أين الدولة من استهداف العراقيين المسيحيين؟

الكاتب : الكاردينال لويس روفائيل ساكو- بطريرك الكلدان في العراق

العراقيون المسيحيون تُنتهك حقوقهم الإنسانية والوطنية المشروعة. إقصاؤهم من وظائفهم، والاستحواذ على مقدراتهم وأملاكهم، فضلاً عن التغيير الديموغرافي الممنهَج لبلداتهم في سهل نينوى أمام أنظار الدولة العراقية، بالرغم من ولائهم للوطن وإخلاصهم والتزامهم.

أين الدولة من استهداف العراقيين المسيحيين؟

مليون مسيحي غادر العراق بعد سقوط النظام، وبعد تهجير عناصر الدولة الإسلامية (داعش) لمسيحيي الموصل وبلدات سهل نينوى عام 2014، لأسباب أمنية، السلاح المنفلت، وسياسية منطق الطائفية والمحاصصة الذي صب على العراق نار جهنم) واقتصادية (الفساد) واجتماعية (التطرف الديني وداعش!

لنستعرض بعض الإحصائيات وفقاً لتقرير منظمة حمورابي والحركة الديمقراطية الأشورية:

نحو1200  مسيحي قتل في حوادث عنف متعددة في عموم العراق في الفترة بين عام 2003  و2018، بينهم 700  شخص تم قتلهم على الهوية.

اُختطف عدد من رجال الدين في الموصل وفي بغداد واُستُشهِدَ عدد منهم، وأبرزهم المطران بولس فرج رحو، رئيس أساقفة الموصل للكلدان.

فُجِّرت 85  كنيسة ودير في بغداد والموصل والبصرة من قِبَل المتطرفين ثم داعش.

استولَت المافيات على 23 ألف بيت وعقار

وأخيرا وليس آخراً:

سُحِبَ المرسوم الجمهوري رقم “147” من الرئيس الأعلى للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم من دون مسوّغ قانوني أو أخلاقي ولا يمسَّ المصلحة الوطنية من قريب أو بعيد.

اُبعِدَ موظفون بارزون عن وظائفهم.

خُطِفَت الكوتا المسيحية في الانتخابات البرلمانية.

مُنِعَتْ المشروبات الكحولية في حين انها مسموحة في عدة بلدان عربية مسلمة، كونها جزء من مائدة الطعام.

الانتهاكات التي ذُكرَت أعلاه، ناهيك عن تَبِعات قانون الأحوال الشخصية، وأسلمة القاصرين، جعلت المسيحيين يفقدون الثقة بتحسّن وضعهم، فهاجر منهم نحو مليون مسيحي منذ عام 2003، معظمهم من أصحاب الكفاءات والمُقتدرين مادياً، وهي خسارة للبلد.

وسط هذه الأحداث المؤلمة والمتتالية، استنفرت الكنيسة كل طاقاتها، وبذلت جهوداً استثنائية لمساعدة وتشجيع من تبقى من المسيحيين (يقدَّرون بنصف مليون)، لكن الكنيسة ليست بديلاً عن الدولة.

تراجعت نسبة المسيحيين من 4%  الى نحو 1%، ومن المرجَّح ان يستمر نزيف الهجرة ويُغادر الشباب بسبب إقصائهم من الوظائف لأسباب واهية.

المسألة الأساسية هي، كيفية إبقاء المسيحيين في العراق وتعزيز حضورهم وشهادتهم، هذا الوجود العراقي المسيحي المتجذر منذ أكثر من ألفي عام؟

ان بيانات التعاطف والوعود لا تنفع شيئاً، منها، إذا لم يتم إنصافهم على أرض الواقع.

في اعتقادنا ان الحل هو: التعامل مع المكونات العرقية والدينية المهمَّشة على مبدأ المساواة أمام القانون، مما يضمن لكل مواطن عيش حياته في إطار قوانين البلاد الضامنة لحقوقه، وكرامته، ووحدة البلاد وتماسكها… وبمقتضى هذا القانون (الحق) يسعى المواطنون بحرية لتحقيق تنمية بلادهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

________________________________________________

*يتهمني البعض بالتدخل في السياسة؟ إني لست سياسيا متحزبا، ليس لي أي طموح سياسي أبداً. اني كرجل دين أحمل هم الناس واشعر بمسؤولية إنسانية واجتماعية وروحية تجاههم، يتحتم على أن اُدافع عن حقوقهم وكرامتهم وان أدين الظلم كما فعل المسيح بكل وضوح.. الناس يأتون عندي ويشكون ظلمهم. هذا الدفاع جزء أساسي من رسالتي كما كانت رسالة يسوع لصالح الناس ووهب حياته للناس في الموت “أتيت لتكون لهم الحياة وبوفرة” (يوحنا 10/10)  فالحياة ليست فقط الجانب الروحي كالعبادة، إنما الحياة بكل جوانبها. وهذا لا يتم من دون تضحية. هذا يجب أن يفهمه الأساقفة. ثمة فرق بين الدفاع عن الناس والبلد وبين التحزب والانخراط في العمل السياسي. يقول المرحوم الكردينال مارتيني: "أكبر عمل محبة هو السياسة، عندما تُمارس من أجل نمو الخير العام والأمان الحقيقي.." هذا ما يفعله البابوات والعديد من البطاركة والأساقفة ورجال الدين المسلمين كبار.