لقاءٌ مع الشاعرِ والكاتب والباحث في أدب وفنِّ الرحابنة الأستاذ فضل سمعان
الكاتب : الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعية - المغار - الجليل
الأستاذ فضل إبراهيم سمعان (أبو نزار) من سكان قرية عيلبون الجليلية، مواليد عام (1943)، متزوج وله أربعة أولاد. أنهى تعليمه الثانوي ودرسَ موضوع التمريض في المستشفى الإنجليزي - الناصرة - وعملَ بعد ذلك في مجال التمريض مدة 33 سنة (من سنة 1963 حتى عام 1994). هو شاعر وكاتب وباحث أصدر العديدَ من الكتب والأبحاث والدراسات. أحبَّ المسرح منذ الصغر. وفي عام 1962 أسَّسَ فرقة المسرح باسم "فرقة الفيروز".

دخلَ الحديقة الرحبانيَّة في مطلع شبابه قبل أكثر من خمسين عاما تقريبا وبقي مسحورا بروائعها مُتأمِّلا دارسًا ومحللا حتى أصبحَ مُرشدًا لكلِّ من يرغبُ بزيارتِها، وذلك بتقديم المحاضرات عن هذا الأدب والفن الرائع .. الأمر الذي أوصلهُ لأن يُصبحَ الصديقَ الحميمَ لأسرةِ الراحل العظيم الأستاذ منصور الرحباني، الذي شرَّفهُ بلقب " بولس الرَّحباني".. وكان هذا إكليلَ غار فوق جبينهِ . لقد تخصَّصَ الأستاذ فضل سمعان (أبونزار) في مجال الأدب والفن الرَّحباني وكرَّسَ لهُ جلَّ وقته، وألقى الكثير من المحاضرات، في هذا المجال ، في العديد من المنتديات والمؤسسات والمراكز الثقافية، وخاصة ولطلاب الجامعات .
ونظرا لمكانتهِ ومنزلتهِ الادبيَّة والثقافيّة والفنيَّة قمتُ بزيارتهِ في بيته العامر في قرية عيلبون وأجريتُ معهُ هذا اللقاء الصحفي المطول والشائق ليطلعنا فيه على أهمِّ المحطات في حياته الأدبية والثقافية.
س) حدّثنا عن بداياتِكَ الأولى في مجالِ الكتابةِ والإبداع والتأليف .. وهل لقيتَ التشجيعَ والدعمَ المعنوي والمادي ؟؟ ..وهل كانت هنالك عراقيل وصعوبات في البداية ؟؟
سمعان: الكتابة والتأليف والإبداع هي موهبة ربَّانيَّة وأنا طوَّرتُها وصقلتُها من خلال القراءةِ والمطالعة المُكثّفة مع الأيام وبتشجيع الاصدقاء والمُقرَّبين. .وهم الذين أعطوني الضوءَ الأخضر والوقودَ لأستمرّ في هذه المسيرة ..وكانوا مُعجبين جدا بكتاباتي ومستواها ، وكما أنهم ألحُّوا وشدَّدُوا عليَّ كثيرا حتى أصدِرَ وأطبعَ كتاباتي ، وبفضلهم وصلت كتاباتي وابداعاتي إلى النور . هذا واستمرَّيتُ في هذا المجال حتى حققتُ الشهرة الواسعة .
س) أنتَ شاعرٌ وكاتبٌ وباحثٌ في أيِّ المجالاتِ الأدبيّة تجدُ نفسكَ أكثر ولماذا؟
سمعان: إبداعاتي تتجلى في الأدب الرَّحباني وفي تحليل هذا الأدب الرَّاقي وهنا مُتعتي وتألقي. وكتبتُ الكثيرَ من الدراسات والأبحاث في هذا المجال وأصدرتُ مجلدًا ضخمًا عن الأدب الرحباني ..وقريبا سأصدرُ ثلاثة مجلدات أخرى كتتمَّةٍ لهذه الأبحاث والدراسات .
