أنا لست وحدي، أنا مع الآب - يوحنا ١٦: ٢٩-٣٣
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس
٢٩ فقالَ تلاميذُه: ها إِنَّكَ تَتكَلَّمُ الآنَ كَلامًا صَريحًا ولا تَضرِبُ مَثَلًا. ٣٠ الآنَ عَرَفْنا أَنَّكَ تَعلَمُ كُلَّ شَيء، لا تَحتاجُ إِلى مَن يَسأَلُكَ. فلِذلكَ نُؤمِنُ بِأَنَّكَ خَرَجتَ مِنَ الله. ٣١ أَجابَهم يسوع: الآنَ تُؤمِنونَ؟ ٣٢ ها هي ذي ساعَةٌ آتية، بل قد أَتت فيها تَتفرَّقون فيَذهَبُ كُلُّ واحدٍ في سَبيلِه وتَترُكوني وَحْدي. ولَستُ وَحْدي، فإِنَّ الآبَ مَعي. ٣٣ قُلتُ لَكم هذِه الأَشياء لِيكونَ لَكُم بيَ السَّلام. تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم، ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم.

الحرب ٢١٧
“بِرٌّ وحَقٌّ أَعْمالُ يَدَيه، أَوامِرُه أَمينةٌ كُلُّها. ثابِتَةٌ مَدى الدَّهْرِ وللأَبد، مَقضِيَّةٌ بِالحَقِّ والاستِقامة" (مزمور ١١١: ٧-٨).
ارحمنا، يا رب إنَّا نؤمن، أن "أعمال يديك هي بِرٌّ وحقّ، وأوامرك كلها أمان". أظهر، اللهم، أعمال يديك في غزة ورفح. أنت ترى عدم الأمن والأمان فيها، والظلم منذ سبعة أشهر. أين نجد الأمن والاستقامة؟ لم يعد لهما وجود بين الناس. ومع ذلك، أنت، ربنا وأبونا، موجود، وننتظر أعمالك، برك وعدلك، في غزة ورفح. أنت العدل وأنت الأمان لأبنائك، ولكل خلقك. يا رب، أعِدْ البصر للأقوياء الذين فقدوا البصر. أعطِهم أن يرَوْك، وأن يرَوْا أنفسهم فيَرَوْا إخوتهم. أعطهم أن يدركوا قسوتهم، ويتوبوا إليك وإلى إخوتهم. ارحمنا، يا رب.
إنجيل اليوم
"ها هي ذي ساعَةٌ آتية، بل قد أَتت فيها تَتفرَّقون فيَذهَبُ كُلُّ واحدٍ في سَبيلِه وتَترُكوني وَحْدي. ولَستُ وَحْدي، فإِنَّ الآبَ مَعي. قُلتُ لَكم هذِه الأَشياء لِيكونَ لَكُم بيَ السَّلام. تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم، ولكن ثِقوا، إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم" (٣٢-٣٣).
نحن في مساء الخميس قبل يوم الجمعة العظيمة. يسوع، في عشية موته، يترك لرسله وصيته الأخيرة. كلَّمَهم عن موته الوشيك، وعن تفرُّقِهم بعد موته: "ها هي ذي ساعَةٌ آتية، بل قد أَتت، فيها تَتفرَّقون فيَذهَبُ كُلُّ واحدٍ في سَبيلِه وتَترُكوني وَحْدي". هي ساعة الموت، وأمر غريب، بالرغم من أمانتهم، تركوا يسوع وهربوا. يوحنا وحده بقي مع مريم العذراء واقفين عند الصليب...
بالرغم من أمانتهم ... بالرغم من أمانتنا، يمكن أن يحدث لنا أيضًا أن نترك يسوع، ونَتِيهَ وحدنا. هذه الوحدة والعزلة الخطرة في حياتنا مع الله، وحدة لا واعية أحيانًا، حياتنا تصير نسيانًا وعادة، لا حياة فيها. أمام القربان الأقدس في كنيستنا، وعلى المذبح ونحن نقدم ذبيحة القداس، لا نحيا، لسنا حاضرين... قال لنا يسوع: ستَتفرَّقون. ستبتعدون.
لكنه كلَّمهم أيضًا على شيء أهمَّ من الموت، أكثر واقعية من الموت: " ولَستُ وَحْدي، فإِنَّ الآبَ مَعي". يسوع قهر الموت، وشر الناس. لا قوة للناس على يسوع، الذي هو دائمًا مع الآب، الذي هو الكلمة الأزلي.
ننظر إلى الأبدية، ونحيا فيها، مع يسوع ومع الآب، مع بقائنا في حياتنا على الأرض. نشاهد الله ونحن عابرون حجَّاجًا في هذه الأرض، نرى شر الأرض وصلاحها، ونحارب كل شر ونبني الأرض، وفي الوقت نفسه، نشاهد الله ونحيا في الأبدية.
قال لنا يسوع: أنا لست وحدي. ونحن أيضًا لسنا وحدنا. ضعفاء، خطأة، نسينا أن ننظر إلى العُلى؟ لسنا وحدنا. ويسوع يقول لنا: "أنا معكم دائمًا حتى نهاية العالم".
مهما كان نسياننا، أو اللامبالاة فينا، أو قدرتنا على تحويل كل شيء إلى عادة ولا وعي، يجب أن نجتهد جهدًا لنبقى واعين فنتوقف، ونتساءل من جديد: أين أنا؟ ماذا يقول لي يسوع؟ أما زلت أراه؟ هل أنا واعٍ في كل ما أعمل؟ هل أنا أقوى من العادة ومن اللاوعي؟
يقول لنا يسوع: "أنا لست وحدي، أنا مع الآب". نحن أيضًا لسنا وحدنا، نحن معه، ومع الآب. يومي في هذا الزمن هو يوم في الأبدية مع الآب. كل ما أعمل، كل ذاتي هي في الأبدية مع الآب، وفي نوره. على الأرض وفي الوقت نفسه فوق الأرض، أشاهد الله.
"تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم، ولكن ثِقوا إِنِّي غَلَبتُ العالَم". الصليب هو أصل كل حياة جديدة. بعد صليب يسوع، صلباننا، صلبان كل واحد وواحدة منَّا هي أصل حياتنا، وخلاصنا. الصليب يعني الآلام. يعني محاربة الشر، ويعني معركة، وأيضًا انتصارًا مع يسوع الذي يسندنا ويقول لنا دائمًا: ثقوا، لقد غلبت العالم.
ربي يسوع المسيح، أعطني أن أحيا معك ومع الآب. أعطني أن أكون دائمًا واعيًا لحياتي الأبدية، وأعطني أن أنتصر على كل شر يبعدني عنك. آمين.
الاثنين ١٣/٥/ ٢٠٢٤ بعد الأحد السابع للفصح