صوم يسوع في البرية والتجربة - لوقا ٤: ١-١٣

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

١ورَجعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البَرِّيَّةِ ٢أَربَعينَ يَومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. ٣فقالَ لَه إِبليس: «إِنْ كُنتَ ابنَ الله، فَمُر هٰذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفًا». ٤فأَجابَه يسوع: مَكتوبٌ: لَيسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان. ٥فصَعِدَ بِهِ إِبليس، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الأَرضِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن، ٦وقالَ لَه: «أُوليكَ هٰذا السُّلطانَ كُلَّه ومَجدَ هٰذهِ المـَمالِك، لِأَنَّه سُلِّمَ إِلَيَّ وأَنا أُولِيه مَن أَشاء. ٧فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذٰلكَ كُلُّه». ٨فأَجابَه يسوع: مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسجُد وإِيَّاهُ وَحدَه تَعبُد.

صوم يسوع في البرية والتجربة - لوقا ٤: ١-١٣

٩فمَضى بِه إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكَلِ وقالَ له: «إِن كُنتَ ابنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن هٰهُنا إِلى الأَسفَل، ١٠لِأَنَّه مَكتوبٌ: يُوصي مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ»، ١١ومكتوبٌ أَيضًا: «على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لِئَلَّا تَصدِمَ بِحَجَرٍ رِجلَكَ». ١٢فأَجابَه يسوع: «لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ». ١٣فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جَميعَ ما عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت.

 

الحرب. السنة الثانية – يوم ١٥١ – (وقف إطلاق النار في غزة) (واشتدت الاعتداءات على الناس في الضفة الغربية).

"عَييتُ في صُراخي والتَهَبَ حَلْقي، وكَلَّت عَينايَ مِنَ انتِظاري لإِلٰهي" (مزمور ٦٩: ٤).
       ارحمنا، يا رب. يا رب، قلوب أهل الحرب تزداد قساوة وتريد أن تعود إلى الحرب. لم يَكفِهِم دمار غزة، ولا ألوف الضحايا فيها، ولا الجرحى، ولا المشرَّدون، ولا آلام الصغار، كل ذلك لا يكفي قساوتهم. يدَّعون ويقولون: يريدون استئصال العدو... والعدُوُّ إنسان مثلهم، يطلب حريته وكرامته. علِّمْ أهل الحرب، يا رب، أن العدُوَّ يُستأَصَلُ بالعدل والمساواة في الحقوق، وبحقِّ الجميع على الكرامة نفسها، والحرية نفسها. أما مزيد من الحرب، ومزيد من الدماء، فلا يؤدي إلا إلى مزيد من العداء، وبلا فائدة. يا رب، "عَييتُ في صُراخي والتَهَبَ حَلْقي، وكَلَّت عَينايَ مِنَ انتِظاري لإِلٰهي". ارحمنا، يا رب. قل كلمة واحدة فنبرأ من داء الحرب.

 

إنجيل اليوم.

“ورَجعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البَرِّيَّةِ أَربَعينَ يَومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. فقالَ لَه إِبليس: «إِنْ كُنتَ ابنَ الله، فَمُر هٰذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفًا». فأَجابَه يسوع: مَكتوبٌ: لَيسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان" (١-٤).

الأحد الأول من الصوم. صوم يسوع في البرية والتجربة.  قبل أن يبدأ حياته العامة، وكرازته، وبعد معموديته في نهر الأردن، انقاد يسوع لروح الله. يسوع كلمة الله الذي صار إنسانًا مثلنا، أراد أن يستعِدَّ بوسائل الإنسان ليتمِّمَ مشيئة أبيه الذي في السماء، وليكون مثالًا لنا. صام أربعين يومًا. صوم وعزلة في البرية، وحضور أمام الآب، وجوع ومقاومة لتجارب الشيطان.

كيف نصوم؟ تعليمات الصيام واضحة في مختلف الكنائس، وهي امتناع عن أكل وشرب في زمن محدد. صوم يسوع كان امتناعًا عن أكل، وكان إقامة في الصحراء، وكان مقاومة للتجربة. نحن أيضًا نمتنع عن الأكل والشرب في الأيام المفروضة. ونحن أيضًا نذهب إلى الصحراء، معتزلين، وحدنا، سواء بصورة مادية، فنذهب مدة يوم أو أكثر، إلى الصحراء أو إلى بعض الأديرة، أو أي مكان آخر منعزل، أو نعتزل بالروح، فنتحرر من مشاغلنا العديدة وهمومنا، لنضع أنفسنا في حضرة الله. حتى نرى واجباتنا تجاه الله، وتجاه إخوتنا. أيام صوم وعزلة وحضور أمام الله، هي أيام جهد مستمر حتى نرى الله، أبانا الذي في السماء، ونجدد فينا حبه. ولنرى بصورة أفضل إخوتنا، والأخُوَّة التي تربطنا، والمؤسسة على أننا كلنا أبناء الله أبينا الواحد الذي في السماء. زمن عزلة وتنقية لنرى إخوتنا وحاجاتهم، ولنسمع استغاثاتهم ومطالبهم، ولا سيما من كان فيهم أشدَّهم فقرًا وحاجة.

نصوم، فلا نأكل ولا نشرب، لزمن معين. لكن الصوم أكثر من ذلك بكثير. هو زمن مع الله أبينا، هو زمن نقبل فيه أن نتعلَّم من الله أبينا، ونترك الروح يقودنا، مثل يسوع.

زمن لله، وزمن لإخوتنا. زمن لمقاومة الشر، لمقاومة كل ميل إلى الشر في أنفسنا، ثم نتحد بجهد البشرية العام لمقاومة شر الإنسان على الأرض. زمن مع الله، ومع كل البشرية لنكتشف من جديد النور والمحبة والعدل والسلام، لنخرج من الحروب، ومن تجارات الموت، ومن مختلف الفروقات والمظالم في قلوب الناس، وفي قلبي أنا أيضًا.

يسوع هزم الروح الشرير بكلمة الله.

" مَكتوبٌ: لَيسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان... مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسجُد وإِيَّاهُ وَحدَه تَعبُد... قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَكَ».

حياتنا معركة، وزمن صوم، وزمن تجربة، لكنه دائمًا مسيرة إلى الله ومع الله. مع الله نهزم الشرير، ونغلب الشر الذي فينا والذي في مجتمعنا.

ربي يسوع المسيح، أنت كلمة الله الأزلي، صرت إنسانًا مثلنا، وصُمْتَ. علِّمْنا كيف نصوم، كيف نجعل زمنَ صومِنا زمنَ تثبيت لنا في محبتك ومحبة إخوتنا. آمين.

الأحد ٩/٣/٢٠٢٥               الأحد الأول من الصوم - السنة/ج