نرفض التطاول على الرموز الدينية وننادي باحترام التعددية في هذه البقعة المباركة من العالم

الكاتب : المطران عطا الله حنا - رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس

لقد أقدمت احدى الشركات الفلسطينية التي تعنى بتصنيع وتسويق الأغذية، يوم أمس على تعميم اعلان ودعاية تتعلق بمنتجاتها الغذائية، وهذا الإعلان هو عبارة عن إساءة واضحة وصريحة ومباشرة ليس فقط للرموز الدينية المسيحية بل للعقيدة والايمان المسيحي .فالعشاء الأخير ليس رمزا دينيا فحسب بل هو ايمان وعقيدة وما أقدمت عليه هذه الشركة انما يعتبر إساءة واضحة للمسيحيين وايمانهم وعقيدتهم.

نرفض التطاول على الرموز الدينية وننادي باحترام التعددية في هذه البقعة المباركة من العالم

وهذا عمل مرفوض ومستنكر ومدان وخلال الساعات الماضية صدرت مواقف مستنكرة ورافضة لهذا التصرف من قبل جهات فلسطينية رسمية وشعبية ومن كافة مكونات شعبنا الفلسطيني.

لقد أصدرت هذه الشركة في وقت لاحق بيان اعتذار كما انه لوحظ ان هنالك اجماعا في مجتمعنا الفلسطيني على رفض مثل هذا التطاول وهذه الإساءة ولكنني اود ان اشير الى بعض النقاط الهامة .

- المسيحيون متمسكون بانتمائهم وايمانهم المسيحي وهم يفتخرون أيضا بانتمائهم لفلسطين ارضا وقضية وشعبا ، ومن يسيء للمسيحيين انما يسيء لكل الشعب الفلسطيني كما ومن يسيء للمسلمين يسيء لكل الشعب الفلسطيني أيضا، فنحن كنا وسنبقى عائلة واحدة وخاصة في هذه الأوقات العصيبة التي فيها يجب ان ننادي بوقف الحرب وتحقيق العدالة المغيبة في هذه الديار.

- أقول للمسيحيين تمسكوا بايمانكم فلا قيمة لوجودنا في هذه الديار بدون قيم ايماننا وعقيدتنا وانتماءنا لهذه البقعة المباركة والمقدسة من العالم ومن واجبنا جميعا ان ندافع عن ايماننا وعقيدتنا وخاصة عندما يساء لهذا الايمان ويتم التطاول عليه بأساليب مختلفة ومتنوعة ولكن يجب ان ندافع عن ايماننا انطلاقا من قيم هذا الايمان بعيدا عن استعمال المفردات والمصطلحات التي لا تليق وقيمنا ومبادئنا واخلاقياتنا المسيحية ، فالمسيحي المؤمن لا يشتم ولا يستعمل الكلمات البذيئة ولا يهين الاخر بطريقة مبتذلة حتى وان اساء اليه، وهنا اود ان اذكركم بالكلمات الخالدات التي صدرت عن الرب يسوع المسيح وهو معلق على الصليب " يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعرفون ماذا يفعلون".

- المسامحة في المسيحية ليست استسلاما للشر وليست علامة ضعف بل هي علامة قوة ويحق لنا جميعا لا بل من واجبنا جميعا ان نعبر عن رفضنا لهذا التطاول على ايماننا وعقيدتنا ولكن بالأسلوب الذي ينسجم والقيم المسيحية والمبادئ الإنسانية فلا يمكننا ولا يجوز لنا ان نواجه العنصرية بالعنصرية والكراهية بالكراهية، بل يجب ان يكون اسلوبنا مسيحيا إنسانيا وطنيا وحدويا رافضا لهذا التطاول على قيم ايماننا .

- نقدم شكرنا القلبي لكافة أبناء شعبنا الفلسطيني مسيحيين ومسلمين الذين اعلنوا وبشكل واضح رفضهم لهذه الإساءة كما ونقدر موقف الشركة التي أعلنت اعتذارها فالاعتراف بالخطأ فضيلة ، كما اننا نحيي اللجنة الرئاسية على موقفها وعلى دورها وعلى اتصالاتها التي قامت بها من اجل احتواء هذا الموقف .

- ان هذه الإساءة المرفوضة والمستنكرة تدعونا جميعا كفلسطينيين مسيحيين ومسلمين الى ان نكون على قدر كبير من الوعي والحكمة والرصانة ورفض أي إساءة لاي ديانة ولاي رموز دينية، فيجب ان تُحترم التعددية الدينية والتي هي اثراء لمجتمعنا ولا يجوز لنا ان نقبل بأي توجهات عنصرية حاقدة تبث الفتن والكراهية في مجتمعنا أيا كانت هذه الجهة فخطابنا يجب ان يكون دوما خطاب المحبة والاخوة واحترام الاخر .

- ان هذه الإساءة التي حدثت والتي استنكرتها ورفضتها شرائح كبيرة وواسعة من أبناء شعبنا انما تدق ناقوس الخطر ان هنالك حاجة ملحة لبذل جهود اكبر في حقل التربية والتعليم ، فالانسان عدو ما يجهل ويجب ان يعرف المسلم بان المسيحي هو اخ بالنسبة اليه كما ان المسيحي أيضا يجب ان يدرك بأن المسلم هو اخ له وان يتم التعاطي باحترام ومحبة متبادلة .

