موقع "القيامة" يلتقي الدكتور نبيل جرايسي، مدير قسم الصحة النفسية في مستشفى الناصرة حول ارتفاع استخدام المسكنات بين السكان العرب في زمن الحرب
القيامة – أجرى الكاتب زياد شليوط، رئيس تحرير موقع "القيامة" والمحرر في صحيفة "الصنارة" الأسبوعية، لقاء مع مع الطبيب النفسي الدكتور نبيل جرايسي، مدير قسم الصحة النفسية في مستشفى الناصرة حول ظاهرة تناول الأدوية المهدئة للأعصاب والمسكنة للأوجاع، بين الفئات السكانية المختلفة في اسرائيل وخاصة من اليهود والتي تشهد ارتفاعا ملحوظا منذ السابع من أكتوبر الماضي، واستمرار الحرب وسقوط الضحايا والمواجهات على الحدود الشمالية والجنوبية خاصة، كذلك دلت المعطيات بأن ارتفاع نسبة اللجوء للمسكنات ارتفعت بين المواطنين العرب، رغم بعدهم عن خطوط المواجهة، وينشر اللقاء بالتنسيق مع "الصنارة".

القيامة: متى يتم اللجوء عادة إلى تناول المهدئات والمسكنات؟
د. جرايسي: يتم عادة تناول المهدئات والمسكنات وأدوية التهدئة بناء على وصفة طبية، كل الأدوية المهدئة مشروطة بوصفة طبية. غالبية الوصفات يقدمها أطباء العائلة أو الأطباء العموميين في حالات التوتر والضغط وليس دائما حالات بحاجة لحالة طبية انما طرق ووسائل للتخفيف من التوتر غير الأدوية. لكن هناك استعمال زائد وسوء استعمال للأدوية، وهذا يؤدي الى حالات كثيرة من الإدمان خاصة في أدوية الأعصاب، واستعمال غير مراقب ومسيء لا يمكن ايقافها يمكن أن يؤدي الى الادمان ولا يعود بالامكان ايقاف. شخصيا لا أنصح دائما باستعمال الأدوية انما هناك طرق عديدة يمكن عبرها تحقيق تهدئة ذاتية..
القيامة: ما هو البديل لتلك الأدوية؟
د. جرايسي: هناك عدة وسائل وطرق منها الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، ممارسة الرياضات الخفيفة مثل المشي، تمارين التنفس العميق، التدرب على السيطرة على الأفكار التي تؤدي الى القلق والتوتر الناجمين بالأساس عن رد فعل نفسي، سلوكي، شعوري لفكر معين، وحتى نسيطر عليها علينا أن نسيطر على الفكر الذي سبق هذه المشاعر، فهناك آليات وتقنيات ممكن أن ندرب الناس للسيطرة من خلالها على الأفكار والتغلب على شعور الضغط وغيره، وبالتالي الاستغناء عن الأدوية، وعندما تكون حاجة ماسة للأدوية يجب أن تكون لفترات قصيرة لأن غالبية الأدوية المهدئة للأعصاب فقد تؤدي الى الإدمان في حال سوء استعمالها.
القيامة: كيف يمكن للانسان أن يصل للإدمان، ألا توجد مراقبة ومتابعة لحالة متلقي الأدوية؟
د. جرايسي: من الضروري بداية أن تكون حاجة ماسة صحية لتناول أدوية التهدئة، هذا هو الأساس الذي يمنع حصول الإدمان. والمبدأ الثاني تناول الأدوية المهدئة بوصفة طبية متخصصة لفترة زمنية محدودة، وعند تناول الأدوية يشعر الانسان أن هذه المقادير من الأدوية، لم تعد تكفيه للتهدئة وبات بحاجة لاضافة منها وزيادة المعايير، يكون أمام حالة خطر للإدمان، والطبيب الاختصاصي النفسي بامكانه تغيير الأدوية إلى أدوية غير قابلة ليس لها قابلية للادمان.
أي عندما نشعر بأن الدواء لم تعد له فاعلية ويجب زيادة الكمية للحصول على نفس التأثير، عندها تكون لدينا حالة ادمان ويجب عندها مراجعة الطبيب المختص، لاجراء فطام من هذه الأدوية وتحويل أدوية من نوعية ثانية اذا دعت الحاجة، بحيث لا تؤدي الى ادمان لأن هناك الكثير من الأدوية المهدئة والمسيطرة على القلق والاكتئاب، لا تؤدي إلى الإدمان، وفقط فئة معينة من العقاقير النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى الادمان عائلة (البينزو) كما تسمى.
العلاجات للتهدئة ممكن تؤدي لادمان، وهناك علاجات قريبة جدا لأن تكون طبيعية، ولا تؤدي للادمان.
