يسوع يعلِّم - متى ١٣: ١-٩

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

١في ذٰلكَ اليوم خَرَجَ يسوعُ مِنَ البَيت، وجلَسَ بِجانِبِ البَحر. ٢فٱزْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كَثيرة، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه على الشَّاطِئ. ٣فكلَّمَهُم بِالأَمثالِ على أُمورٍ كثيرةٍ قال: «هُوَذا الزَّارِعُ قد خَرَجَ لِيَزرَعَ. ٤وبَينَما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فَأَكَلَتْه. ٥ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يَكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لِأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقًا. ٦فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ احتَرَق، ولَم يَكُن له أَصلٌ فيَبِس. ٧ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الشَّوك فارتَفَعَ الشَّوكُ فخَنقَه. ٨ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأَرضِ الطَّيِّبة فأَثمَرَ، بَعضُهُ مائة، وبعضُهُ سِتِّين، وبعضُهُ ثَلاثين. ٩فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ.

يسوع يعلِّم - متى ١٣: ١-٩

الحرب. اليوم ٢٩٢

        "إِنَّ الرَّبَّ يُعْطي الخَيرات، وأَرضَنا تُعْطي ثَمَرَها. أَمامَه البِرُّ يَسير، وبِخَطَواتِه يَشُقُّ الطَّريق" (مزمور ٨٥: ١٣-١٤).

        ارحمنا، يا رب. أبانا الذي في السماوات، على الأرض، في غزة ورفح، ما زلنا في الحرب. يبدو أن النهاية اقتربت، وأن المدمرين تعبوا من التدمير ... لكنا لا نعلم. أنت وحدك، يا رب، تعلم متى وكيف ستنتهي هذه الحرب، هل تنتهي أم تمتد وتتوسع في المنطقة وفي العالم؟ الإنسان وحده، يا رب، لا يعرف ما هو لخيره. ارحمنا جميعًا، يا رب. نوِّر القلوب، أرجعها إلى الحياة، لا تعاملنا بحسب خطايانا، لا تعامل أحدًا بحسب خطاياه، بل بحسب حبك. " أَمامَه البِرُّ يَسير، وبِخَطَواتِه يَشُقُّ الطَّريق". ليسر البِرُّ أمامنا، يا رب، ويشق طريق الحياة لنا، في غزة ورفح. ارحمنا، يا رب.

        إنجيل اليوم.

        يسوع يعلِّم.

        "في ذٰلكَ اليوم خَرَجَ يسوعُ مِنَ البَيت، وجلَسَ بِجانِبِ البَحر. فازْدَحَمَت عليهِ جُموعٌ كَثيرة، حتَّى إِنَّه رَكِبَ سَفينةً وجَلَسَ، والجَمْعُ كُلُّه على الشَّاطِئ."

        جاء يسوع يعمل الخير، ويشفى ويعلِّم، ودعا تلاميذ له، تبعوه، واقتدوا به، وعاشوا حياته، وعلَّموا كما علَّم. ونحن من تلاميذه. نحن أيضًا مرسَلون لنعلِّم. نعلِّم فنصلِّي، فنتابع تعليم يسوع. نفكِّر كيف نعلِّم.

        من يعلِّم؟ الكل يعلِّم، كل مؤمن، كل تلميذ، الكاهن والراهب والراهبة والمكرَّس والعلماني، الكل يعلِّم. العلماني يعلِّم في عائلته أولا وفي مكان عمله، بالمثال أو بالكلمة، المهم يجب أن يعرف أنه يجب أن يعلِّم، يجب أن يعرِّف بيسوع، وبحُبِّ يسوع. لأن العالم بحاجة إلى محبة. في بلبلة العالم، في صراع الخير والشر في العالم، تلميذ يسوع يعلّم كيف يكون الجميع إخوة وأخوات، يحمل إليهم حُبَّ الله.