س) كم كتابا أصدرتَ حتى الآن؟
سمعان: عندي مشروع دراسات للأدب والفن الرحباني، وهو مشروع كبير جدا يمتدُّ على أربعة مجلدات ضخمة..وأصدرتُ حتى الآن المجلد الاول تحت عنوان: المحبة - الميثيلوجيا الرحبانيَّة..وباقي المجلدات ستنحملُ نفسَ العنوان. وقريبا جدا ستصدرُ الأبحاث والدراسات الثلاثة الأخرى في ثلاثة مجلدات. وأصدرتُ أيضا كتاب خواطر بعنوان: معزوفات على أوتار الفكر.. وديوان شعر بعنوان: أناشيد الغريب. وعندي الكثير من الأعمال الشعرية والنثريّة والمسرحيات لم تطبع بعد.
س) ما رايُكَ في مستوى الأدب المحلي (شعرا ونثرًا) وما هو تقييمُكَ وتحليلكَ للمشهدِ الثقافي المحلي بصفتِكَ كاتبا وشاعرا وباحثا مُخضرمًا لهُ سنين طويلة في عالم الكتابةِ والإبداع ؟؟
سمعان: الحقيقة المشهد الثقافي المحلي أدبٌ ثائرٌ في سجن، فنحنُ مغلقٌ علينا محليًّا فكأننا نحنُ ( فلسطينيو الداخل أو عرب الـ 48 داخل دولة اسرائيل) نعيشُ في سجن كبير في وطننا. والجديرُ بالذكر نحنُ عندنا شعراء وأدباء مستواهم عال وراق جدا وكتاباتُهم تضاهي مستوى كتابات وابداعات كبار الكتاب والشعراء في العالم العربي، وقد تفوقُ الكثيرَ منهم وينقصنا هنا الأضواء والإعلام النزيه والشريف وتركيز الأضواء على أدبنا وشعرنا وإبداعنا المحلي. وللأسف لا توجد عندنا – محليًّا - صحافة حرَّة ومنصَّات ومنابر حرَّة ووطنيَّة ونظيفة وصادقة تخدمُ الأدب الحقيقي وتنشرُ الإبداعات الراقية والملتزمة .. وللأسف الإعلام المحلي على جميع أنواعهِ وماركاتهِ هو إعلام مشبوه ومأجور ومذدنب وعميل (على حدَّ قول العديد من الكتاب والشعراء الوطنيين الشرفاء المحليّين) يركّزُ الأضواء فقط على الأدب الساقط والذي ودون المستوى وَيُعتّمُ على الأدب الإبداعي، وخاصة الشعر والأدب الملتزم والوطني.
س) ما رأيُكَ في الظاهرةِ التي أصبحت منتشرةً كثيرا في الفترةِ الأخيرة حيث أصبحت معظمُ المنتديات والمجمعيات والمؤسسات والأطر المحليَّة التي تدَّعي خدمة الثقافة والأدب تُكرِّمُ كلَّ من هَبَّ وَدبَّ وتقيم الأمسات التكريميَّة لأشخاص لا توجدُ لهم أيّةُ علاقةٍ مع الشّعر والأدب والثقافة؟
سمعان: هذا هو الشيء الطبيعي للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحلي الذي نحياهُ .. وهو انعكاسٌ لظرفٍ ووضع سيّىءٍ جدا نحياه ونعيشهُ نحن عرب الداخل منذ عام 1984 - منذ عام النكبة إلى الآن . والذي يحدثُ ويجري عندنا على الصعيد السياسي والثقافي وغيره هو يتمُّ من خلال نهجٍ سياسيٍّ لئيم وخطير هدفهُ ومفادهُ أن يُسيطرَ الخطأ على الصواب والنور على الظلام ، وتدمير ووأد الأدب والفن والفكر والإبداع العريبي الفلسطيني المحلي داخل الخط الأخضر ..وفي نفس الوقت الترويج واشهار الفن والأدب السخيف والهابط بظروفنا الحاليّة الصعبة - لعرب الداخل. فنحن نعيش في وضع سياسي مطاطي . إن هذه المنتديات والمؤسسات المحليَّة هي وسيلة من وسائل عديدة تُستعملُ من أجل الإجتياح والقضاء على ثقافتنا وابداعنا المحلي والقضاء على أدب المقاومة والأدب والشعر والفن الملتزم والراقي ... فإذا أردتَ أن تقضي على شعب وَتُدَمِّرُهُ إقضي على ثقافته أولا ..وهذا ما يحدث عندنا في الداخل .
