الصديق الشاعر الإنسان، المربي جريس دبيات في ذمة الله لروحه السلام
الكاتب : واصل طه – شاعر (نائب برلماني ورئيس مجلس محلي ونقابي سابقا) كفركنا
غادر جريس أبي الحكم زمانَنَا وبقينا في دنيانا نتقلبُ، لنعيشَ مع الذكريات الجميلةِ، في ظلال أشجار الرمان وزهره الوردي الخلابِ… وتموجات حقول القمح في مرجنا السعيد، أو في ظِلِ عرائشَ الكرمةِ التي حفرنا على جذوعها، وكتبنا على أوراقِ عِنَبِها الأخضر سويًا، ذكريات الشباب، وتبادلنا الحوارَ قصيدًا ونثرًا وفكرًا. كان فقيدُنا انسانًا ومربيًا فاضلًا، وفارسًا في ميدانِ الكلامِ واللغة، قد اعتلى صهوتَها الجميلةَ في سنٍ مبكرٍ، توَّجها بدواوين شعرٍ خَلَّدَتْ ذكراهُ فيها. نعم، ستظلُ ذكرياتُنا يا أبا الحكمِ ايامًا خالدةً، خلودَ جليلِنا المغروسِ في قلبينا، جبالًا وسهولًا أوتادًا راسخةً في الأفئدةِ لا ترحل، وقصيدةً نستظلُ بها ذكرى لأيامٍ سعيدةٍ رغم الأسى والحزن والفراق.

فأقولُ: أيها الاخ العزيز فيك ولك
كَمْ كُنْتُ أَسْعَدُ أنْ تَظَلَّ مُردِّدا
نغمًا سعيدًا باسمًا ومُغَرِّدا
"كَمْ كُنْتُ أُوثِرُ أن تقولَ "قصيدةً
جمعتْ حروفي موعدًا وَتَنَهُّدا
"لكنْ سَبَقْتَ وكلُّ طولِ سلامةٍ"
يبقى رهينًا بالقضاءِ مُصَفَّدا
لهُ ساعةٌ يقضي بها حتميَّةٌ
لا نَعلمُ الخبرَ اليقينَ وموعِدا
ماذا وراء الموت غيرَ سكينةٍ
في جنَّةٍ فيحاءَ طابَتْ مَرْقدا
لو كنتُ أعْرِفُ يا جريسُ بأنَّني
أرثيكَ يومًا قد أتيتُ مُعَدِّدا
فرثاءُ مَنْ تبكي عليهِ قصيدةٌ
يبقى بِجِيدِ الشِّعرِ عِقْدًا خالدا
تبكيكَ عينٌ من حروفِ هجائنا
دمعًا تلألأ في دُجاها عَسْجَدا
أبكيكَ يا صُنْوَ الحروفِ بحُرْقةٍ
سنظلُّ حرفًا لا يغيبُ مَعَ الردى
واصل طه
عِشْنا بِـ قانا نبتتينِ بوادها
فيهِ صدًى لقصيدةٍ أَوْ منتدى
ومعًا نهلنا الضادَ شَرْبَةَ ظامئٍ
ملأتُ بنا كأسًا فُراتًا أجودا
بمرابعٍ خضراءَ تَحْتَ ظلالها
أو صخرةٍ صَمّاءَ بلّلها النّدى
كُنَّا سَوِيًّا نَرْجِسًا في باقةٍ
حَمَلَ النسيمُ عبيرَها وتمدَّدا
عِشْنا الْقَصيدةَ مَعْ تَمَوِّج بحرها
فيها سَبَحْنا واقْتَرَضْنا أحْمَدا
وسمعتُ شُحرورًا طروبًا شاعرًا
نَغَمُ القصيدِ به يُخاطبُ مِرْبَدا
وَتَشَنَّفَتْ أُذُنِي بوقعِ كلامِهِ
طربًا وهامَ الطيرُ لمّا أَنْشَدا
يا موتُ فيكَ فِراقُنا ولقاؤنا
والعيشُ فصلٌ في الحياةِ مُحدَّدا
ازْوَرَّتِ الآهاتُ… حينَ تهامستْ
غمّا يَهُبُّ على القلوبِ تَوَقُّدا
فاحْمرَّ وجدي في وداعِ أحبَّةٍ
حين ارتقتْ روحٌ تَرِفُ تَصَعُّدا
سكَنَتْ جِنانًا وارْتَوَتْ من كوثَرٍ
خَلُدتْ وقد فازتْ وُجودًا سَرْمَدا
والذِّكْرَياتُ بها نَسيمٌ ساكنٌ
لكنْ بذِكْرِكَ قد تَهيجُ تَجَدُّدا
ذكراكَ شَدْوُ بَلابِلٍ في مهجةٍ
كالدَّمِ يَجْري في الفُؤادِ مُؤبَّدا
مِنْهُ مَهَرْنا الْعَهْدَ حَرْفًا مِنْ سَنَا
رأيًا سديدًا شَعَّ حينَ تَوَرَّدا
سنظلُّ عهدًا في الوفاءِ حروفُهُ
فوقَ الذُّرى نسمو سُمُوًّا أمجدا
إن غبتَ تبقى الرُّوحُ تسكنُ ظِلَّنا
وتمرُّ في الكلماتِ صوتا أو صدى
ما هان وُدّي يا عزيزُ إذا دنا
موتٌ وكاد العمرُ ان يتبدَّدا
مِنْ حُرقةِ الوجدِ.. العيونُ تبلَّلت
فتوشّحَ الخَدَّانِ دمعًا أسودا
كفركنا - قانا الجليل
١٨/ ٥/ ٢٥