غبطة البطريرك ميشيل صباح في لقاء خاص مع موقع "القيامة": إسرائيل لم تهتم لمسألة هجرة المسيحيين * السلطة الفلسطينية ترغب في حماية المسيحيين لكن..

الكاتب : حاوره: زياد شليوط - رئيس تحرير موقع "القيامة"

مقدمة – التقيت في الناصرة، غبطة البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس، بمناسبة صدور كتابه الأخير "تأملات صباحية من القدس" (جزئين). وفي كل مرة ألتقي فيها بغبطة البطريرك ميشيل صباح، أتأكد أنني أجالس قامة دينية، وطنية، إنسانية من الدرجة الأولى، وانتهزت الفرصة لأجري معه لقاء مطولا ومعمقا، أنشر فيما يلي أهم ما جاء في ذاك اللقاء.

غبطة البطريرك ميشيل صباح في لقاء خاص مع موقع "القيامة":  إسرائيل لم تهتم لمسألة هجرة المسيحيين * السلطة الفلسطينية ترغب في حماية المسيحيين لكن..

القيامة: نحن مقبلون على انتخابات برلمانية خامسة في إسرائيل خلال عامين، والعنصرية تنامى في إسرائيل، كيف يمكن للعربي أن يتعامل مع خصمه في هذه الأجواء؟

البطريرك صباح: معظم السياسيين العرب داخل إسرائيل لجأوا إلى خطاب الشتيمة تجاه إسرائيل وحكوماتها بدل الحوار رغم انهم مواطنين في الدولة، وهنا يكمن خطأهم.

والمشكلة لا تكمن في الحكومة الإسرائيلية التي تخضع الشعب الفلسطيني بالقوة وتنكل به، المشكلة باتت في الشعب اليهودي الذي لا يرى بالفلسطيني إلا أنه "إرهابي". وبات المرشح الذي ينادي بشعار "الموت للعرب" ينجح في انتخابات الكنيست، بينما من ينادي بالسلام والمصالحة مع الفلسطينيين يفشل، فالشعب اليهودي يتجه أكثر وأكثر نحو التعصب الأعمى.

فالمهمة باتت صعبة أمام السياسيين العرب وبدل مقابلة اليهودي العنصري بالشتيمة، أرى أن يعملوا على مخاطبة الشعب اليهودي مباشرة واقناعهم بأن الفلسطيني ليس إرهابيا.

القيامة: لقد رأينا أن القائمة الموحدة قامت بهذا الدور مؤخرا، فماذا كانت النتيجة سوى المزيد من العنصرية؟

البطريرك صباح: الموحدة لم تتمكن من إحداث التغيير. حتى الآن يرفض اليهود تغيير أنفسهم ومعتقداتهم. شخص واحد لن يتمكن من تغيير عقلية شعب، فهذا يحتاج إلى وقت وصبر. الحكومة الاسرائيلية خبيثة فهي تسير مع توجهات الشعب العنصرية والمتطرفة. فأنت كمواطن عربي مخلص لوطنك، عليك أن تساعد وطنك على حل مشاكله، أو توافق على وصمك بتهمة "الخيانة".

القيامة: ما هي دعوتكم في هذه المسألة وفي العلاقة المعقدة بين المواطن العربي الفلسطيني – الاسرائيلي في الوقت ذاته؟

البطريرك صباح: علينا أي عليكم إعادة التفكير في علاقتكم مع دولتكم، وعلينا أن تحسم ماذا تريد من دولتك إسرائيل؟ وأن تحسم ما هي واجباتك الوطنية تجاه إسرائيل وفلسطين؟ هناك من ينكر مسألة الاندماج، لكنكم في الحقيقة مندمجون في المجتمع الإسرائيلي. هل تريد أن تكون فلسطينيا دون حقوق، أم مواطن كامل الحقوق؟ العملية تحتاج إلى تفكير معمق، وهذا يحتاج مساهمة الكتّاب والمفكرين، عليهم أن يعقدوا حلقات حوارية والخروج بتوصيات مقبولة على الغالبية تضع حدا للضياع الحالي.

إضافة إلى ذلك على المواطن العربي أن يساعد دولته في حل المشكلة مع ابن شعبه الفلسطيني. ليس من المفروض أن يتبنى موقف أبو مازن (الجانب الفلسطيني- القيامة) ويعادي اليهودي. عليه أن يحتوي إسرائيل ويتفهمها ويعمل على أخذها نحو السلام. وإلا فإن التطرف سيزداد والصراخ سيعلو والزعيق سيكون سيد الموقف.

القيامة: ما هي نظرتكم لمستقبل المسيحيين في البلاد وخاصة بالنسبة للهجرة، حيث بات الكثيرون يعتقدون أن بلادنا ستتحول إلى بلاد حجر وليس بشر مسيحيا؟

البطريرك صباح: (يطلق حركة الغاء من يده) هذا كلام غير واقعي، والغرب يقوم بترويجه. إن من يعمل على تهجير المسيحيين من الشرق هو الغرب عينه والسياسة الأمريكية بالذات. تلك السياسة دمرت العراق وتعمل على تدمير سوريا وتهجير أهلها مسلمين ومسيحيين. على أمريكا والدول التي تتدخل في شؤون سوريا أن تتركها لوحدها. مصدر الخطر علينا مسلمين ومسيحيين هو الغرب. كانت السياسة الغربية سابقا، في عصور الاستعمار تدعي حماية المسيحيين، وكانت توفر نوعا من الحماية، مثلا دور القناصل الفرنسيين والروس. أما اليوم فان الغرب لا يأبه لمصير المسيحيين، فأمريكا تقتل المسلم والمسيحي إكراما لإسرائيل، ودمرت الدول العربية خدمة لإسرائيل.

