الخامس عشر من أيار.. مع الفلسطينيين يكون السلام

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

إسرائيل تحتفل ب٧٥ سنة لتأسيسها، وما زالت في حالة حرب، مع نفسها، ومع الشعب الفلسطيني. أساس الحرب أن إسرائيل تريد الأرض كلها لها. قالت للفلسطينيين: هذه الأرض كانت لنا، واليوم هي لنا، وستبقى لنا. وقال الفلسطينيون: الأرض أرضنا، نحن هنا، أمس كنا هنا، وغدًا سنبقى هنا في مدننا وقرانا وفي بيوتنا. ولن نتركها أبدًا. تحتفل إسرائيل بعيد استقلالها، ويذكر الفلسطينيون يوم النكبة.

الخامس عشر من أيار.. مع الفلسطينيين يكون السلام

بنت إسرائيل استقلالها على سلاحها، وما زالت تقول: لا وجود لفلسطين. ويقول الفلسطينيون في وجه الاحتلال والتمييز العنصري: بل نحن هنا، نحن موجودون، لم نأت من الخارج، ولم نصنع حربًا، ولم نقتحم بيوتًا، ولم نخرج أحدًا من بيته. إنما نقاتل لنبقى، ولندافع عن أنفسنا، وبيوتنا وأرضنا.

منذ ٧٥ سنة إسرائيل تعُدُّ سنوات عمرها. يقول المزمور: "عَلِّمْنِي، يَا رَبّ، أَن أَعُدَّ سَنَوَاتِ عُمرِي حَتَّى أَنفَذَ إلَى قَلبِ الحِكمَةِ" (مزمور ٩٠: ١٢). يقول ذلك إنسان حكيم، يريد أن "يَنفَذَ إلَى قَلبِ الحِكمَةِ". وعلى إسرائيل أن تعترف أن قلب الحكمة هو السلام والعدل، والمصالحة مع أهل الأرض، والمساواة بين الجميع. تحتفل إسرائيل ولم تعرف السلام بعد. هل تقدر أن تجعل احتفالها يومًا احتفالا كاملًا؟ بسلاحها، لا تقدر أن تعرف إلا الموت، لأن السلاح لا يلد الحياة. السلاح يحمل الحرب لحامله وللذي يُوجَّه إليه.

إسرائيل بنت لها قلعة منيعة. وما زالت تضرب يمينًا وشمالا كل الذين تقول إنهم أعداء. والحاجة إلى أمر واحد: أن تحوِّل خوفها إلى احتفال. ومن أجل هذا، يجب أن تسمع صراخ الشعب الأعزل الواقف أمامها، يطلب العدل والسلام والمساواة. إذا استمعت له، وبدأت صنع السلام، معه فقط، تقدر إسرائيل أن تحتفل. السلاح يلد الحرب. سماع صوت الضعفاء فقط، والاستجابة لهم، يمكن أن يصنع مستقبلًا أفضل لإسرائيل وللشعب الفلسطيني.. والقوي هو الذي يخطو الخطوة الأولى، فيرى في الآخر أخًا وأختًا، لا عدُوًّا يجب القضاء عليه. على القوي أن يرى رؤية جديدة فيها حلٌّ عادل يضمن المساواة للجميع، فيعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في الأرض نفسها، في أمان وسلام.

نظرت إسرائيل في الماضي إلى ما وراء البحار، إلى من يزوِّدُها بالسلاح، ويضمن أمنها. أمن إسرائيل عند أقرب الناس إليها، سلامها في قلوب الفلسطينيين. معهم يبدأ السلام. السلام مع الفلسطينيين فقط يمكن آن يحرِّر الأرض، المقدسة، من سفك الدماء. العدل والسلام فقط، والمساواة، والمصالحة، يمكن أن تهيِّءَ الطريق لتحقيق دعوة هذه الأرض، أن تكون أرضًا، حقًّا مقدسة، وبيتًا بسكنه بأمان الإنسان، الفلسطيني والإسرائيلي.