مسيحيو سوريا على مفترق طرق بعد التفجير الإرهابي للكنيسة في دمشق
الكاتب : رئيس التحرير
في ختام مقال سابق لي، طرحت السؤال التالي والذي اتخذته عنوانا للمقال المذكور: ماذا ينتظر مسيحيي سوريا في الفترة القادمة؟ من الواضح أن المؤشرات بمعظمها سلبية، وعلى الجماعات المسيحية أن تعقد لقاءات فيما بينها، لرسم معالم المستقبل القريب ووضع مخططات نهج حياة لهذا المستقبل كما يرون بأنفسهم، لأنهم هم أدرى بحالهم وواقعهم، وأن يسيروا بثقة على درب معلمهم الأول السيد المسيح – له المجد- الذي وضع دستورا للإنسان المسيحي سواء في خطبة التطويبات أو في غيرها وأن يقدموا "ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، ولا يضعوا كل ما يملكون لخدمة القيصر من منطلق الخوف والرعب، فقد هتف السيد المسيح على مسامع تلاميذه قائلا: "لا تخف أيها القطيع الصغير" (لوقا 32:12)، وتبقى وصيته الخالدة باتباع طريق المحبة سواء مع الصديق أم العدو.

إن جريمة الإرهاب التي وقعت أمس في كنيسة مار الياس في دمشق، والتي حاول النظام الحالي التنصل منها والقاء المسؤولية على عناصر "داعش" و"فلول النظام السابق" كما ادعت الخارجية السورية في بيانها، تؤكد مسؤولية النظام الجديد وتورطه في هذه الجريمة الإرهابية البشعة. من السخرية أن ينسب نظام الجولاني مسؤولية تفجير الكنيسة لما يسميه "فلول النظام"، هذه الكذبة يجب ألا تنطلي علينا ولا يمكن أن تنطلي، وعلى الجولاني أن يكف عن اتهام "فلول النظام" واتخاذ هذه التهمة شماعة لتقصيره وتشجيعه لمثل هذه الجرائم. ان نظام الجولاني ولا أحد غيره يتحمل مسؤولية تفجير الكنيسة، فنوعية التفجير تدل على "داعش" التي انتسب وينتسب اليها الجولاني، وهذه التفجيرات هي نتاج مدرسته الاجرامية، الطائفية، الإرهابية، ولا يمكنه اليوم التنصل منها، فهي التي أوصلته للحكم، بمساعدة حلفائه وأولي أمره الأمريكان.
أما "النظام" الذي يقصده وهو نظام بشار الأسد فلم يشهد اعتداءات على كنائس وأديرة، بل عامل المسيحيين باحترام وتقدير كما عامل الأقليات الأخرى، ولم تقع اعتداءات على المسيحيين إلا بعد دخول المتطرفين والإرهابيين المأجورين، بأموال خليجية وتخطيطات أمريكية إلى سوريا، لمحاربة الأسد والعمل على القضاء على نظامه تحت اسم "الثورة"، والثورة براء منهم.
إن الوعود التي أطلقها نظام الجولاني، تذكرني بالوعود التي أطلقها بعد افتعال احراق شجرة الميلاد في نهاية العام الماضي. ويومها طالبت مسيحيي سوريا بعقد لقاءات تشاورية فيما بينهم لوضع رؤية واضحة في كيفية تعاملهم مع النظام الجديد وتحديد مكانتهم في الدولة السورية المزعومة. لكن لم أسمع أو أقرأ عنم أي مبادرة بهذا الشأن، واذا استمر مسيحيو سوريا في وضع رؤوسهم في الرمال، فسيلحق بهم أذى أكبر وأبشع بهدف ترحيله عن وطنهم وافراغ سوريا من مكون أساسي وأصيل فيها وهو المكون المسيحي.
رحم الله شهداء كنيسة مار الياس في دمشق، ولتشل أيادي الاجرام الإرهاب الداعشي.