من القدس نبعث بتعزيتنا للكنيسة الأنطاكية الشقيقة في وجه العمل الإرهابي الإجرامي

الكاتب : المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس

حسب التقليد الأرثوذكسي المتبع في كنيستنا المقدسة فإن الكنائس الارثوذكسية كلها اقامت يوم امس تذكارا لكل قديسيها وشهدائها ومعترفيها. في الاحد الأول بعد العنصرة نقيم تذكارا لكل القديسين وفي الاحد الثاني بعد العنصرة والذي صادف يوم امس تقيم كل كنيسة تذكارا خاصا لقديسيها، فعلى سبيل المثال نحن في كنيستنا نقيم تذكارا لكافة قديسي فلسطين وفي روسيا يقيمون تذكارا لكافة القديسين الروس وفي رومانيا يقيمون تذكارا لكل القديسين الرومانيين فكل كنيسة تكرم قديسيها في هذا النهار.

من القدس نبعث بتعزيتنا للكنيسة الأنطاكية الشقيقة في وجه العمل الإرهابي الإجرامي

اما في الكنيسة الانطاكية الشقيقة فقد اقاموا يوم امس تذكارا لكل القديسين الانطاكيين ولكنهم كانوا على موعد مع عدد جديد من القديسين والشهداء والمعترفين الذين اقتبلوا الشهادة في كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في دمشق.

لقد زرت هذه الكنيسة في عهد غبطة البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم حيث اقام غبطته قداسا الهيا هناك.

اما يوم امس وهو الاحد الذي فيه تكرم الكنيسة الانطاكية كافة قديسيها فقد اقدم مجرمون قتلة من الدواعش الإرهابيين واستهدفوا بكل عنصرية وكراهية المصلين الذين كانوا في القداس الإلهي في كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في دمشق والتي أدت الى استشهاد عدد من المصلين الذين ذنبهم الوحيد انهم تواجدوا في هذه الكنيسة، كما ان هنالك عددا من المصابين والجرحى والذين نتمنى لهم الشفاء.

ما حدث يوم امس في دمشق من اعتداء دموي على المصلين وعلى كنيسة مار الياس المقدسة، ليس عملا فرديا وانما هو عمل يدل على ان هنالك جماعة في صفوفنا وبين ظهرانينا تتبنى هذا الفكر الاجرامي الإرهابي الاقصائي العنصري ومعالجة وجود هذه الفئات لا يمكن ان يكون فقط من خلال بيانات شجب واستنكار، بل وجب ان يكون هنالك دور للمؤسسات الدينية والتعليمية والأكاديمية والاعلامية من اجل توجيه شبابنا وتوعيتهم لكي لا يكونوا فريسة سهلة لهذا الفكر الداعشي ولهذه الظاهرة المأساوية والكارثية على مجتمعاتنا وعلى السلم الأهلي في اوطاننا.

ان ما حدث البارحة في كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في دمشق انما هي جريمة نكراء لا يمكن وصفها بالكلمات، فدخول الانتحاريين ومطلقي الرصاص الى الكنيسة وفي ساعة إقامة القداس الإلهي انما هو اجرام وعمل يجب رفضه والتنديد به من كل انسان يحمل في قلبه قيما إنسانية او حضارية او روحية .

ما حدث البارحة في دمشق انما هدفه أيضا جعل المسيحيين في سوريا يفكرون بالرحيل والهجرة وهذا مخطط لا يستهدف سوريا لوحدها وانما يستهدف المشرق كله وان بادوات متعددة ومختلفة، اذ يراد افراغ المنطقة من مسيحييها ولاغراض واهداف يعرفها الدارسون والمختصون والعارفون ببواطن الأمور.

من القدس نبعث بتعزيتنا القلبية الى غبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، كما ونعزي اخوتنا المطارنة والأساقفة في الكنيسة الانطاكية الشقيقة ونعزي الإباء الكهنة وكافة أبناء الرعية في سوريا لا بل أقول بأنني أعزي السوريين جميعا لان استهداف هذه الكنيسة والمصلين الذين تواجدوا فيها انما هو استهداف لسوريا كلها وثقافتها وهويتها وتاريخها وتراثها.