وإسرائيل لم تهتم لمسألة هجرة المسيحيين، ولم تفعل شيئا لايقاف هذا النزيف، في الوقت الذي تدعي فيه أنها تحمي المسيحيين. ولم يعد أمام المسيحي من خيار إما أن يندمج في الدولة أو يهاجر، وفي الحالتين يكمن الخطر على هويته. والخلاص يمكن أن يأتي من خلال تربية الانسان المسلم والمسيحي في المدارس، لكن مدارسنا تفتقر للتربية، هي عاجزة عن تربية الانسان.

القيامة: السلطة الفلسطينية تبدو ضعيفة أمام التعنت الإسرائيلي، كيف تخرج من هذا الوضع المأزوم؟

البطريرك صباح: وضع السلطة الفلسطينية ملتبس. لقد كان عرفات ساذجا عندما قبل بالحضور، خدعوه ومنحوه لقب "شيرمان" وليس "بريزدنت" لكنه كان مسرورا بهذا. وأذكر أني كنت بطريركا آنذاك وجاء إلي فكتور بطارسة من الجبهة الشعبية (تسلم رئاسة بلدية بيت لحم بعد ذلك – القيامة) يشكو من نهج عرفات، فأجبته أنه إذا لم تسر الأمور كما يجب فالحجارة موجودة، في إشارة إلى عودة الانتفاضة، لكنه أجابني: لن تعود!

وثبت اليوم أن من عارض أوسلو كان على حق. كانت هناك مفاوضات جدية في أمريكا، وخرجوا على عرفات باقتراح أوسلو، وقسموا الضفة إلى ثلاثة أقسام.

السلطة باتت دون سلطة، ويمكن لإسرائيل أن تجهز عليها في أي لحظة. فالجيش الإسرائيلي يقتحم مناطق السلطة دون رادع، والسلطة عاجزة عن حماية شعبها. يجب أن يعودوا لاتفاقية انتقالية تتعهد بموجبها إسرائيل بعدم دخول المناطق الفلسطينية لكي يستقر الحال. أو تعود المقاومة الشعبية – مع أني لست مع العنف- لكن المقاومة الشعبية هي الرد الصحيح على ممارسات إسرائيل القمعية.

واذا لم يتم أي شيء من هذا، من الأفضل للسلطة أن تتنازل عنها، وبذلك توجه ضربة شديدة لإسرائيل لتعود وتتحمل مسؤولية الشعب الفلسطيني.

القيامة: حتى في مجال العلاقات الإسلامية – المسيحية وسبل تعزيز الحوار والعيش المشترك ونبذ التعصب فشلت السلطة الفلسطينية، التي لا يمكنها إيقاف الاعتداءات بين وقت وآخر ويطال المسيحيين ومؤسساتهم الدينية!

البطريرك صباح: السلطة الفلسطينية ترغب في حماية المسيحيين وهي تدرك أهمية هذا الأمر لسمعتها في العالم. بعض المتنفذين في السلطة لا يحرصون على ذلك، بينما هناك عناصر صادقة مثل محافظ بيت لحم.

صحيح أنه تقع اعتداءات هنا وهناك، فهناك تيارات إسلامية متعصبة تنفذ الاعتداءات والسلطة تحاول قدر الإمكان منع تلك الاعتداءات، وهناك خطر انفلات أمني وهذا ما تخشاه السلطة وما لا ترغب به. من ناحية أخرى لدى المسيحيين حساسية مفرطة، عليهم أن يساعدوا السلطة في مساعيها وجهودها. من المؤسف أن مركز اللقاء توقف نشاطه ونحن بأمس الحاجة لنشاطه المبارك. يجب إقامة هيئة إسلامية – مسيحية جديدة فعالة على غرار "اللقاء".

القيامة: غبطتكم تشددون في حديثكم على العلاقات الإسلامية – المسيحية، ماذا بقي من هذه العلاقات في أيامنا، وهل هناك أمل في إعادة تعزيزها بالتلاحم الأخوي والشراكة الحقيقية؟

البطريرك صباح: لا بد من تجديد الحوار من أجل بناء لقاء إسلامي – مسيحي داخل البلاد. نحن نعيش مع المسلمين منذ آلاف السنين كشعب عربي واحد. نحن لسنا آراميين كما يدعي البعض، صحيح تعود أصولنا إلى الآرامية وكذلك المسلم أيضا، فالشام كانت كلها آرامية، ولما جاء الإسلام بعض المسيحيين تحولوا إلى الديانة الإسلامية والقسم الكبير بقي مسيحيا، اذن أصولنا واحدة ونحن نشترك في القومية العربية، فنحن شعب واحد ولسنا شعبين.

نحن عشنا معا منذ 1500 سنة، علينا ان نصوغ تاريخنا من جديد والتأكيد على أصولنا المشتركة، وهذا يستدعي إقامة مركز حوار أو لقاء –لا يهم الاسم- يقوم عليه مثقفون ومفكرون يعملون بالفكر والثقافة والتربية والتوعية، من أجل ترسيخ العيش المشترك الذي كان يحتذى في مدننا وقرانا.