بعد الأحد الثالث في زمن الصيام - شريعة المحبة - متى ٥: ١٧-١٩
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
"فَمَن خَالَفَ وَصِيَّةً مِن أَصغَرِ تِلكَ الوَصَايَا، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلُوا مِثلَهُ، عُدَّ الصَّغِيرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ. وَأَمَّا الَّذِي يَعمَلُ بِهَا وَيٌعَلِّمُهَا فَذَاكَ يُعَدُّ كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ" (١٩).

١٧. لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء، ما جئت لأبطل، بل لأُكْمِل.
١٨. الحق أقول لكم: لن يزول حرف أو نقطة من الشريعة حتى يتم كل شيء، أو تزول السماء والأرض.
١٩. فمن خالف وصية من أصغر تلك الوصايا، وعلَّم الناس أن يفعلوا مثله، عُدَّ الصغير في ملكوت السموات. وأما الذي يعمل بها ويعلِّمُها فذاك يُعَدُّ كبيرًا في ملكوت السموات.
"لَا تَظُنُّوا أنِّي جِئْتُ لِأُبطِلَ الشَّرِيعَةَ أَو الأَنبِيَاءَ، مَا جِئْتُ لِأُبطِلَ، بَل لأِكْمِلَ" (١٧).
جاء يسوع المسيح ليكمِّل الشريعة، وليكمِّل الإنسانية. جاء لخلق جديد، ولإنسان جديد. كان الخلق الأول بنفخة من روحه. جبلنا من تراب ونفخ فينا روحًا حية. والآن غسلنا بدمه على الصليب، ومنحنا روحه القدوس. والخلق الجديد هو أيضًا وصية المحبة. نحب مثل الله.
كل صلواتنا وممارساتنا الخارجية لا تكتمل إلا بالمحبة. عبثًا نكثر من الصلاة إن لم نكن فينا المحبة.
"الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: لَن يَزُولَ حَرفٌ أَو نُقطَةٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيءٍ، أَو تَزُولَ السَّماءُ وَالأَرضُ"(١٨). الشريعة التي لن تزول هي شريعة المحبة، لا تُخالَفُ ولا في نقطة صغيرة. المحبة كاملة، والإنسان كله يحب الله، ويحب قريبه. لا تجزئة في المحبة. مثل وجود السماء والأرض، المحبة موجودة لتهدي الإنسان، لتبقيه مرتبطًا بخالقه وأبيه، ولتبقيه أمينًا لنفسه، إنسانًا كما خلقه الله قادرًا على المحبة. ولا لشيء، لا لسبب، يحوز مخالفة شريعة كيانه، المحبة.
"فَمَن خَالَفَ وَصِيَّةً مِن أَصغَرِ تِلكَ الوَصَايَا، وَعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلُوا مِثلَهُ، عُدَّ الصَّغِيرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ. وَأَمَّا الَّذِي يَعمَلُ بِهَا وَيٌعَلِّمُهَا فَذَاكَ يُعَدُّ كَبِيرًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ" (١٩). من خالف المحبة في أصغر عمل، من لم يحبِبْ الله أو القريب، في أي مجال، من نسي الله والقريب، واختنق في ذاته بأنانيته، ولم يحِبّ ... المؤمن، والإنسان، صغير إن لم يحِبّ، وكبير إن أحب. المحبة هي الله. المحبة هي الإنسان. وغيابها هي البعد عن الله، هي إهانة الله سبحانه، وإن فقدها الإنسان فقد نفسه، "وعُدَّ الصَّغِيرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ".
من خالف المحبة، "وَعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلُوا مِثلَهُ"، ألا يحبوا، أن يكرهوا، أن يقتلوا، هو الصغير، مهما قوي وتعظَّم في نظر الناس. الإنسان في المحبة، لا في الجبروت ولا في الاستبداد. الكبير هو الذي يحب ويعلِّم الناس أن يحبوا، ذاك هو الكبر في ملكوت السماوات، وفي الإنسانية.
قال يسوع: أتيت لأكمل الشريعة، أتيت لأعيد شريعة المحبة. لأعيد إلى الإنسانية مقدرتها على المحبة. لنتعلَّمْ ذلك، لنراجِعْ أنفسنا: هل نحب؟ هل نحب الله؟ هل نحِبّ إخوتنا؟ في الأمور الصغيرة والكبيرة؟
ربي يسوع المسيح، علِّمْني أن أحافظ على الشريعة التي علَّمْتَني إياها، شريعة المحبة، في جميع الظروف، مهما كانت صعبة. آمين.
الأربعاء ١٥/٣/٢٠٢٣