قَالَ لَهُ يَسُوع: أَبصِرْ، إيمــَانُكَ خَلَّصَكَ- لوقا ١٨: ٣٥-٤٣

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"وَاقتَرَبَ مِن أَرِيحَا، وَكَانَ رَجُلٌ أَعمَى جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَستَعطِي. فَلَمَّا سَمِعَ صَوتَ جَمعٍ يَمــُرُّ بِالـمَكَانِ، استَخبَرَ عَن ذَلِكَ مَا عَسَى أَن يَكُونَ. فَأَخبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مَارٌّ مِن هُنَاكَ. فَأَخَذَ يَصِيحُ فَيَقُولُ: رُحمَاكَ، يَا يَسُوعُ ابنَ دَاوُد!" (٣٥-٣٨).

قَالَ لَهُ يَسُوع: أَبصِرْ، إيمــَانُكَ خَلَّصَكَ-  لوقا ١٨: ٣٥-٤٣

 

٣٥. واقترب من أريحا، وكان رجل أعمى جالسًا على جانب الطريق يستعطي. 

٣٦. فلما سمع صوت جمع يمر بالـمكان، استخبر عن ذلك ما عسى أن يكون. 

٣٧. فأخبروه أن يسوع الناصري مارٌّ من هناك. 

٣٨. فأخذ يصيح فيقول: رحماك يا يسوع ابن داود! 

٣٩. فانتهره الذين يسيرون في المقدمة ليسكت. فصاح أشد الصياح قال: رحماك يا ابن داود! 

٤٠. فوقف يسوع وأمر بأن يُؤتَى به. فلما دنا سأله: 

٤١. ماذا تريد أن أصنع لك؟ فقال: يا رب، أن أُبصِرَ. 

٤٢. فقال له يسوع: أَبصِرْ، إيمانك خلصك! 

٤٣. فأبصَرَ من وقته وتبعه وهو يمجِّد الله، ورأى الشعب بأجمعه ما جرى فسبَّح الله.

       الحرب. اليوم ٤٤

       "لَيْسَ الْمَوْتُ مِنْ صُنْعِ اللهِ، وَلاَ هَلاَكُ الأَحْيَاءِ يَسُرُّهُ. لإنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَ الْجَمِيعَ لِلْبَقَاءِ" (الحكمة ١: ١٣-١٤). ومع ذلك، يا رب، الموت هنا، في غزة وفي إسرائيل وفلسطين. وكل الأرض لك، ولا سيما أرضنا هذه المقدسة. لماذا تسمح يا رب، للموت الذي غلبته بموتك، أن يعود إلى أرضك التي قدَّسْتَها. نعم، الإنسان الذي تُحِبُّه إنسان متمرِّد. هناك أناس متعاونون مع الموت. اللهم، اشفِهِم، كلهم أبناؤك. حاملو الموت وضحاياهم، كلهم أبناؤك. اللهم، ارحم الجميع. لا تترك الموت يغلب أبناءك، ويدنِّسُ أرضك. يا رب، ما يجري في غزة ليس عمل إنسان. ألَهِم رجالًا صادقين، قلبهم صادق، وقوتهم صادقة، ليوقفوا الدمار وينتصروا على الموت. يا رحيم، ارحم.

       إنجيل اليوم.

       أعمى على طريق أريحا سمع بمرور يسوع. فآمن به، وأخذ يصيح: "رُحمَاكَ، يَا يَسُوعُ ابنَ دَاوُد!" (٣٨).

       "وَاقتَرَبَ مِن أَرِيحَا، وَكَانَ رَجُلٌ أَعمَى جَالِسًا عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ يَستَعطِي. فَلَمَّا سَمِعَ صَوتَ جَمعٍ يَمــُرُّ بِالـمَكَانِ، استَخبَرَ عَن ذَلِكَ مَا عَسَى أَن يَكُونَ. فَأَخبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مَارٌّ مِن هُنَاكَ. فَأَخَذَ يَصِيحُ فَيَقُولُ: رُحمَاكَ، يَا يَسُوعُ ابنَ دَاوُد!" (٣٥-٣٨). 

       الجموع، الناس، يسمعون صراخ الفقراء والمظلومين، فينزعجون، في ضميرهم وخَزٌ وقلق، فيسكتونهم. لكن إسكات المظلومين لا يحل مشكلة، ولا يحرِّر المظلوم، ولا يشفي الأعمى. الناس يسمعون صراخ إخوتهم ويسكتونهم. أما يسوع فيسمع الفقراء ويدعوهم إليه. لأنه جاء ليخلِّص، ليعيد الحرية إلى المظلومين، ليعطي معنى لحياة إنسانية تائهة غارقة في الاقتتال، لم تصل بعد إلى سلامها، السلام الذي يعطيه الله، والعالم لا يعرف ولا يقدر أن يعطيه.

       "فَانتَهَرَهُ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي المــُقَدِّمَةِ لِيَسكُتَ. فَصَاحَ أَشَدَّ الصِّيَاحَ قَالَ: رُحمَاكَ، يَا ابنَ دَاوُد!" (٣٩). انتهروه ليسكت. لكن الفقير، والمظلوم، له قوته، قوة الضعيف، التي تقاوم كل الجموع. فزاد صياحه، بأعلى صوته. الناس لا يسمعون. أما يسوع فسمع، وأمر بإحضاره إليه.

       "فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ بِأَن يُؤتَى بِهِ. فَلَمَّا دَنَا سَأَلَهُ: مَاذَا تُرِيدُ أَن أَصنَعَ لَكَ؟ فَقَالَ: يَا رَبّ، أَن أُبصِرَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوع: أَبصِرْ، إيمــَانُكَ خَلَّصَكَ!" (٤٠-٤٢).

       وقف يسوع، ووقفت الجموع معه. وأصبح الفقير محور انتباه الجميع. مع الله، يقدر الإنسان أن يتوقف، وأن يرى، وأن يسمع صراح الفقراء. الإنسان وحده سجين الأنانية واللامبالاة. قد يرى الأصدقاء. لكنه لا يرى الفقراء. وبالطبع لا يرى الأعداء. أما مع الله، فالإنسان يرى. يرى نفسه ابن الله، وأخًا لكل الناس، ولا سيما للفقراء أحباء الله.

       توقف يسوع وقال له: "أَبصِرْ، إيمــَانُكَ خَلَّصَكَ!"

       ونحن الذين نؤمن بيسوع، ما هي مقدرتنا على الرؤية؟ هل نرى ومَن نرى؟ وما هي مقدرتنا على سماع صوت الفقراء والتوقف لإغاثتهم؟ هل نحن فعلًا مع يسوع فنقدر أن نرى وأن نسمع الفقير ولا ننزعج بل نتوقف لإغاثته؟ يسوع أعطانا هبة الإيمان وأرسلنا لنعظ ونشفي. هل نعظ؟ وهل نشفي؟ هنا لا بد من فحص ضمير. لنتوقَّفْ ونسمَعْ مع يسوع، حتى نقدر أن نشفي مثله.

       ربي يسوع المسيح، أرسلتني لأعظ وأشفي. أعطني القوة لأكون أمينًا للرسالة التي كلَّفْتَني بها، وهي أن أُعرِّفَ الناس بك، وأن أشفي الجراح الكثيرة في إخوتي، وفي نفسي أيضًا. آمين.

الاثنين ٢٠/١١/ ٢٠٢٣                      يعد الأحد ٣٣ من السنة/أ