كانَ يسوع يَمُرُّ بِالمــُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها - لوقا ١٣: ٢٢-٣٠

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٢٢وكانَ يَمُرُّ بِالمــُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إِلى أُورَشَليم. ٢٣فقالَ لَه رَجُل: «يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟» ٢٤فقالَ لَهم: اجتَهِدوا أَن تَدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون. ٢٥ وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقفَلَ الباب، فَوَقَفتُم في خارِجِهِ وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا رَبُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، ٢٦حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وشَرِبْنا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. ٢٧فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنِّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعًا! ٢٨فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إِبراهيمَ وإِسحٰقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين. ٢٩وسَوفَ يَأتي النَّاسُ مِنَ المــَشرِقِ والمــَغرِب، ومِنَ الشَّمالِ والجَنوب، فيَجلِسونَ على المــَائِدَةِ في مَلَكوتِ الله. ٣٠فهُناكَ آخِرونَ يَصيرونَ أَوَّلين وأَوَّلونَ يَصيرونَ آخِرين.

كانَ يسوع يَمُرُّ بِالمــُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها - لوقا ١٣: ٢٢-٣٠

الحرب. السنة الثانية – يوم ٢٤

       "قالَ الجاهِلُ في قَلبِه: لَيسَ إِلٰه. فَسَدَت أَعْمالُهم وقَبُحت، ولَيسَ مَن يَصنَعُ الصالِحات" (مزمور ١٤: ١).

          ارحمنا، يا رب. يا رب، يبدو أننا نعيش في زمن الجهال، الذين يصفهم صاحب المزمور ويقولون: ليس إله. يقولون: الموجود هو أنا وواجبي للدفاع عن نفسي، ومقدرتي على سحق الضعيف. في غزة وفي جنوب لبنان، يوجد الحرب فقط، والجنون. اللهم ارحم الذي فقدوا رشدهم الذين يقولون: ليس إله. أعِدْهم إلى رشدهم. وارحم الضعفاء الذين وضعوا ثقتهم فيك والذين يموتون. يا رب، لا تسَلِّمْنا إلى قِوى الشر فينا. اشفنا، يا رب. أصلحنا، يا رب. كلنا بحاجة إلى الشفاء، حتى نفهم فهمًا أفضل طرق السلام. ارحمنا، يا رب.

إنجيل اليوم

"وكانَ يَمُرُّ بِالمــُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها، وهوَ سائِرٌ إِلى أُورَشَليم" (٢٢).

"كانَ يسوع يَمُرُّ بِالمــُدُنِ والقُرى، فيُعَلِّمُ فيها". كان يسوع يعلِّم، الجميع، في المدن والقرى، من دون تمييز.

هل لديَّ هذا الاهتمام بالتعليم، بأن أعرِّفَ إخوتي من هو يسوع المسيح، إخوتي كلهم من دون تمييز، حيث أنا، في قريبتي أو مدينتي أو رعيتي؟ تعليم مباشر، او تعليم بعمل الخير للجميع، فلا أرُدُّ أحدًا، أيًّا كان. أو بأن أصلي من أجل الجميع، والله يعلم كيف يوصل نعمته حيثما يشاء. الله يقبل صلاتنا وشفاعتنا بإخوتنا.

نحن مرارًا مثل مرتا أخت لعازر التي قال لها يسوع: أنت مهتمة بأمور كثيرة (كانت منهمكة في إعداد الطعام والضيافة الخ). قد نكون نحن مثلها غارقين في نشاطات كثيرة. أتوقف في نشاطاتي، وأسأل نفسي: هل أنا أعلِّم، هل أنا أبلِّغ إخوتي إلى الله، أم أقوم بالنشاط من اجل النشاط؟ كم وقت أقضي في النشاط، وكم وقت أقضي في التعليم؟ كم وقت أقضيه وحدي، في مشاريعي الخاصة، وكم وقت في الشيء الواحد الضروري، في ما هو لله، وفي تعليم إخوتي؟

"فقالَ لَه رَجُل: «يا ربّ، هلِ الَّذينَ يَخلُصونَ قَليلون؟» فقالَ لَهم: اجتَهِدوا أَن تَدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. أَقولُ لَكم إِنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ سَيُحاوِلونَ الدُّخولَ فلا يَستَطيعون" (٢٣-٢٤).

