يسوع هو الحي - يوحنا ١٦: ١٢-١٥
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
ربي يسوع المسيح، أرسلْتَ روحَك إليَّ. فعلَّمَني، وآمنْتُ. أعطِني أن أثبت في النور، ألا أعزِلَ نفسي في صحراء رتابة حياتي اليومية وأنانيتي. احفَظْني دائمًا في نور روحك القدوس، روح الحق. آمين.

١٢. لا يزال عندي أشياء كثيرة أقولها لكم، ولكنَّكم لا تطيقون الآن حملها.
١٣. فمتى جاء هو، أي روح الحق، أرشدكم إلى الحق كله، لأنه لن يتكلَّمَ من عنده، بل يتكلَّمُ بما يسمع، ويُخبِرُكم بما سيحدث.
١٤. سيُمَجِّدُني لأنه يأخذ مما لي ويُخبِرُكم به.
١٥. جميع ما هو للآب فهو لي، ولذلك قُلْتُ لكم إنه يأخذ ممـَّا لي ويُخبِرُكم به.
"لَا يَزَالُ عِندِي أَشيَاءُ كَثِيرَةٌ أَقُولُهَا لَكُم، وَلَكِنَّكُم لَا تُطِيقُونَ الآنَ حَملَهَا" (١٢).
أشياء كثيرة يقولها لنا يسوع. أشياء كثيرة ما زلنا لا نعرفها. لا نعرف كل سر الله، ولو كلَّمَنا يسوع عليه. لأننا دائمًا مرتبكون في أمور كثيرة، في داخل أنفسنا، أو في شؤون الأرض، فلا نقدر أن نفهم كل شيء.
كان يسوع يكلِّم تلاميذه في لحظة كانوا يشعرون فيها بأنهم في فراغ. آمالهم المسيحانية تبدَدت. ويسوع يغيب عنهم. ووجدوا أنفسهم، كما كانوا، صيادِي سمك على شاطئ البحيرة، أو في أشغال أخرى شبيهة. فكيف يفهمون أعماق سر الله؟
"أَشيَاءُ كَثِيرَةٌ أَقُولُهَا لَكُم، وَلَكِنَّكُم لَا تُطِيقُونَ الآنَ حَملَهَا". فيما بعد، سيقدرون، سيفهمون. وبعلهم سيُعَلِّمون غيرهم. بل سيبذلون حياتهم من أجل ما عرفوا.
في لحظات كثيرة في حياتنا، نجعل أنفسنا غير قادرين لأن نفهم. منذ سنوات، التقينا مع يسوع، وتبعناه. لكننا، في لحظات كثيرة، نبقى في صحاري الأرض، أو بكل بساطة، في أنانيتنا، لا نقدر أن نرى شيئًا آخر، لا نقدر أن نرى الله فوقنا. هناك لحظات، واعين أو غير واعين، نجد أنفسنا وحدنا، صيادِي سمك في البحيرة، أو في مختلف أشغالنا، ويسوع قد غاب عنا. فنصير غير قادرين أن نحمل أمور الملكوت، وأن نبلِّغَها إلى إخوتنا. هذا يحدث، مع الأسف، هذا جزء من رتابة حياتنا اليومية. لم نَعُدْ نحمل الملكوت فينا. وأصبحنا نعطي شيئًا للآخرين، ولا نُدخِلُ أحدًا في الملكوت. وليس يسوع الذي يغيب عنا. لأن يسوع بعد أن مات وقام، لم يَعُدْ للموت عليه من سلطان. فهو الحي، وهو يبقى معنا. لكن نحن، نقف إلى جانب، غير واعين في رتابة حياتنا وعاداتنا، غير قادرين أن نفهم ما يعطينا.
يسوع هو الحي، علينا نحن أن نقوم بجهد دائم، حتى نبقى يقظين، واعين، قادرين أن نسمعه وأن نفهم ما يقوله لنا.
فَمَتَى جَاءَ هُوَ، أَي رُوحُ الحَقِّ، أَرشَدَكُم إلَى الحَقِّ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ لَن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِهِ، بَل يَتَكَلَّمُ بِمَا يَسمَعُ، وَيُخبِرُكُم بِمَا سَيَحدُثُ" (١٣).
بالنسبة للتلاميذ كان قبل وبعد، قبل وبعد الآلام والموت والقيامة. الفداء تمَّ، وكانوا هم شهودًا للحظة التي تمت فيها مشيئة الله على الأرض. قبل ذلك، فكَّروا أفكارًا، ولو أن يسوع كان يعلِّمُهم دائمًا. في أثناء حدوث الأحداث، كانوا في ضياع. وبعد الأحداث، جاءت القيامة والعنصرة. بعد الأحداث، روح الحق أنارهم وأيَّدهم وأرسلهم. وصاروا قادرين على حمل كل شيء. فهموا أن الله فدى البشرية وأدخلها في الملكوت.
بالنسبة لنا، نحن في لحظة واحدة من الزمن، وهي حاضر الفداء الذي تمَّ، وحاضر نور الروح القدس، بعد الفداء والقيامة. نحن آمنَّا وتبعنا يسوع. والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا دائمًا هو: هل نتبعه دائمًا؟
ربي يسوع المسيح، أرسلْتَ روحَك إليَّ. فعلَّمَني، وآمنْتُ. أعطِني أن أثبت في النور، ألا أعزِلَ نفسي في صحراء رتابة حياتي اليومية وأنانيتي. احفَظْني دائمًا في نور روحك القدوس، روح الحق. آمين.
الأربعاء ١٧/٥/٢٠٢٣ بعد الأحد السادس في زمن الفصح