نهر النعامين ومحمية كرداني التي تحولت إلى ‘أفيك‘

الكاتب : فوزي ناصر حنا – مرشد سياحي وكاتب – إقرث/ الناصرة

النّعامين، نهر يتوسّط سهل عكا ويفصل بين شقّيه الشمالي والجنوبي، وهو نعر النعمان ايضًا، والنعمان هذا إله كنعاني كما ادونيس الإغريقي الذي أخرجت الارض التي ارتوت بدمائه شقائق النعمان، وكلمة نعمان تعني فيما تعني (الدّم).

نهر النعامين ومحمية كرداني التي تحولت إلى ‘أفيك‘

وقيل هو نهر بعل، وبعل هو إله الخصب، وحرّف الإغريق هذا الاسم إلى (بيلّوس)، وهذه الكلمة تعني (زجاج)، فعند مصبّه رمل ابيض، قيل إنّه موقع اكتشاف الزجاج في زمن الفينيقيّين.

يقول الدّبّاغ في موسوعته (بلادنا فلسطين) إنّ اسمه قد يكون من عرب النعامين من بني نعيم من الحناجرة، والتي أصلها من برّيّة بير السبع.

أمّا القسّ أسعد منصور فيقول في كتابه (جغرافية الكتاب) إنّه قد يكون المقصود في سفر يشوع 19 من التوراة باسم (شيحور لبنه).

وتسمّيه بعض المصادر (نهر عكّا) لقربه من المدينة، وتروي أسطورة إغريقيّة إن البطل (هيركوليس) الذي لا يُقهَر، لدغته الأفعى السّامّة متعدّدة الرؤوس، عند هذا النهر، فشفي من السمّ بتضميد الجرح بأوراق نبات كان ينمو هناك، ربّما يكون اللوف، فسمّي النّبات (أكّا) أي شفاء.

بداية النهر في وسط السّهل حيث المياه الجوفيّة قريبة من السّطح، فتكثر الينابيع والوحول والمستنقعات، خاصّة بوجود عائق لتصريف المياه وهو الكثبان الرّمليّة التي تفصله عن الشاطئ القريب، لذا أطلق سكّان المنطقة على هذا المنبع اسم (البصّ)، وبصّ الماء، لغةً، رشحه، وهنا يرشح الماء من التراب، ومن هنا نستطيع الربط بين هذه الكلمة وكلمة بصّة التي تقابلها بالعبريّة (بتسا) اي مستنقع، كذلك كلمة (بوتس) بمعنى وحل.

اضطرّ النهر للجريان شمالًا حتى حدود عكّا ليتضاعف طوله إلى 9كم، ولأنّ فرق الارتفاع بينه وبين البحر قليل، لا يتعدّى بضعة أمتار، ولأن الوديان تأتيه بالمياه من الشاغور بالأساس، كان لا بدّ من معالجة ذلك بحفر قناة تصريف، وهذا ما تمّ في زمن الانتداب البريطاني.

واستفاد الانتداب من هذه المياه بنقلها إلى معامل تكرير البترول لتبريدها، كان ذلك سنة 1942.

وعودة إلى التاريخ، فإلى الجنوب من الينابيع يوجد تلّ أثري، ربّما يكون موقع المدينة الكنعانيّة (أفيق) ومن فوقه مطلّ رائع الجمال على السهل والجبال.

بعد احتلال الفرنجة لبلادنا أقاموا هنا السدود والطّواحين، وما زال بعضها قائمًا.

أمّا اسم كردانه الذي ذكره الفرنجة باسم (ريكردانه)، فيعود إلى سنة 1189 حيث رابطت هنا فرقة كرديّة من جيش صلاح الدين، بقيادة الأمير سيف الدين المشطوب والأمير مجلّي وسيف الدين برنقش.

في القرن الثامن عشر، أعاد ظاهر العمر الزيداني للموقع أهمّيّته بترميم طاحونة إفرنجيّة لاستعمالها وبناء برج حراسة.

في القرن التاسع عشر جاء نفر من الغوارنة (من كلمة غور)، وكانوا ذوي بشرة غامقة، وسكنوا هنا إلى ما بعد قيام دولة إسرائيل، وسمّي استيطانهم (بربور)، وعملوا بالزراعة وجدل الحصر والسّلال من النباتات المائيّة كالسّمّار والحلفى.

في العام 1979 تمّ الإعلان عن محميّة طبيعيّة تشمل التلّ والعيون والمستنقعات والسّدّ والطّاحونة، للمحافظة على هذا الكنز الطبيعي والتاريخي، وفي العام 1991 أضيف إلى المحميّة عدد من الجواميس من الحولة لاستعادة الطبيعة التي كانت. تبلغ مساحة المحميّة 660 دونمًا.