ان ما حدث يوم امس هو مؤشر خطير يدل على ان هنالك في سوريا من يتبنون هذا الفكر الاجرامي ونحن نحمل النظام الحاكم هناك المسؤولية المباشرة فعلى هذا النظام الجديد تقع مسؤولية حماية المسيحيين وكنائسهم وحماية كافة مكونات الشعب السوري حيث هنالك مكونات اصيلة ومنهم المسيحيين أيضا تعرضوا خلال الشهور المنصرمة لاعتداءات دموية كانت توصف بأنها اعتداءات فردية ويبدو انها ليست فردية على الاطلاق بل هي ممنهجة ومبرمجة وهادفة للنيل من السلم الأهلي وتخويف وترهيب مكونات اصلية من مكونات الشعب السوري ومنهم المسيحيين الذين تعرضوا يوم امس لهذه الجريمة النكراء والمروعة .

لقد اصبح هنالك شهداء وقديسون جدد في الكنيسة الانطاكية الشقيقة وفي اليوم الذي فيه كرمت هذه الكنيسة قديسيها.

نطلب شفاعة وصلاة هؤلاء القديسين من اجل كنيستهم ومن اجل بلدهم الذي ينزف دما ومن اجل هذا المشرق المضطرب.

نقدم تعزيتنا للأسر المكلومة بفقد أبنائها وهم كانوا واقفين خاشعين يشاركون في خدمة القداس الإلهي في كنيستهم الجميلة والشامخة، والتي ستبقى جميلة وشامخة وصامدة رغما عن كل رياح العنصرية والكراهية الدموية الداعشية، التي تحيط بمجتمعاتنا مهددة السلم الأهلي ومهددة الحضور المسيحي العريق والاصيل كما ومكونات الشعب السوري كله.

نطالب حكام دمشق بأن يتحملوا مسؤولياتهم وان يقوموا بدورهم في حماية دور العبادة والمؤمنين، والذين لا يجوز ان يتركوا لقمة سائغة للارهاب والذي نعرف جيدا من يموله ومن يغذيه ومن هو المستفيد منه.

على حكام دمشق ان يقتلعوا الإرهاب وهم يعرفون جيدا من هم الإرهابيين ومن هم القتلة والمجرمين الموجودين حاليا في سوريا تحت شعارات عدة، ولكن هؤلاء لا يؤمنون بأي قيمة إنسانية او وطنية وهدفهم هو الدمار والخراب وإشاعة الرعب والخوف في صفوف المواطنين والابرياء.

حفظ الله سوريا من اعدائها المنظورين وغير المنظورين ورحم الله الشهداء وكان مع كل المصابين الذين يعالجون في المستشفيات.

نطلب منك أيها الرب الاله ان تكون مع الاسر المكلومة والحزينة والمصدومة بسبب هذا العمل الاجرامي الإرهابي .

كن لهم قوة وتعزية ونحن بدورنا نصلي من اجلكم في القبر المقدس الذي منه انبلج نور الحياة عسى هذا النور الإلهي يبدد ظلمات هذا العالم ويزيل الغشاوة عن الأنظار وينير قلوب وعقول من تخلوا عن انسانيتهم لكي يعودوا الى هذه الإنسانية ويكونوا فعلة خير في اوطانهم وفي مجتمعاتهم بعيدا عن الإرهاب ولغة الموت والقتل وامتهان كرامة وحياة الانسان .

كان الله مع سوريا في محنتها وكان الله مع الكنيسة الانطاكية في حزنها، مع التأكيد بأن حزننا مقرون دائما بالرجاء فنحن أبناء القيامة وأبناء ذاك الذي انتصر على الموت بموته .

المسيح قام ... فليكن ذكرهم مؤبدا .

القدس 23/6/2025