قرية عَكْبَرة تحمل اسما غريبا وفيها آثار عديدة وأشجار كثيرة وأخبار منوعة
الكاتب : الأب رائد أبو ساحلية – كاهن رعية اللاتين في قرية الرامة الجليلية
قد يعود اسمها الى "خربة العقيبة" التي يُعدّ موقعها مطابقاً لموقع "قرية أخاباري" الرومانية، والتي تقع الى الجنوب الشرقي من القرية. وقد عُرفت في العهد البيزنطي بأشبار -Achabare. - وأما التفسير الثاني فانها كلمة آرامية معناها (لِحف الجبل أو سفحه) وبالفعل فهي تقع على سفح الجبل.

وفي مصدر آخر وجدت أن اسم عكبرة مسـتمد من اسم البلدة الكنعانية التي كانت في مكانها وما زالت آثارها موجودة فوق عكبرة وكان اسم البلد الكنعانية "Akchabari" نسبة إلى "صخرة الأكاباريتيين" التي أقيمت عليها، والأكاباريتيون هم فرع من فروع الكنعانيين واسـمهم يعني "قاطنوا أسـفل سـفح الجبل" وقد غيَّر الرومان واليهود من بعدهم اسـمها إلى "Akcabaron" أو "Agabaron .
- ولديّ تفسير آخر محتمل، فان كلمة عَكْبَر في اللغة العربية هو لقاح تحمله النحل على أفخاذها وأعضادها فتضعه في الشهد مكان العسل.. فانتشار النحل وأشجار السدر في المنطقة قد يكون أعطى الاسم للقرية.. والله أعلم..!
تستغرب أنها هُجِّرت بتاريخ ١٠ أيار ١٩٤٨ وطُرد أهلها ألـ ٤٥٠ وهُدمت معظم بيوتها الحجرية ألـ ٧٢ وبقي بعضها واقفاً بين الركام.. ومع ذلك فقد أُعيد بناء عكبرة الجديدة في بداية الثمانينات، ولكن ليس من سكانها الأصليين، بل من مهجرين آخرين أتوا من قريتي قديثا ودلاتة المهجرتين شمالي صفد، وقد سكنوا بجوارها على رؤوس الجبال وفي بقايا البيوت المهجورة الى أن سُمِح لهم ببناء قرية جديدة تابعة لبلدية صفد تعداد سكانها اليوم حوالي ٦٠٠ معظمهم من عائلة حليحل..
إنها قصةٌ مأساوية حزينة ولكن فيها بعض التفاؤل وبصيص من الأمل... بأنه لا يضيع حق وراه مطالب... فهي قرية تأبى أن تموت تماما مثل أشجارها تنحني تتحطم ولكنها تفلق الصخور وتعود الى الحياة من جديد.
إنها موقعٌ جميل فريد من نوعه وفيه كثير من الألم وسنوات من التهجير.
بانتظار العودة والتعمير..! فهذه السيدة تقول لي: "أبوي من قديثا وإمي من دلاتة وأنا ولدت عايش هون وما عنا كهربا بنضوي عالطاقة الشمسية.." وآخر يقول لي: "احنا كنا ساكنين في البيت اللي قبالك واللي ما سمحوا لنا بترميمه الى ان عمرنا هون بيت.. بنشوف البيوت المهجرة وما بنقدر نعمرها."
ويصدح صوت المُؤذن لصلاة الظهر وأنا أتجول في أنحاء القرية تحت حرِّ الشمس وأكتشف معالمها من جميع جهاتها: الجبال الوديان القرية القديمة المهجرة والقرية الجديدة وقد لاحظت ما يلي:
1- تستقبلك زيتونة معمرة على جانب الطريق وثم شجرة سدر (دوم) ضخمة واذا بي اكتشف ان هذه القرية كانت تعتمد على الزيت والعسل.. فالزيتون في كل الأرجاء وتربية النحل منتشرة في كل مكان حول أشجار السدر..