س) لماذااخترتَ المدرسة الرَّحبانيَّة ولم تسحركَ مدرسةٌ أدبيَّة وفنيَّة أخرى وتتخصَّصَ فيها وتكتب أبحاثا ودراسات عنها؟
سمعان: الأدبُ الرّحباني والأغنية الرّحبانيّة هي عشقٌ روحي ونفسي وحياتي. وخلال تجوالي الطويل على مدار أكثر من 55 سنة ما رأيتُ انتاجا وفنيًّا بجماليَّة ووجدانيَّة وروحانيَّة وصدق الكلمة الرحبانيَّة والأدب الرحباني ، لذلك منذ أن دحلتُ المدرسة الرحبانيَّة قبل 60 عاما دخلتُها وبدأتُ أتجوَّلُ فيها ولم أرتوِ وأشبع من جمالها حيثما سرتُ وحيثما جلستُ في أفيائِها ، وكلما تأملتُ في جمالها أكثر أصابُ بالسّحر والذهول والنشوة الروحيَّة . إنَّها خمرةُ الروح بكل معنى الكلمة.
س) حدثنا عن المدرسةِ الرحبانيَّة - الادبيّة والفنيَّة - وما الذي يُمَيِّزُ هذه المدرسة عن باقي المدارس الفنيَّة والأدبيَّة في العصر الحديث؟ سمعان: المدرسةُ الرَّحبانيَّة خاطبت روحَ الإنسان وضميرَه، وهي الحُلمُ والضميرالإنساني وروحانيَّته..ولم تخاطب جسدَهُ وأنانيَّته وشهواتهُ .. وهي الميثولوجيا تسمُو بالإنسان روحيًّا وفكريًّا ونفسيًّا إلى مضاف الملائكة. وهي المدرسة الشاملة بكل المواضيع : السياسيّة والإجتماعيّة وحتى العاطفيَّة . والغناء الرَّحباني هو صلوات للإنسان في معبد الروح.
س) أنتَ بنيتَ علاقات وطيدة وحميمة مع الموسيقار المرحوم منصور الرَّحباني ومع بعض الشخصيّات الهامّة - الفنيَّة وغيرها - من عائلة الرحبانية ..كيف تمَّ ذلك وكيف توصَّلتَ إليهم ؟؟!!
سمعان: إنّ الحُبَّ يعملَ المستحيلَ حتى تصلَ للأشخاص الذين تُحبُّهم .. ولقد استغرقَ معي سنوات طويلة وأنا أبحث عن أرقام تليفونات وطرق اتصال حتى توصّلتُ إليهم وتمَّ التعارفُ ، ونجحتُ في مدِّ جسور التعارف والتواصل بين العائلة الرّحبانية، وخاصَّة عائلة منصور الرحباني شقيق المرحوم عاصي الرَّحباني زوج المطربة الكبيرة فيروز...ولقد توطدت العلاقة كثيرة حتى أن منصور الرَّحباني - رحمه الله - في إحدى اللقاءات في الأردن أطلق عليَّ لقب (بولس الرّحباني).