القيامة: هل الادمان نتيجة تناول الأدوية له علاقة بالجيل أو الجنس؟
د. جرايسي: من المعلوم عالميّا ومحلّياً أنّ الرجال يدمنون أكثر على الكحول والسموم، أمّا النساء فهنَّ يدمنّ أكثر على الأدوية، إذ نرى أيضاً أنّ 65% من النساء المُدمنات يعانين من حالات نفسية إضافية مقابل 75% من الرجال المدمنين يعانون من حالات نفسية إضافية.
ومن المعروف أيضاً هو أنّ حالات الإدمان تزداد بغالبية المجتمعات بفئة جيل 18-25.
أمّا التناقص والهبوط بالإستعمال يزداد مع الجيل، إذ نرى أنّه فوق جيل الـ 65 فقط 1% ما زال يستعمل ويستهلك الكحول والمخدّرات على شكل إدمان. كذلك له علاقة بمعدلات المعاناة النفسية كما لمسنا أثناء اجراء الأبحاث في وزارة الصحة سابقا ونشرت في مجلات عالمية ومحلية المعاناة النفسية لدى أبناء الأقلية العربية هي بمستويات أعلى من نسبة المدنيين اليهود في البلاد.
القيامة: ما هو المقصود بالمعاناة النفسية؟
د. جرايسي: الضغط، التوتر، القلق، عدم الشعور بالكفاءة والقدرات الشخصية، تدني بقيمة الذات وغيرها، هناك أداة بحثية عالمية معتمدة تسمى (جنرال هيلث كويستشينر) فيها 12 موضوعا في استبانة يصرح من خلالها الشخص عن حالته النفسية، وبكل فئات الجيل المعاناة النفسية لدى العرب أعلى منها لدى اليهود وفي كل الحالات سواء في الكورونا أو الحرب، مع أن البلدات العربية ليست في خطوط المواجهة، وبسبب الحرب المعاناة لدى العرب أدنى من اليهود لأننا لسنا في خط المواجهة الأول سواء في الشمال أو الجنوب ما عدا بعض القرى التي تم ترحيل أهاليها مثل عرب العرامشة. لكن نسبة المدمنين العرب من الشباب أعلى من الشباب اليهود، وربما تتفاجأ أن نسبة النساء العربيات (من مختلف الطوائف) المدمنات على الكحول ضعف النساء اليهوديات، وهذه مطعيات قطرية.
القيامة: لماذا تظهر هذه النسب المقلقة لدى العرب؟
د. جرايسي: لكون العرب أقلية وموجودة على الهامش السياسي، وتتعرض لضغوط وتمييز سياسي، ولا ننسى أنه يوجد صراع قومي بين العرب واليهود، والعرب يدفعون الثمن سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي وكذلك على مستوى الحالة الأمنية. ليس لدينا معطيات دقيقة حاليا عن مدى التأثير النفسي للحرب الأخيرة، لكن ما زلنا نفحص الموضوع لذا لا يمكنني تقديم معطيات غير نهائية. يلاحظ وجود ارتفاع ملحوظ عند العرب في استخدام المسكنات، رغم عدم وجودهم في خط المواجهة اليومي، لكن نعاني بشكل مباشر وغير مباشر من حالة الحرب التي نتمنى أن تنتهي.
في بداية الحرب لمسنا كثرة من التوجهات لقسم العلاج النفسي عندنا في المستشفى وللطواريء، نتيجة الضغط والتوتر، ولدينا حالات مكثت في المستشفى من عرب ويهود وكانوا في حالات نفسية متوازنة، وأصيبوا بانتكاسة نفسية على خلفية القلق والتوتر من الحرب. وشهدنا حالة لرجل عربي من قرية عربية عانت من النكبة، وامرأة يهودية من حيفا من أول صفارة انذار، أصيبت بانتكاسة نفسية.
القيامة: عندما تحصل انتكاسة نفسية لأحدهم، هل يتم تقديم المهدئات مباشرة أم هناك مراحل مسبقة للأدوية؟
د. جرايسي: هذا يعتمد بالعنوان الذي يصل اليه المتعالج، هل إلى طبيب عام أو مختص. عادة الطبيب المختص لا يسرع بكتابة وصفة تشمل أدوية، أنما يحاول أن يفهم الخلفية للحالة النفسية ويعطي شرعية لهذه المخاوف من القلق والتوتر، ورغم وجود الحرب الى أننا لا نشعر بالتوتر والقلق، وهذا أساس التدخلات بأن الانسان يتعرف الى رد الفعل لديه، لأننا لا نتعرض كل يوم لحرب أو لكارثة طبيعية. هذه ردود فعل نفسية طبيعية واذا استمرت ردود الفعل هذه لفترة أسابيع عندها يكون تدخل للطبيب أو الاختصاصي.