        المكرَّسون والمكرَّسات، الرهبان والراهبات، الكهنة، يعلِّمون. يعلِّمون بمثلهم، وبكلمتهم. الغاية من حياة مكرَّسة هي العبادة بالروح والحق، والعبادة يُعبَّر عنها أيضًا، وتكمَّل، بالتعليم، بالتعريف بيسوع المسيح الذي عرَّفنا بنفسه.

        بحياتنا، نعلِّم، بصلاتنا نعلِّم. لنا أيضًا مدارسنا، مكان لتعليم كل أنواع المعارف، وأيضًا وأولًا، معرفة يسوع ومعرفة الله الآب، محب البشر. فيها نعلِّم كيف نحب بعضنا بعضًا، كيف نحب كما يحِبُّ الله، وكيف نحيا إنسانًا على صورة الله.

        يسوع كان يعلِّم بصورة عفوية. بالأمثال. علَّم وصية المحبة والتطويبات... ونحن نعلِّم بحياتنا الشخصية، وبمدارسنا، وبالتعليم المسيحي، وبالعظات...

        السؤال الكبير: مدارسنا، مدرستي، مع كل العلوم التي تعلِّمها هل تعلِّم تعاليم يسوع؟ نل تربي إنسانًا مسيحيا؟ هل تربي إنسانًا؟ أي نوع من الإنسان تربي؟  وأي نوع من المسيحي؟ سؤال يجب أن يطرح للتفكير، ولفحص الضمير. لأن الخطر هو أن النجاح الظاهر في العلوم الأخرى قد يُنسي فنُهمل التنشئة المسيحية، أو حتى تربية الإنسان.

        كان يسوع يعلِّم. كل مؤسساتنا، التي بنيت باسم يسوع، هل تُظهِر وجه يسوع؟

        أعلِّم بحياتي الشخصية كتلميذ ليسوع، وأعلِّم في مؤسساتنا العديدة. فحض ضمير. وتجديد. لنتأمل كيف كان يسوع يعلِّم.

        مثل الزارع.

        «هُوَذا الزَّارِعُ قد خَرَجَ لِيَزرَعَ. وبَينَما هو يَزرَع، وقَعَ بَعضُ الحَبِّ على جانِبِ الطَّريق، فجاءَتِ الطُّيورُ فَأَكَلَتْه. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على أَرضٍ حَجِرةٍ لم يَكُنْ له فيها تُرابٌ كثير، فنَبَتَ مِن وقتِه لِأَنَّ تُرابَه لَم يَكُن عَميقًا. فلمَّا أَشرقَتِ الشَّمسُ احتَرَق، ولَم يَكُن له أَصلٌ فيَبِس. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الشَّوك فارتَفَعَ الشَّوكُ فخَنقَه. ووَقَعَ بَعضُه الآخَرُ على الأَرضِ الطَّيِّبة فأَثمَرَ، بَعضُهُ مائة، وبعضُهُ سِتِّين، وبعضُهُ ثَلاثين. فمَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ" (٣-٩).

          ماذا صار بالزرع فيَّ؟ وكيف سلَّمتُ لمن بعدي ما أخذته أنا وتعلَّمته؟ إمكانيات النجاح والفشل الواردة في المثل هما نفسها فيَّ. زَرعٌ يقع على جانب الطريق، وغيره على الصخر، وغيره بين الشوك، وغيره في الأرض الطيبة. "ومَن كانَ له أُذُنان فَلْيَسمَعْ". فليسمع "تلميذ المسيح"، أنا، غيري، كل مسؤول في مدرسة، وينظر هل هناك حاجة لإصلاح، في نفسه، أو في مختلف المؤسسات، ولا سيما المدرسة. تربية إنسان، والتعريف بيسوع المسيح.

        ربي يسوع المسيح، أشكرك لكل نعمة منحتني إياها. أعطني أن أعرف كيف أعلِّم غيري ما علَّمتَني إياه. أرشِد مؤسساتنا حتى تعرِّف بك، وتجعلك حاضرًا في الإنسانية، وتزيد محبتك في حياة مجتمعاتنا. آمين.

الأربعاء ٢٤/٧/ ٢٠٢٤           بعد الأحد السادس عشر من زمن السنة/ب