زيتونات أسوار القدس شاهد على تاريخ عريق

الكاتب : الأب رائد أبو ساحلية – كاهن رعية اللاتين في الرامة الجليلية وباحث في زيتون الأرض المقدسة

منذ زمن طويل كنت أريد أن أجول حول أسوار مدينة القدس لتصوير وتوثيق أشجار الزيتون الملاصقة للأسوار من الخارج... وقد قمت بذلك سيراً على الأقدام، ابتداء من باب الخليل نزولاً من الجهة الغربية وصعوداً الى باب صهيون من الجهة الجنوبية، نزولاً الى باب المغاربة والحرم الشريف، ثم واصلت شرقاً بمحاذاة وادي قدرون وجبل الزيتون وخاصة الجتسمانية يميناً وباب الرحمة (الباب الذهبي) يساراً، وصولاً الى باب الأسباط (باب الأسود) عبر مقبرة باب الرحمة الاسلامية، ثم انعطفت الى الجهة الشمالية للبلدة القديمة وصولاً الى باب الزاهرة فباب العامود (باب دمشق) وأكملت الصعود الى باب الجديد ثم انعطفت يساراً في الجهة الغربية ونزلت من جديد الى باب الخليل (باب يافا).

زيتونات أسوار القدس شاهد على تاريخ عريق

كانت جولة ممتعة امتدت على مسافة خمس كيلومترات حول الأسوار ولمدة ساعتين تقريباً في الحر الشديد، ومع ذلك لم أشعر بالوقت أو التعب والعطش لاني كنت أسير بمحاذة الأسوار الشاهقة التي ترتفع من 12 الى 19 مترا وفي ظل تاريخ عريق يمتد إلى ثلاثة آلاف سنة.

واليكم ملاحظاتي:

1)  لم أجد أكثر من مائة زيتونة ملاصقة للأسوار معظمها لا يزيد عمره عن مائتي سنة، واكتشفت السبب الرئيسي وهو أن طيطس عندما احتل المدينة سنة 70 ميلادي وهدم أسوارها والهيكل، فقد قطع جميع الاشجار حولها لمسافة 10 كيلومترات وسبى معظم سكانها عبيداً الى روما وترك المدينة خراباً يباباً.. كما أنها تعرضت لعشرات الحروب والاحتلالات عبر التاريخ في مختلف العصور والى يومنا هذا، وكان كل محتل يغير من معالم المدينة ويهدم ويقلع ويحرق كما هو الحال الآن.

2)  اكتشفت الكثير من التفاصيل الدقيقة المجهولة ورأيت بأم عيني العديد من الحفريات الجارية والترميمات في البنية التحتية التي تغير من معالم المدينة، لأني سرت بمحاذاة الأسوار فقط لا بل بلصقها اكتفيت بتصوير وتوثيق ما رأيت بقربها من الخارج فقط.. فهناك الكثير يمكن توثيقة داخلها وعلى مسافة منها من معالم أثرية أو أشجار زيتون معمرة، ما يتطلب جولة لا بل جولات عديدة سأقوم بها في المستقبل القريب، وخاصة توثيق كافة الزيتونات الموجودات في ساحة الحرم الشريف وقبة الصخرة والمسجد الأقصى.

3)  مررت أمام كافة أبواب القدس السبعة المفتوحة، وباب الرحمة المغلق، وأبراج الحماية الـ 38 التي ترتفع أمتارا عن الأسوار من جميع الجهات، ولاحظت فخامة وضخامة الأحجار المستعملة والعديد من الزخارف والكتابات الموجودة، خاصة على مداخلها وأبوابها ومعظمها مكتوبة باللغة الغربية، مما يستدعي المزيد من التوقف والتدقيق والتوثيق..!

4) لم أتجول في وادي قدرون او منطقة الجتسمانية ولا جبل الزيتون التي تكثير فيها أشجار الزيتون المعمرة، لأني قمت بتخصيص تقرير خاص عن زيتونات الجتسمانية التاريخية المعمرة، ولأني أنوي متابعة التجوال والتصوير والتوثيق الدقيق لكل كل شجرة زيتون في المرات القادمة، وهذه مغامرة كبيرة تتطلب وقتا وجهدا سأقوم به في حينه بإذن الله.

أخيراً وليس آخراً، استطيع القول بأني لم أشعر بالغربة عن هذه المدينة رغم أني رأيت بأنها مدينة تائهة تسبح في نوع من الفراغ والضياع، لان كل ما فيها وما يجري حولها ومن يتجول فيها من عالم آخر... والشاهد الأكيد هي الأسوار والأشجار..!