الأحد الثالث في زمن الصيام – المرأة السامرية - يوحنا ٤: ٥-٤٢

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"فَوَصَلَ إلَى مَدِينَةٍ فِي السَّامِرَة... وَفِيهَا بِئرُ يَعقُوب. وَكَانَ يَسُوعُ قَد تَعِبَ مِنَ المَسِيرِ، فَجَلَسَ دُونَ تَكَلُّفٍ عَلَى حَافَّةِ البِئْرِ. وَكَانَتْ السَّاعَةُ تقَارِبُ الظُّهرَ. فَجَاءَتْ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقِي. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: اسقِينِي" (٥-٧).

الأحد الثالث في زمن الصيام – المرأة السامرية - يوحنا ٤: ٥-٤٢

 

٥. فوصل إلى مدينة في السامرة يقال لها سيخارة، بالقرب من الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف،

٦. وفيها بئر يعقوب. وكان يسوع قد تعب من المسير، فجلس دون تكلف على حافة البئر. وكانت الساعة تقارب الظهر.

٧. فجاءت امرأة من السامرة تستقي. فقال لها يسوع: اسقيني.

٨. وكان التلاميذ قد مضوا إلى المدينة ليشتروا طعاما.

٩. فقالت له المرأة السامرية: كيف تسألني أن أسقيك وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ لأن اليهود لا يخالطون السامريين. 

١٠. أجابها يسوع: لو كنت تعرفين عطاء الله ومن هو الذي يقول لك: اسقيني، لسأَلْتِهِ أنت فأعطاك ماء حيًّا. 

١١. قالت له المرأة: يا رب، لا دلو عندك، والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ؟ 

١٢. هل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنوه وماشيته؟

١٣. أجابها يسوع: كل من يشرب من هذا الماء يعطش ثانية

١٤. وأما الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا إياه فلن يعطش أبدًا، بل الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه عين ماء يتفجَّرُ حياة أبدية. 

١٥. قالت له المرأة: يا رب، أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش فأعود إلى الاستقاء من هنا. 

١٦. قال لها: اذهبي فادعي زوجك، وارجعي إلى ههنا. 

١٧. أجابت المرأة: ليس لي زوج. فقال لها يسوع: أصبتِ إذ قلتِ: ليس لي زوج. 

١٨. فقد كان لك خمسة أزواج، والذي عندك الآن ليس بزوجك، لقد صدقْتِ في ذلك. 

١٩. قالت المرأة: يا رب، أرى أنك نبي. 

٢٠. تعبَّدَ آباؤنا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن المكان الذي فيه يجب التعبُّد هو في أورشليم. 

٢١. قال لها يسوع: صدقيني، أيتها المرأة، تأتي ساعة فيها تعبدون الآب لا في هذا الجبل ولا في أورشليم.

٢٢. أنتم تعبدون ما لا تعلمون، ونحن نعبد ما نعلم، لأن الخلاص يأتي من اليهود 

٢٣. ولكن تأتي ساعة - وقد حضرت الآن - فيها العباد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحق، فمثل أولئك العباد يريد الآب. 

٢٤. إن الله روح فعلى العباد أن يعبدوه بالروح والحق. 

٢٥. قالت له المرأة: إني أعلم أن المشيح آتٍ، وهو الذي يقال له المسيح، وإذا أتى، أخبرنا بكل شيء. 

٢٦. قال لها يسوع: أنا هو، أنا الذي يكلِّمُكِ. 

٢٧. ووصل عندئذ تلاميذه، فعجبوا من أنه يكَلِّم امرأة، ولكن لم يَقُلْ أحد منهم: ماذا تريد؟ أو لماذا تكلِّمُها؟ 

٢٨. فتركت المرأة جرتها، وذهبت إلى المدينة فقالت للناس:

٢٩. هلموا فانظروا رجلًا قال لي كل ما فعلت. أتُراه المسيح؟ 

٣٠. فخرجوا من المدينة وساروا إليه. 

٣١. وكان تلاميذه خلال ذلك يقولون له مُلِحِّين: رابي، كُلْ. 

٣٢. فقال لهم: لي طعام آكله أنتم لا تعرفونه. 

٣٣. فأخذ التلاميذ يتساءلون: هل جاءه أحد بما يؤكل؟ 

٣٤. قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني وأن أُتِمَّ عمله. 

٣٥. أما تقولون أنتم: هي أربعة أشهر ويأتي وقت الحصاد؟ وإني أقول لكم: ارفعوا عيونكم وانظروا إلى الحقول، فقد ابيضت للحصاد. 

٣٦. هوذا الحاصد يأخذ أجرته فيجمع الثمر للحياة الأبدية فيفرح الزراع والحاصد معًا 

٣٧. وبذلك يصدق المثل القائل: الواحد يزرع والآخر يحصد. 

٣٨. إني أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. فغيركم تعبوا وأنتم دخلتم ما تعبوا فيه. 

٣٩. فآمن به عدد كثير من سامريي تلك المدينة عن كلام المرأة التي كانت تشهد فتقول: إنه قال لي كل ما فعلت. 

٤٠. فلما وصل إليه السامريون سألوه أن يقيم عندهم، فأقام هناك يومين. 

٤١. فآمن منهم عدد أكبر كثيرًا عن كلامه، 

٤٢. وقالوا للمرأة: لا نؤمن الآن عن قولك، فقد سمعناه نحن وعلمنا أنه مخلِّص العالم حقًّا.