س) هنالك بعضُ الألحان الغربيَّة العالميَّة أخذها الأخوين الرَّحباني بحذافيرها تقريبا ووضعوها وركبوها لكلمات وقصائد ألفوها هم وغنَّتها المطربة فيروز زوجة المرجوم عاصي الرحباني بصوتها، مثل أغنية (كانوا يا حبيبي) ولحنُ هذه الأغنية لموسيقار روسي مشهور ..واسم هذا اللحن (عودة خيول القفقاز).. ما رأيُكَ وتعليقكَ على هذا الموضوع؟!
سمعان: بالنسية للأخوين الرحباني كان لا ينقصُهم شعرٌ وإمكانيات تلحين وأبواب إبداع فهم عمالقة وروَّاد في هذه المجالات ومدرسة أدبيَّة وفنيَّة مميزة وفريدة ورائدة في العصر الحديث. وكانوا يرديون أن يُعَرِّفوا الإنسان العربي في كلِّ مكان على الموسيقى الغربيَّة العالميّة .. لذلك كانوا يأخذون بعضَ الألحان العالميّة المشهورة التي تتلاءمُ مع روحهم ورسالتهم الفنيَّة ويضعون لها الكلمات العربيّة الملائمة للحن . وهذا الأمر أشبِّههُ بالقدود الحلبيَّة بالضبط . وكانوا يكتبون ويضعون كلمة إعداد وليس تلحين لهذه الألحان الغربية (تحت تسمية إعداد وليس تلحينا وتأليفا). والهدفُ من كل هذا هو كما ذكرت تعريف الإنسان العربي على الموسيقى العالميَّة لا أكثر، وبطريقة سهلة وسريعة من خلال كلمات عربية جميلة وسلسة مع اللحن الغربي العالمي ومع الطابع الروحاني.
س) طموحاتُكَ ومشاريعُكَ للمستقبل؟؟
سمعان: أتمنَّى أن يُسعفني الزمانُ والايام وأن يمتدَّ بي العمر أكثر وأكثر حتى أتابعَ مشواري ودراساتي وأبحاثي في تحليل ودراسة الأعمال الرحبانيَّة، لأن جميع الذي عملتهُ وقدَّمتهُ حتى الآن هو جانب صغير من الأدب الرحباني .. وأحتاجُ للكثير من الدراساتِ والأعمال حتى أعطي هذه المدرسة وهذا الأدب الإبداعي جزءا من حقه ، لأنهُ عالمُ واسع ومحيط كبير جدا، وغوَّاصٌ واحد لا يكفي أن يغطي كلَّ أعمال وإنجازات المحيط الرَّحباني ..وأتمنَّى أن أستطيع المتابعة وأكمل هذا المشوار ..وأن يمنحني اللهُ الصحة والعمر حتى أنجزَ ما أنا أصبُو إليه لرحلة جديدة في جنبات المحيط الرَّحباني .
س) كلمةٌ أخيرة تحبُّ أن تقولها في نهاية هذا اللقاء!
سمعان: إنَّ الرَّحابنة زرعُوا حدائق من الجمال السَّاحر وملأوها أدبًا وورودا وأزهارا وموسيقى وشعرا وكلمات راقية .. وأتمنّى من شعبنا أن يلتفتَ أكثر وأكثر ويهتم بهذه المدرسة الراقية عمقا وتحليلا في الكلمة والمعاني والأهداف السامية والفلسفة الرَّحبانيّة، وليس بشكل سطحي ومجرد سماع .
وأخيرا وليس آخر أشكرُكَ جزيل الشكر دكتور حاتم جوعيه الشاعر والكاتب والإعلامي الراقي والقديرعلى هذا اللقاء الرائع والشائق والشامل .. ومن خلاله أتيحَ لي التحدُّث عن أمور وقضايا لم أتطرق إليها من قبل .. وأتمنى لكَ دوامَ الصحة والعافية والمزيدَ المزيد من العطاءِ الإبداعي المتواصل في شتى المجالات .