"للّهِ آنسةٌ فُجِعتُ بها ما كانَ أبعدَها من الدّنّسِ" كلمات في وداع ابنة شفاعمرو: البروفسورة عالية شيتي

الكاتب : زياد شليوط - شفاعمرو

نحيي يوم الجمعة القريب في شفاعمرو، ذكرى ابنة شفاعمرو البروفيسور عالية سعيد شيتي، بعد مرور أربعين يوما على رحيلها المأساوي في الولايات المتحدة الأمريكية. عالية ولدت في شفاعمرو، والدها السيد سعيد شيتي، مدير مصرف سابقا ووالدتها المرحومة السيدة مرتا سلباق – شيتي، مديرة مكتب الشؤون الاجتماعية في بلدية شفاعمرو سابقا ولها شقيقتان: ابتهال وعرين.

"للّهِ آنسةٌ فُجِعتُ بها   ما كانَ أبعدَها من الدّنّسِ" كلمات في وداع ابنة شفاعمرو: البروفسورة عالية شيتي

أنهت عالية تعليمها بنجاح وأكملت دراستها الجامعية حتى درجة الدكتوراة في التربية، عملت لفترة سنوات قليلة مديرة لمدرسة راهبات الناصرة في حيفا. بعد ذلك غادرت البلاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتحقيق حلمها العلمي والأكاديمي، فحصلت على البروفيسورة وواصلت عملها في التدريس الجامعي في ولاية بنسلفانيا بنجاح. هاجمها المرض الخبيث منذ عدة سنوات، لكنها لم تطلع أحدا على ذلك من أهلها وأقاربها في البلاد، وقامت بزيارات قليلة للمشاركة في مناسبات عائلية، وفي الفترة الأخيرة اشتدت عليها وطأة المرض، وكانت قد أعدت ما يلزم ليوم رحيلها بمساعدة أصدقاء لها في الغربة، ورحلت عن عالمنا الفاني في مطلع السنة الجديدة، وتمت مراسم الجنازة هناك.

عالية: ابنة وصديقة وأخت

عرفت عالية في أول عام لي كمدرس في "مدرسة المكتب" في شفاعمرو، والتي تقع بجوار منزل عائلة عالية وكان من الطبيعي أن تدرس فيها، وصدف أن درّستها وكانت في الصف الخامس. ومن نافل القول إنها كانت طالبة مجتهدة وناجحة وخلوقة، فهي ابنة بيت معروف بتربيته وأخلاقه العالية، وسرّني جدا أنها أثنت عليّ أمام والديها، مما شجعهما على دعوتي لزيارتهما خاصة وأني أمرّ أمام البيت خلال يوم عملي، وهكذا كان، وربطتني من يومها علاقة قوية ومتينة مع العائلة. وبعدما انتقلتُ إلى مدرسة أخرى في العام التالي، لم تنقطع صداقتي للعائلة وخاصة الوالد، الذي كنت ألتقي به بين فترة وأخرى ونتبادل الحديث والرأي في أمور كثيرة، وكثيرا ما كان يحدثني عن سفراته إلى خارج البلاد.

وبعد سنوات قليلة توثقت العلاقات الشخصية أكثر وتضاعفت بعد زواجي من شريكة عمري، عناية التي بدأت عملها في مكتب الشؤون كعاملة اجتماعية، إلى جانب السيدة مرتا مديرة المكتب، والتي ربطت بينهما علاقة مميزة، حتى رحيل والدة عالية المؤسف.

إلى جانب ذلك لم تنقطع علاقتي بعالية وكنت على اطلاع دائم بتقدمها في دراستها وعملها، وأذكر أنها طلبت مساعدتي لها، كمدرّس للغة والأدب العربي، عند اعدادها لوظيفة الماجستير في جامعة حيفا، والتي تمحورت حول مقارنة القيم في كتب تدريس الأدب العربي لصفوف السابع في كل من: لبنان، سوريا، مصر، الأردن، الضفة الغربية وإسرائيل. وبعد انهائها الوظيفة ونجاحها في المهمة، قامت باهدائي نسخة منها وقد سرّني أنها قامت باثبات كلمة شكر في مقدمة الوظيفة، نالني منها نصيب على مساعدتي "في شرح وتحليل قسم من النصوص".

بعد سفر عالية إلى الولايات المتحدة وانشغالي بأموري الخاصة والعامة، انقطعت أخبار عالية عني، باستثناء ما كنت أتسقطه من أصدقاء لي من اقاربها، ومع أني أسفت لمغادرتها البلاد واستقالتها من إدارة المدرسة، وقد سجلت فيها نجاحات ملحوظة، إلا أني تمنيت لها التوفيق في مكانها وعملها الجديدين. وأخيرا تلقيت بصدمة ودهشة خبر رحيلها المبكر، خاصة وأني لم أعلم كغيري بأمر مرضها، حتى أن خبر وفاتها وحزني عليها أنساني حزني على والدتي، التي انتقلت إلى الأخدار السماوية قبل رحيل عالية بيومين، وكنا أيامها في العائلة نتلقى العزاء بالوالدة. ووجدتني أردد مع الشاعر مترحما: "للّهِ آنسةٌ فُجِعتُ بها               ما كانَ أبعدَها من الدّنّسِ"

رحم الله عالية الابنة والصديقة والأخت رحمة واسعة، وأسكنها الجنّة مع القديسين والأبرار.. آمين.