لغتنا العربيّة: جذور وانتماء
الكاتب : د. إياس يوسف ناصر - شاعر وباحث ومحاضر للشعر والأدب العربي في قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة العبرية في القدس
القيامة - ننشر فيما يلي مقالا قصيرا وغنيا للدّكتور الشاعر إياس يوسف ناصر، عن جمال اللّغة العربيّة وخصائصها، وقيمة الانتماء إليها، وأهمّيّة البحث في كنوزها.

"... هذا امرؤ القيس يقف على أطلال محبوبتِهِ ويبحث عن فؤادِهِ الدّفين تحت أطباق الذّكريات ولواعج الأشواق، وذاك أبو فراس الحمدانيّ يغالب الشّدائد ويقارع الخطوب، عصيَّ الدّمع ثابتَ الجأش، يَبُثُّ لوعة الحنين في الأسر إلى أمِّهِ ووطنِهِ، ويخاطب جارته الملوّعة، حمامةً ورقاءَ تنوح قربه مسائلًا «أَيَا جَارَتَا هَلْ تَشْعُرِينَ بِحَالِي؟!»، وهذا المتنبّي، يسمو إلى المعالي، ويطمح إلى العظائم، ويَنثُرُ ذخائر الحكمة على ألسنة الدّهر واللّيالي، فتردّد ما يقول: «تُرِيدِينَ لُقْيَانَ ٱلْمَعَالِي رَخِيصَةً / وَلَا بُدَّ دُونَ ٱلشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ ٱلنَّحْلِ»؛ وهذه ليلى الأخيليّة، شحرورة الشّعر ونرجسة الفصاحة، تمضي إلى غاياتها السّامية، بعيدةَ الهمّة، ماضيةَ العزم، عفيفةَ النّفس، وتَؤُمُّ الخليفة والأمير، وتلقي أجمل القصائد في محبوبها، ثمّ تفاخر بقومها وآبائها وأسلافها؛ وذاك الفتى اللّبيب الأريب سيبويه، اللّغويّ الألمعيّ، يسير إلى منازل الأعراب من أرض العراق، ليسألهم عن مسألة لغويّة أنفق شطرًا بعيدًا من اللّيل وهو يفكّر في أمرها، ويتدبّر معناها، ويُروّي في دلالتها، لا يجد تفسيرًا لها إلّا بالنّظر والبحث والاستقصاء..."