وبالفعل تعد القرية ذات موقع أثري يحتوي على جدران متهدمة وصهاريج ومعصرة زيتون وقبور وناووس مزدوج منقور في الصخر قرب عين صالح بالاضافة إلى خربة العقيبة في الجنوب الشرقي على ارتفاع 464 م عن سطح البحر، وتعنى سفح الجبل التي كانت تقوم عليها (قرية عكبر) في العهد الروماني تحتوي على اساسات، حجارة منحوتة ومبعثرة، معاصر خمر، وحظائر وهذه القرية كانت مأهولة في العهد العثماني (1904م).
٢- وقد أدخل السكان الحاليين زراعة اشتال الريحان الذي يزرعونه ويبيعونه لليهود المتدينين والذين يستعملونه مع النخيل في عيد المظال (السكوت).. انها نبته ذات رائحة عطرة وأغصان خضراء كثيفة.. أما باقي الأشجار من خروب ورمان وتوت فمعظمها متروكة ناشفة تنازع ولا تموت بل تفلق الصخر وتعود الى الحياة.
٣- المُدهش في هذه القرية موقعها الفريد من نوعه على تلين حول الوادي السحيق الذي يبدأ من صفد وينحدر نحو بحيرة طبرية، وهي مُحاطة أيضاً بجبال عالية أسماها لي أحدهم بجبل النار شرقاً وجبل الماس غرباً، وأمامها جبل شقيف الحقاب وفيه عدد كبير من المُغر المُعلقة بين الوادي وقمة الجبل.
٤- كما أنَّ منظر القرية من فوق جسر عكبرة مدهش، هذا الجسر الذي يربط بين جبلين بطولة ٤٢٠ متر وعرض ١٤ متر وارتفاع ٨٠ متر، وهو يعتبر ثاني أعلى جسر في البلاد بعد جسر القيطار في القدس الذي يرتفع ٨٦ مترا.. ويسمى بجسر الانتحار لانه حدثت حوالي ٢٠ حالة انتحار من فوقه للأسف الشديد.
5- أما بيوت القرية القديمة فمبنية من الحجر الأبيض في طراز معماري عربي وفيه أقواس معظمها تطل الى الجنوب لرؤية البانوراما الجميلة لجبال الجليل.
6- وفي القرية عدة عيون ماء (عين عكبرة، عين العقيبة، عين الحقاب، عين الكحالة، عين الريحان) وأهمها عين عكبرة القريبة من البيوت القديمة وكانت تقوم أسفل المسجد الذي هُدم بالكامل.. وما زالت مياهها جارية باردة وعذبة تسيل في أحواض بُنيت من حجارة كبيرة وقديمة مما يدل على أنها تعود الى الحقاب السالفة الرومانية أو الصليبية لوجود حجارة مثلها في البلدة القديمة التي يمكن أنها كانت أساسات لكنيسة قديمة..!
7- أما عن تربية المواشي من أبقار وأغنام وخيول فحدث ولا حرج فموجود في كل مكان.. وقد أعجبني منظر الخيول على قمة التلة وكانت أكثر من ١٥ حصانا، وصاحبها يقول لي "أنا بربيها للكيف فقط.. بحب أشوف منظرها في الطبيعة.." وتخيلت كيف سيكون المشهد في الربيع ولا عجب أن يكون بديعا..!!
8- كما في كل منطقة صفد، حيث تنتشر مقامات أو أضرحة للحاخامات يزورها اليهود المتدينون، ففي عكبرة ثلاثة مقامات يُقال بأنها لنفس الحاخام، ففي أحدها أقام وفي الثاني مرّ وشرب وتحت صخرة كبيرة دُفن.. وعلى حد قول أحد السكان "إن كلها ضحك"، ووجدت في مصدر آخر بأنه "لم يعش اليهود فيها ولم يكن لهم ولا شبر أرض"..