الأسبوع ٣٤ من السنة/ج - لوقا ٢١: - ١٢-١٩

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

في هذه الأيام الأخيرة من السنة الكنسية، أي قبل بداية زمن الاستعداد لعيد الميلاد، نقرأ الأناجيل التي تذكِّرنا بالأواخر، نهاية العالم، ونهاية الزمن الذي ينتهي بمجيء يسوع المسيح، فيبدأ معه عهد جديد، عهد الفداء ومصالحة الإنسان مع الله.

الأسبوع ٣٤ من السنة/ج - لوقا ٢١: - ١٢-١٩

 

١٢. وقبل هذا كله يبسط الناس أيديهم إليكم، ويضطهدونكم، ويسلمونكم إلى المجامع والسجون، وتساقون إلى الملوك والحكام من أجل اسمي. 

١٣. فيتاح لكم أن تؤدوا الشهادة. 

١٤. فاجعلوا في قلوبكم أن ليس عليكم أن تعدوا الدفاع عن أنفسكم. 

١٥. فسأوتيكم أنا من الكلام والحكمة ما يعجز جميع خصومكم عن مقاومته أو الرد عليه. 

١٦. وسيسلمكم الوالدون والإخوة والأقارب والأصدقاء أنفسهم، ويميتون أناسا منكم، 

١٧. ويبغضكم جميع الناس من أجل اسمي. 

١٨. ولن تفقد شعرة من رؤوسكم. 

١٩. إنكم بثباتكم تكتسبون أنفسكم.

 

 

        في هذه الأيام الأخيرة من السنة الكنسية، أي قبل بداية زمن الاستعداد لعيد الميلاد، نقرأ الأناجيل التي تذكِّرنا بالأواخر، نهاية العالم، ونهاية الزمن الذي ينتهي بمجيء يسوع المسيح، فيبدأ معه عهد جديد، عهد الفداء ومصالحة الإنسان مع الله.

        في إنجيل اليوم نتوقف عند ثلاثة أفكار:

"سيَضطَهِدُونَكُم" (١٢) 

"فَيُتَاحُ لَكُم أَن تُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ" (١٣).

ولا تهتموا للدفاع عن أنفسكم، "سَأُوتِيكُم أَنَا مِنَ الكَلَامِ والحِكمَةِ..." (١٥).

أولا، "سيَضطَهِدُونَكُم" (١٢). المسيحي يواجه الاضطهادات والصعاب. يواجه الصعاب العامة مثل كل إنسان. ويواجه الصعاب الخاصة لأنه مسيحي. يسوع قبل أن يَعِدَنا بالمجد وبالأفراح، وهي أيضًا كثيرة، قال لنا إننا سنواجه الصعاب، فلا نقابلها بالشكوى والبكاء. عدد قليل. اعتداءات طائفية. يسوع يقول: لا تخافوا. "إن شعر رؤوسكم مًحصَى" (١٨). الله ساهر ويرى ويعلم وهو سيد التاريخ، وهو أبٌ يهتم بجميع أبنائه، بالأبرار والأشرار، على الجميع يرسل مطره وشمسه. ويهتم بنا إذن. مسيحي مستعد للصعاب.

ثانيا،"فَيُتَاحُ لَكُم أَن تُؤَدُّوا الشَّهَادَةَ" (١٣). الصعاب فرصة لأداء الشهادة، لله الذي هو محبة، ليسوع المسيح، كلمة الله الأزلي، الذي صار إنسانًا، وبذل نفسه وتألم ومات من أجل خلاصنا. كيف نشهد؟ مثل يسوع المسيح، فننظر إلى الصليب، ونحوِّل آلامنا أيضًا إلى صليب، أي إلى مصدر فداء وحياة جديدة، وشهادة جديدة.  نشهد بصبرنا، وبشكرنا لله دائمًا وفي كل ظرف، نشهد برؤية عذاب غيرنا، فيما نحن أنفسنا نتعذَّب، نشهد بمحبتنا مثل محبة أبينا الذي في السماء، محبة لجمع الناس، فنصلي ليروا النور، وليعرفوا المحبة. الاضطهادات فرصة للشهادة، لا للضعف، والشكوى، والتحسر على ما أصابنا. صعاب وشهادة. مواجِهٌ للصعاب وشاهدٌ للمحبة. هذا هو المسيحي. فتنمو فيه حياة الروح، وبه يزداد حضور الروح، حضور لله، في مجتمع الناس، وتزداد فيه المحبة.

وثالثا، لا تهتموا للدفاع عن أنفسكم، "سَأُوتِيكُم أَنَا مِنَ الكَلَامِ والحِكمَةِ..." (١٥). الله أبٌ، ساهر علينا، في مواجهة الصعاب، يلهمنا ما به ندافع عن أنفسنا. يمنحنا من القوة، قوة الروح، وقوة المحبة، ما يلزمنا لندافع عن أنفسنا، وعن غيرنا، وعن جميع إخوتنا أيضًا. المسيحي مواجه للصعاب، وشاهد للمحبة، ولا يعيش وحده، لا فردًا، ولا منغلقًا في جماعة، في طائفة، بل يعيش مع جميع إخوته، البشر. يتألم هو، ويفطن لآلام غيره، يحب هو، ويقوِّي المحبة في غيره. المسيحي يعيش مع الناس، ويرفع الحمل عن الناس، لا عن نفسه فقط، في كل مجالات الحياة. في جميعها الله حاضر، وفي جميعها المسيحي حاضرٌ، هو أيضًا يرى الله، ويستمد من حبه القوة لمقاومة الصعاب، التي تواجهه وتواجه إخوته.

ربي يسوع المسيح، أعطني أن أصبر في الصعاب، وأن أحوِّلها إلى فرصة لمزيد من المحبة، محبة لك ولجميع إخوتي. آمين.

الأربعاء ٢٣/١١/٢٠٢٢