- يجب ان يكون هنالك دور للمؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية ويجب ان تستغل منابر دور العبادة من اجل نشر قيم المحبة والاحترام المتبادل ورفض الكراهية والعنصرية بكافة اشكالها والوانها ولا يجوز السماح للمتربصين من الطابور الخامس وغيرهم من ان يستغلوا تصرفات غير مسؤولة من هذا النوع من اجل اثارة الفتن والضغينة في مجتمعنا .

- ان مواجهة هذه المظاهر لا يمكن ان تكون فقط من خلال بيانات شجب واستنكار ورفض والتي نقدرها ولكنها ليست كافية لوحدها بل هنالك حاجة للعمل على اصلاح المنظومة التعليمية والمناهج المدرسية لكي تتناسب وتاريخ هذه الأرض المقدسة والتنوع الديني فيها ولكي نعلم ابناءنا منذ الصغر على ان فلسطين هي لكل ابناءها وليست لجهة دون الأخرى.

- المسيحيون الفلسطينيون ليسوا طائفة في وطنهم وليسوا اقلية او جالية في هذه البقعة المباركة من العالم وهم ليسوا بحاجة الى وصاية او حماية من أي جهة خارجية .

- نحن مسيحيون هكذا كنا وهكذا سنبقى نفتخر بانتمائنا للكنيسة الأولى التي شيدت في هذه الأرض المقدسة وانطلقت رسالتها من هنا ويوم غد نعيد للعنصرة المجيدة وهي ذكرى ميلاد الكنيسة في هذه الأرض وانطلاق رسالتها الى سائر ارجاء العالم .

- نحن مسيحيون متمسكون بايماننا وبانجيلنا وبتعاليم مخلصنا ولا يمكننا ان نقبل بأي إساءة او تشويه او تحريض او محاولة للمس بقيم ايماننا وعقيدتنا ونحن نرفض الإساءة للرموز الدينية كلها سواء كانت مسيحية او إسلامية او حتى يهودية ، وعلينا ان نحترم التعددية الدينية وان نرفض العنصرية بكافة اشكالها والوانها وايا كانت الجهة التي تروج لها .

- نحن مسيحيون ننتمي الى كنيستنا وسنبقى ندافع عنها ولكننا أيضا نحن فلسطينيون نحب وطننا وننتمي اليه بكل جوارحنا واي أخطاء وتجاوزات لا يجوز ان تؤثر على هذه الوحدة وعلى هذه الاخوة وما حدث بعد هذه الإساءة من قبل هذه الشركة انما يؤكد بأن الفلسطينيين جميعا يرفضون التطاول على الرموز الروحية والأديان والعقائد .

- اعود وأؤكد مجددا بأن هذه الإساءة مرفوضة من قبلنا جملة وتفصيلا ولا يمكن لاي انسان عاقل وحكيم ان يقبل بهذا التجاوز وإظهار ايقونة مقدسة بهذا الشكل الذي فيه استهزاء وفيه تطاول على عقيدة وايمان مسيحيين.

- ننادي ونطالب بضرورة تكريس الثقافة والفكر الإنساني الوحدوي الرصين فالثقافة والمعرفة هي السبيل لمواجهة مظاهر التطرف والتخلف والعنصرية والكراهية حيثما كانت واينما وجدت .

- يا أيها الفلسطينيون كونوا موحدين في مواجهة التحديات ومعا وسويا كأبناء للشعب الفلسطيني الواحد نقول بأننا نرفض هذه الإساءة التي حدثت من قبل هذه الشركة ونرفض أي اساءات أيا كان شكلها وايا كان لونها بحق الرموز الدينية التي وجب احترامها.

- فلسطين ستبقى بلد الخير وبلد السلام والمحبة والاخوة ويجب في هذه الأوقات ان نصلي معا من اجل شعبنا المنكوب في غزة وان تتوقف حرب الإبادة ومن اجل ان يتحقق السلام الحقيقي الذي يصون حرية وكرامة الانسان.

- مهما أهانوا السيد المسيح وأمه البتول وتلاميذه ورسله الاطهار وقديسيه فلن يستطيعوا زعزعة مكانتهم ومن يقرأ تاريخ الكنيسة يعرف جيدا الكم الهائل من الاضطهادات التي تعرضت لها الكنيسة ولكنها بقيت شامخة وستبقى شامخة برسالتها ونشرها لقيم المحبة والاخوة الإنسانية بين الانسان واخيه الانسان .

- حفظ الله فلسطين وشعبها من كل الشرور ومن كل المشاريع المشبوهة ومن كل المؤامرات الهادفة لاثارة الفتن ، وحفظ الله ارضنا المقدسة لكي تبقى عنوانا للمحبة والاخوة والسلام حاملة لرسالة الدفاع عن الانسان وصون كرامته وحريته .

وكما قال السيد المسيح في الكتاب المقدس " طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم " متى 5: 11، 12

القدس 7/6/2025