"فَوَصَلَ إلَى مَدِينَةٍ فِي السَّامِرَة... وَفِيهَا بِئرُ يَعقُوب. وَكَانَ يَسُوعُ قَد تَعِبَ مِنَ المَسِيرِ، فَجَلَسَ دُونَ تَكَلُّفٍ عَلَى حَافَّةِ البِئْرِ. وَكَانَتْ السَّاعَةُ تقَارِبُ الظُّهرَ. فَجَاءَتْ امرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ تَستَقِي. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: اسقِينِي" (٥-٧).

يسوع تعب من السير، وجلس على حافة البئر يستريح. وذهب الرسل إلى المدينة يشترون طعامًا. موقع البئر اليوم عند مدخل مدينة نابلس. وفيه كنيسة كبيرة، وفيها راهب يحرسها ويصلي، ويطلب من الله ماء الحياة للمدينة، الملتهبة اليوم بالاعتداءات والصراع والموت.

هناك، خارج المدينة، يسوع جلس يستريح. وطلب ماء ليشرب من امرأة من المدينة جاءت تستقي. ثم انتقل من السؤال إلى العطاء، وانتقل من البئر إلى الماء الحي. قال للمرأة التي استغربت كيف يكلِّمُها يسوع وهو غريب، وليس سامريًّا مثلها: "لَو كُنتِ تَعرِفِينَ عَطَاءَ الله، وَمَن هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ: اسقِينِي، لَسَأَلْتِهِ أنتِ فَأَعطَاكِ مَاءً حَيًّا" (١٠).

        يسوع ليس غريبًا لأحد. ولا أحد غريب بالنسبة له. هو كلمة الله، وخالق الكل، ليس غريبًا لأي من خلائقه. وهو ابن الإنسان وأخٌ لكل إنسان، ومخلِّصٌ لكل إنسان.

        اللقاء به نعمة منه. المرأة السامرية التقته صدفة. كان يسوع مارًّا بالمكان وتعب فجلس على حافة البئر. وصدف أن جاءت المرأة تستقي في تلك اللحظة. لكن لله لا توجد صدف، بل رؤية شاملة للإنسان ولكل أحداث حياته. كل لحظة ليست صدفة بل نعمة منه تعالى. أنعم على المرأة بأن تلتقيه، وأن تقبل نعمته.  "قَالَتْ لَهُ المَرأَةٌ: يَا رَبّ، أَعطِنِي هَذَا المَاءَ، لِكَي لَا أَعطَشَ" بعد الآن (١٥).

        قال لها يسوع: اعرفي نفسك أولا، واعترفي. "كَانَ لَكِ خَمسَةُ أزوَاجٍ، وَالَّذِي عِندَكِ الآنَ لَيسَ بِزَوجِكِ" (١٧-١٨). "قَالَتْ المَرأَةُ: يَا رَبّ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيّ" (١٩). عرفت نفسها واعترفت وآمنت، وركضت تبشِّرُ به في المدينة كلها.

        مع الله لا توجد صُدَف. كل شيء محبة منه لي، ويعرفني باسمي، ويعرف حاجتي، حاجة كياني فهو خالقي، وحاجاتي الطارئة في حياتي اليومية. أحداث الحياة ليست صُدَفًا، بل هي نِعَمٌ ودعوة لأن ألتقي مع الله أبي، ويسوع المسيح الذي يبحث عني دائمًا. وحياتي، إن آمنتُ، هي ذهاب للقاء يسوع المسيح كلمة الله، يطلب مني حبي. ليس أنه بحاجة إليَّ، بل أنا المحتاج، وفيه فقط أجد ملء الحياة. وحتى أجده، وأحوَّل كل أحداث حياتي إلى فرص لقاء معه، أعرف نفسي، وأعترف بكل خطيئة فيَّ، وأومن: أنت المسيح ابن الله، أنت كلمة الله، الذي جئت لتمنحنا الخلاص. ولتمنحنا النعمة لنغلب العالم نحن أيضًا كما غلبْتَ انت العالم. "ثِقُوا إِنِّي قَد غَلَبْتُ العَالَم" (يوحنا ١٥: ٢٣).

        إنجيل اليوم فيه الشيء الكثير للمتأمل فيه، لكل طالب لله. لنقرأه ولنخصِّصْ يومنا هذا، يوم الأحد في زمن الصوم، لنقرأ ونجد في قراءتنا مزيدًا من اللقاء مع أبينا الذي في السماء، ومزيدًا من الحضور أمامه.

        ولنعد إلى مدينة نابلس، حيث موقع الحدث، حيث توقَّف يسوع عند البئر في مدخل المدينة اليوم، ولنسأل الله نعمته للمدينة ولكل الوضع الذي يحيط بها، كل البلاد في صراع، ونصلي ونقول: يا رب، ارحم. توقف اليوم يا رب وانظر إلى المدينة كلها، وإلى الأرض كلها، وحرِّرْها ممـَّا هي فيه.

        ربي يسوع المسيح، التقيْتَ المرأة السامرية، ومنَحْتَها أن تؤمن بك. امنحنا جميعًا أن نراك، وأن نرى أنفسنا، أننا بحاجة نحن أيضا إلى ماء الحياة الأبدية، لتَصلُحَ به حياتنا وصراعاتنا على الأرض. آمين.  

الأحد ١٢/٣/٢٠٢٣