مَن يَخلُص؟ هل يَخلُص كثيرون؟ الله يريد أن يَخلُصَ الجميع. ويسوع جاء إلى الأرض حتى لا يهلك أحد.  لكن إرادة الناس، حرية الناس، قد تقود الناس في طرق مختلقة. الخلاص مقدَّمٌ للجميع. لكن الباب ضيق. والدخول به فقط. يجب حمل الصليب مع يسوع. يجب أن يطهِّرَ المؤمن نفسه، أن يتحرر من القيود المختلفة، والعوائق الكثيرة، التي تمنعه من رؤية طريق الخلاص.

لي أحلام في البناء على الأرض كثيرة. يجب أن تكون لي أحلام. لكن السؤال هو: هل الله فيها؟ هل قراءة الإنجيل فيها؟ هل فيها هموم إخوتي وعذاباتهم؟ هل الفقير له مكان في حياتي؟  هل أنا وحدي في أحلامي، أم أنا حاضر أمام الله، وحاضر إلى جانب إخوتي؟ لا أكُنْ وحدي أبدًا. أنا لنفسي ولإخوتي. حياتي لي ولإخوتي. إيماني لي ولإخوتي.

"وإِذا قامَ رَبُّ البَيتِ وأَقفَلَ الباب، فَوَقَفتُم في خارِجِهِ وأَخَذتُم تَقرَعونَ البابَ وتقولون: يا رَبُّ افتَحْ لَنا، فيُجيبُكُم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم، ٢٦حينَئِذٍ تَقولونَ: لَقَد أَكَلْنا وشَرِبْنا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا. ٢٧فيَقولُ لَكم: لا أَعرِفُ مِن أَينَ أَنتُم. إِلَيكُم عَنِّي يا فاعِلي السُّوءِ جَميعًا! ٢٨فهُناكَ البُكاءُ وصَريفُ الأَسنان، إِذ تَرَونَ إِبراهيمَ وإِسحٰقَ ويعقوبَ وجميعَ الأَنبِياءِ في مَلَكوتِ الله، وتَرَونَ أَنفُسَكُم في خارِجِه مَطرودين" (٢٥-٢٨).

هذا كلام موجَّه إلى بعض المؤمنين المواظبين على الممارسات الخارجية، على قداس الأحد، وعلى الصيامات والأعياد. لكن قد يكون في حياتهم خلل ما، من جهة وصية المحبة، أي التعامل مع القريب. قد يكون فيَّ مع كثرة صلواتي، ظلم لأحد إخوتي، لأحد أقربائي، قد أكون في مخاصمة مع إخوتي، قد أكون لا أهتم بفقير واقفًا على بابي، أو في طريقي. قد أكون غير مهتم بأخ يحتاج إليَّ وأقدر أن أساعده. خير كثير أقدر أن أعمله لإخوتي ولا أعمله...

إلى مثل هؤلاء، هذا الكلام موجَّه: "يقول الله لهم: لا أعرفكم". هذا كلام مخيف. الله لا يعرفنا؟ نعم، الله لا يعرفنا، إن كنا نحن لا نعرف قريبنا، أيا كان، قريبًا أو بعيدًا. سنقول، كما جاء في الإنجيل: "لَقَد أَكَلْنا وشَرِبْنا أَمامَكَ، ولقَد عَلَّمتَ في ساحاتِنا". كنا كل يوم أحد في الكنيسة، وصمنا وشاركنا في الأعياد.... ومع ذلك، إن كنا أسأنا إلى أحد إخوتنا، سيقول الله لنا: لا أعرفكم.

أخي، إخوتي، أخواتي، هم طريقي إلى الله. الاهتمام بإخوتنا. تجنب كل إساءة وكل مخاصمة وأكثر من ذلك الاهتمام بكل ما يتألمون منه. ومد يد الأخُوّة لهم، في كل شدائدهم. إذاك يقول الله لنا: اليوم في هذه الأرض، وغدا في يوم الدينونة: نعم أنتم أبنائي، أنا أعرفكم وأحبكم أنتم وجميع إخوتكم. هلموا إلى الحياة.

       طريق الخلاص هو محبة الله، ومحبة أبناء الله، كل إخوتي من غير تمييز.

       ربي يسوع المسيح، أعطني القوة لأدخل من الباب الضيق، وأن أبقى على طريق المحبة لإخوتي، حتى تستقبلني أنا وإخوتي، هنا على الأرض، وغدا في يوم الدين. آمين.

الأربعاء ٣٠/١٠/ ٢٠٢٤              بعد الأحد ٣٠ من السنة/ب