيه السيّد المتجسّد؟

هل من طريقة أكثر بساطة من الطريقة التي ولد بها السيّد؟

لم يكن في النزل مكان، فتوجهوا إلى حيث وجدوا مكانًا يضجعون فيه المولود.

لم تكن الولادة لا بالإحتفال ولا بالبهرجة، وكأنّي به يقول لابن الإنسان أنّك لست سوى طينة أرضيّة تبقى هنيهة وترحل.

قُلْ لي أيّها المذود كيف استطعت احتواء من علّق الأرض على المياه؟

كيف استطعت أن تحتوي من هو أكبرُ من الكون؟

عظيم أنت أيّها المذود الذي فيك استراح الطفل الكلمة، فقدّمتَ له بعضًا من راحة قبل التشرّد وبعده الرسالة، فالتسليم، فطريق الجلجلة، فالصلب، فالقيامة.

يستحِق الطفل الحامل خطايا العالم بعضًا من الإحتضان والدفء، فكان دفء الأبوين وكنت أنت أيّها المذود وكانت المواشي.

 

لقد وضعوا المولود غير المخلوق فيك أيّها المذود، درسًا في التواضع وإيذانًا أنّه هو الذبيحة الحقيقية، هو الحمل الذي بلا عيب. عندك تجسّد حمل الله الذي يحمل خطيّة العالم بعيدًا عن مظاهر الكرامة الدنيا. 

"الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا".

عَبرَك أيّها المذود إختار الكلمة طريق الإتّضاع ليملُك على القلوب بتواضعِه وليُعلِّم العالم الرِفعَة عن المادة.

لقد احتضنت أيّها المذود أولى لحظات مَن مملكته ليست من هذا العالم.

لم يأت إلينا كقائد عسكري، أو ملك في قصر! لقد اختارك أنت أيّها المذود.

مجّدَك في احتضانك المتواضع لبُنوّة المسيح الثانية، الحادثة الزمنيّة، في ملء الزمان، والتي ابتدأت عندما أرسل الله ملاكه إلى مريم العذراء مبشّرًا إيّاها بالتجسّد. أمّا بنوة المسيح الأقنوميّة فهي قائمة بدون انفصال، هي أزليّة أبديّة.

لقد احتضنت أيّها المذود أحد الأقانيم الثلاثة، المتحدة دون اختلاط أو امتزاج، ودون افتراق أو انقسام. الآب هو ينبوع المحبّة، والإبن هو المحبوب والروح القدُس هو روح المحبّة.

بهذه المحبّة خَلَقنا على صورته ومثاله، وأرسل ابنه متجسّدًا لكيّ يفتدينا. عبره نطق الله، لذلك سُمِّي بالكلمة، وهو قوّة الله وحكمته.

إنّه الألف والياء!

في هذا الوقت تزامنًا، كان طاغية يقتل الأطفال حفاظًا على مُلكِه، وكان نجم يرشد المجوس، الذين أتوا من أقاصي المشرق ليسجدوا له، حاملين الذهب والبخور والمُرّ، وكان ملائكة يظهرون للرعاة ويرنّمون.

لقد ولد راعي الرعاة.

أيّها المذود،

في العالم اليومَ أطفال وعَجَزة يُمضون شتاءهم بالبرد القارس الذي قد يقضي عليهم، فقط لأن ناس العالم قد أمعنوا في الجشع وشهوة السلطة.

في العالم اليومَ طغاة يقتلون الأطفال لأسباب يبرّرونها بالنفاق.

في العالم اليومَ تشرّد وجوع وضياع.

في العالم اليومَ جنس بشري لن يخرج من خَطلِه وتخبّطه وضلالته إلا بالروح القدُس،

بالوقوف أمام عرش النِعمَة،

في العالم اليومَ أحداث جِسام تجري وتُنذِر بما هو أعظم،

ولن يُبعد عن البشريّة هذه الكأس المُرَّة سوى المتجسِّد ابن العَليّ،

فهو الهيكل الحقيقي للإنسانيّة وهو قُربانها.

 

مجيدٌ هو ميلادُك!

ميلاد 2022