الإنسان نفسه هيكل الله الحي - مرقس ١١: ١١-٢٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

حادثتان في إنجيل اليوم: التينة التي لا تحمل ثمرًا، والهيكل الذي دنَّسَه التجَّار. ربي يسوع المسيح، إني أومن بأنك خلَّصْتَني على الصليب، وأنك جدَّدْت فيَّ صورة الله. أعطِني أن أحيا دائمًا معك. آمين.

الإنسان نفسه هيكل الله الحي - مرقس ١١: ١١-٢٥

 

 ١١. ودخل أورشليم فالهيكل، وأجال طرفه في كل شيء فيه. وكان المساء قد أقبل، فخرج إلى بيت عنيا ومعه الاثنا عشر. 

١٢. ولما خرجوا في الغد من بيت عنيا أحس بالجوع. 

١٣. ورأى عن بعد تينة مُورِقَة، فقَصَدَها عساه أن يجدَ عليها ثمرًا. فلما وصل إليها، لم يَجِدْ عليها غير الورق، لأن الوقت لم يَكُنْ وقت التين. 

١٤. فخاطبها قال: لا يأكُلَنَّ أحدٌ ثمرًا منك للأبد!. وسمع تلاميذه ما قال. 

١٥. ووصلوا إلى أورشليم، فدخل الهيكل، وأخذ يطرد الذين يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب طاولات الصيارفة ومقاعد باعة الحمام، 

١٦. ولم يَدَعْ حامِلَ متاعٍ يمـُرُّ من داخل الهيكل. 

١٧. وأخذ يعلمهم فيقول: ألم يُكتَبْ: بيتي بيت صلاة يُدعَى لجميع الأمم، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص. 

١٨. فسمع عظماء الكهنة والكتبة، فجعلوا يبحثون كيف يُهلِكُونه، وكانوا يخافونه، لأنّ الجمع كله كان مُعجَبًا بتعليمه. 

١٩. وعند المساء، مضى هو وتلاميذه إلى خارج المدينة. 

٢٠. وبينما هم مارُّون في الصباح، رأَوْا التينة قد يَبِسَتْ من أصلها. 

٢١. فتذكر بطرس كلامه فقال له: رابي، انظر، إن التينة التي لَعَنْتَها قد يَبِسَتْ.

٢٢. فأجابهم يسوع: آمنوا بالله. 

٢٣. الحق أقول لكم: من قال لهذا الجبل: قُمْ فاهبِطْ في البحر، وهو لا يشُكُّ في قلبه، بل يؤمن بأن ما يقوله سيحدث، كان له هذا. 

٢٤. ولذلك أقول لكم: كل شيء تطلبونه في الصلاة، آمنوا بأنكم قد نلتموه، يَكُنْ لكم. 

٢٥. وإذا قمتم للصلاة، وكان لكم شيء على أحد فاغفروا له، لكي يَغفِرَ لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم.

 

حادثتان في إنجيل اليوم: التينة التي لا تحمل ثمرًا، والهيكل الذي دنَّسَه التجَّار.

        قال بعض المفسِّرين إن التينة تمثِّل الإنسانية المدعُوّة إلى الإيمان بالله. إمَّا تؤمن فتحيا، وإمَّا لا تؤمن وتموت. التينة شجرة تحمل ثمرًا. أتاها يسوع يطلب ثمرًا عليها، فلم يجد. فلعنها، فماتت. أصبحت لا فائدة لها، فماتت. وقد شبَّهَ يسوع المؤمنين من قبل بأغصان الكرمة. قال كل غصن لا يحمل ثمرًا يُقطَع ويُلقَى في النار. 

        الإنسانية كلها، وكل مؤمن، غصن في كرمة الله. وهو تينة ليحمل ثمرًا. إن لم يحمل ثمرًا يُقطَع ويُلقَى في النار. لو امتلأ بالأوراق الخضراء ولم يحمل ثمرًا، هذا لا يكفي. كما لو أكثر من الممارسات التقوية، والمظاهر الخارجية، ومحبة الله ليست فيه، فهذا لا يكفي.

        في كل وقت يحمل ثمرًا. في كل وقت هو مرتبط بالحياة الإلهية، في كل وقت، يُحِبّ بمثل حُبِّ الله. يمكن للتينة أو الكرمة أن تحمل في فصل واحد، ولا تحمل في سائر الفصول. أمّا حياة الإنسان فلا فصول فيها، في بعضها يؤمن فيثمر وفي بعضها لا يؤمن. حياة الإنسان واحدة، فصل واحد، زمن واحد، يؤمن دائمًا، ويُحِبُّ دائمًا ويحمل دائمًا ثمرًا صالحًا أمام الله والناس.

        الإنسان دائمًا إنسان. ويتصرف كإنسان على صورة الله خالقه. دائمًا صالح بصلاح الله، ودائمًا قادر على أن يُحِبّ مثل الله. المؤمن مؤمن دائمًا، في أعماق كيانه، ودائمًا قادر أن يحيا بحياة الله، وقادر أن يُحِبّ. إن توقَّف عن الإيمان، إن توقَّف عن الحب، فهو يتوقَّف عن الوجود، ويستحِقُّ الموت.

        الحادثة الثانية وجود التجار في الهيكل. الهيكل لله، ويأتي المؤمن إليه ليلتقي مع الله، وليجدِّد رؤيته لصورته الأصلية، على صورة الله، وليس لأي نشاط بشري آخر. لا يأتي إلى الهيكل ليبيع ويشترى. المكان المقدس لله، وللإنسان المقدَّس، الذي يعرف أنه خُلِق ليكون مقدَّسًا، وهو يبني الأماكن المقدسة حتى تكون له المناسبات ليختلي فيها أمام الله، وليتذكَّر أصوله الإلهية.

        الإنسان نفسه هيكل الله الحي. قال يسوع: إن حفظتم وصاياي، أَحَبَّكم أبي، ونأتي إليكم ونجعل عنكم مقامنا. وقال القديس بولس: ألا تعلمون أنكم هياكل الروح القدس؟ نحن مِلكُ لله. كل واحد منّا مَقدِسٌ لله. وكل مكان مقدس، وكل كنيسة، هو بيت الله، وفيه نجد الله ونجد أنفسنا ونجدِّد قداستا.

        كل مراحل حياتنا تبدأ ببركة الله في الكنيسة. الوالدة، بعد أيام الولادة، تحمل طفلها إلى بيت الله، بيت الصلاة، وبيت لقاء الناس مع الله. كذلك عند المعمودية ثم سر التثبيت، ثم الزواج، ثم الموت والانتقال إلى الحياة الثانية.

        الحياة المسيحية يعيشها المسيحي مع الله، في كل مكان. فالكون الفسيح هو هيكل الله الكبير، وكل كنيسة رعوية أو مكان مقدس، هو هيكل الله، ومكان سجود أمامه.

        ربي يسوع المسيح، إني أومن بأنك خلَّصْتَني على الصليب، وأنك جدَّدْت فيَّ صورة الله. أعطِني أن أحيا دائمًا معك. آمين.

الجمعة ٢/٦/٢٠٢٣                               بعد العنصرة