لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم - يوحنا ١٦: ١٢-١٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

١٢ لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها. ١٣ فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث ١٤سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. ١٥ جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه.

لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم - يوحنا ١٦: ١٢-١٥

الحرب ٢١٢

        "اللَّهمَّ بِاْسمِكَ خَلِّصْني وبِجَبَروتكَ أَنصِفْني.  اللَّهُمَّ استَمع لِصَلاتي وأَصْغِ إِلى أَقْوالِ فَمي. فإِنَّ أَشِدَّاءَ طَلَبوا نَفْسي" (مزمور ٥٤: ٣-٥).

        ارحمنا، يا رب. "بجَبَروتكَ أَنصِفْني". بقدرتك، يا رب، امنحنا السلام، والحياة. أبعد عنا الموت. قرِّبْنا منك. اغفر لنا خطايانا. ربنا وأبانا أعطنا خبزنا كفاف يومنا، أعطنا ماء لنشرب، أعطنا العلاج لأمراضنا. الناس لم يعد لديهم سوى الموت يقدمونه لنا، يريدون الانتقام. يريدون إبادتنا. وليس لنا من يحمينا، سواك. قم يا رب، ليعلم زعماء الحرب أنك انت القوي، والمحِبّ. ذكِّرهم أنهم بشر، وليوقفوا الحرب. ارحمنا، يا رب.

        إنجيل اليوم

        "لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها. فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه، بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث" (١٢-١٣).

        "لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم". أشياء كثيرة عن يسوع نفسه، عن حبه لنا منذ الأزل، عن الآب والروح القدس. أشياء يقولها لنا عن أنفسنا، وعن العالم، وعن الحاضر والمستقبل. الله يكلِّمُنا، فلنُصغِ إليه. نحن على الأرض، نعم، وفي وسط كل أمور الأرض، لكن لنكن في حالة إصغاء إلى كل ما يأتي من خارج الأرض، من عند الله، خالق الأرض.

        في حالة إصغاء إلى الله. أنا صغير، ولا أقدر أن أعمل شيئًا، مشاعري، ردود فعلي وانفعالاتي الإرادية أو اللاإرادية، ومع ذلك، في حالة إصغاء. أنا وحدي لا أقدر، لكن بالذي يقويني أقدر كل شيء. قال يسوع: "إن أبي يعمل دائمًا وأنا أيضًا أعمل"، يكلِّمني، يَصُوغُني، يذكِّرني أنه فداني بدمه، وأنه منحني حياة جديدة. عليَّ فقط أن أبقى في حالة إصغاء.

        "لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها".  وحدنا لا نقدر شيئًا. ولكنه هو لا يتركنا أبدًا، ما لم نكابر نحن ونضِلّ في أهوائنا، ونفكر أننا شيء، وأننا نقدر أن نكفي أنفسنا... لكنَّنا لسنا أبدًا وحدنا. نحن دائمًا معه.     

        قال لنا: أنا ذاهب، لكن سأعود إليكم. وأكثر من ذلك، أنا ذاهب، لكني باقٍ معكم، تحت أشكال الخبز والخمر. دائمًا معنا. لنبذل جهدنا، ولنبقَ معه، ولنُصغِ إليه، على الصليب، وفي كل أنواع الموت التي نجتازها. العالم مليء بالشر، لكن الله يملأه أيضًا، فالعالم مليء بالخير أيضًا، وبالحقيقية والحب الذي هو الله. عالمنا، وأرضنا التي تبدو فريسة للموت، هي أيضًا مملؤة بالله.

        ووعدنا يسوع المسيح قال: " متى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه". سيعلِّمنا، ويذكِّرنا، وينفض عنا تراب موتنا ويعلِّمنا أن نحيا. روح الله، روح النور والحق، والحياة والسلام والعدل. سيُشبِعُ جوعنا وعطشنا إلى الله.

        "سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه" (١٤-١٥).

        الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، الخالق والأب. كل غناه الذي لا يقاس، كيانه الذي لا يُدرَك، يُعطَى لنا. صار الكلمة إنسانًا وبقي معنا في زمن حياته الأرضية، حتى يعرِّفنا بالآب. ثم أرسل إلينا الروح، ليمنحنا ويثبتنا في الحياة الجديدة التي منحها للبشرية كلها. " رُوحُ الحَقّ، يُرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه". الله أحد، وثالوث، الله محبة، والكلمة المتجسد المقيم فينا، ويدعونا إلى المشاركة في حياة الله نفسها. هذا هو جوهر حياتنا وقمة كل حياة بشرية، وقمة حياتي البشرية، على هذه الأرض، التي لا يفكر أحد أن الله حاضر فيها. لكن هذه هي حقيقة الأرض: الله معنا على الأرض، بقدرته، وصلاحه، وحبه، فلنحيا نحن حياتنا على الأرض.

        ربي يسوع المسيح، أعطني أن أرى، ما وراء كل أشياء الأرض، ما راء كل خير في الأرض، ما وراء كل شر في الأرض، أعطني أن أرى وأن أحيا في نورك وحبك. آمين.

الأربعاء ٨/٥/ ٢٠٢٤                     بعد الأحد السادس للفصح