طمرة تودع زهراتها الأربع وتستقبل وفود التعازي والتضامن

في منتصف ليل السبت 14-06-2025، كان الانفجار الذي هزّ مدينة طمرة والمنطقة، وصمّ الأذان وزرع الخوف في القلوب وشلّ العقول وحبس الكلام، وتساءل الجميع: أين سقط الصاروخ؟ وبعد ساعات عرف الجميع بأن الصاروخ سقط في حي خلة الغزال، وكانت الإصابة مباشرة في بيت الشقيقين المحاميين: رجا وإيهاب رافع خطيب، تهدم البيت، وتأثرت جميع البيوت المجاورة، واتجه سكان المدينة نحو البيت ليكتشفوا دمارا هائلا وانتشلوا جثث أربع شهيدات من بين الأنقاض: المعلمة منار قاسم سمارة - أبو الهيجا (وهي حرم المحامي: رجا رافع خطيب) مع ابنتيها: شذى وحلا، والمعلمة: منار فخري ذياب - خطيب (وهي حرم المحامي: إيهاب رافع خطيب).

طمرة تودع زهراتها الأربع وتستقبل وفود التعازي والتضامن

هذا ما دوّنه الكاتب الطمراوي: محمد علي سعيد في صفحته، وفيها يجمل الحادثة المأساوية التي تعرضت لها مدينة طمرة، والتي هزت المجتمع العربي بأسره والمجتمع الاسرائيلي، باستثناء بعض الأصوات العنصرية المقيتة التي رقصت على مأساة طمرة، والتي نبذها جميع المسؤولين والأوساط المتزنة، وانعكست في وفود التعزية العديدة التي حضرت إلى طمرة لتقديم واجب العزاء والتضامن مع عائلات الضحايا خاصة وأهالي طمرة عامة.

شهادة الأب والزوج الثاكل المحامي رجا خطيب

قال رجا خطيب، الأب والزوج الثاكل، متحدثا إلى وسائل إعلامية: "عندما دوت صافرات الإنذار، كنت في الطابق الأول من المنزل، فبدأت بالصعود للطبقة الثالثة كي أنادي زوجتي وبناتي للنزول إلى الملجأ في الطابق الثاني. عندما وصلت إلى الطابق الثاني، سمعت صوت الانفجار، إذ بالغبار والرمل يحجبان الرؤية ويغطيان كل شيء. الحطام أعاق وصولي إلى زوجتي وبناتي".

وأضاف خطيب: "خرجت ابنتي رزان (16 عاماً) من الملجأ والرمال والغبار تغطيها. سألتها: أين أمك وأخواتك؟ قالت وهي تبكي: انهن نائمات في الطابق العلوي. حاولت الصعود للأعلى، إلا أن كمية الحطام والدمار لم تمكنني من الصعود. بدأت بالصراخ منادياً عليهن وعلى زوجة أخي، ولم يجب أحد."

وأوضح رجا بأن البناية التي يسكن فيها مكونة من ثلاثة طوابق، منقسمة إلى منزلين؛ منزله من جهة الشرق ومنزل أخيه إيهاب من جهة الغرب، وسقط الصاروخ بشكل مباشر في منزل شقيقه إيهاب، ما تسبب في دمار كامل للبناية.

وتحدث عن زوجته وبناته قائلاً: "زوجتي منار معلمة للغتين العربية والعبرية، حاصلة على اللقب الثاني ومميزة جداً في عملها. ابنتي شذى (20 عاماً) طالبة حقوق في جامعة حيفا، اختارت هذا التخصص اقتداءً بي، وهي ذكية ومميزة بشهادة الجميع. وحلا (14 عاماً) في الصف الثامن الإعدادي، لم ترَ شيئاً من حياتها".

طمرة تودع زهراتها وتؤكد على التعاضد المحلي

عبر رئيس بلدية طمرة، الدكتور موسى أبو رومي، عن بالغ حزنه لمقتل مواطنات مدينته قائلاً: "أعزي نفسي أولاً وأعزي أهلنا في طمرة بهذه الفاجعة التي فقدنا فيها أخوات وبنات لنا نحتسبهن شهيدات عند الله". وأضاف أن عدد المصابين تجاوز الأربعين، إلى جانب الأضرار الواسعة في المنازل.

وشكر أبو رومي وأعضاء لجنة الطوارئ جميع المتطوعين وطاقم الطوارئ على جهودهم في مواجهة الأزمة، وأعلن عن تخصيص خط ساخن لتلقي الاستفسارات الطارئة.

وفي جنازة مهيبة شارك فيها آلاف المواطنين من طمرة والمجتمع العربي، إلى جانب أعضاء كنيست ومنتخبين، تم تشييع جثامين منار قاسم أبو الهيجاء وابنتيها شذى وهلا، وزوجة عمهن منار خطيب. وعمّت مشاعر الحزن والغضب الشارع الطمراوي الذي لا يزال مصدوماً من سقوط الصاروخ في منطقة كان يفترض أن تكون آمنة.

إدانة رسميّة لمظاهر الفرح والشماتة ومطالبات بملاحقة العنصريين

أدان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بشدّة مظاهر الاحتفال بمقتل المدنيين في طمرة، مؤكداً أن "الصاروخ لا يفرّق بين أحد، يصيب اليهود كما العرب"، واصفاً الفرح بسقوط القتلى بـ"الرداءة والاحتقار". وأضاف: "من يهاجمنا يريد القضاء علينا جميعاً، ونحن نقف موحدين في هذه المعركة".

كما أدان رئيس الدولة الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ خلال زيارته لطمرة، جميع مقاطع الفيديو العنصرية، معتبراً أن "هذه الفئة تمثل أقلية ضئيلة جدًا ولا تعكس مجتمعنا". ووجه مدير المستوطنة المجاورة لطمرة رسالة الى رئيس بلدية طمرة، عبر فيها عن مشاعر المواساة، متنصلا من عمل قلة من أبناء المستوطنة معتبرا اياها شاذة ولا تمثل الأهالي.

 بالمقابل طالب النائب أيمن عودة رئيس "قائمة الجبهة والعربية للتغيير" وزميله أحمد الطيبي باعتقال والتحقيق مع المحرضين والمحتفلين بسقوط صاروخ إيراني على مدينة طمرة. وأعرب عودة عن استنكاره واستيائه "من قيام مجموعة عنصرية بنشر فيديو يعبّر عن فرحتها بسقوط الصاروخ على طمرة حيث كانت تهتف: بالصاروخ: إلى القرية.. إلى القرية.. وعند سقوط الصاروخ في طمرة، تصاعدت ضحكاتهم وهم يهتفون: لتُحرق لكم القرية. هذا الصاروخ أدّى إلى قتل أربع نساء في مدينة طمرة".

يذكر أن الشرطة قامت بحملة اعتقالات لأشخاص في البلدات العربية بذريعة "الاحتفال بالقصف على إسرائيل"، بينما اكتفت بالاعلان أنها تتابع موضوع الشريط الذي يظهر محتفلين يهود بسقوط الصواريخ على طمرة.

وفود شعبية ودينية ورسمية من مختلف المناطق والتوجهات تعزي أهالي طمرة

استقبلت طمرة مئات الوفود الدينية والرسمية والشعبية التي أمّت طمرة أول أمس الأربعاء وأمس الخميس، حيث ضاقت قاعة المركز الجماهيري بالوفود المتعاقبة، فقد حضر للتعزية وفد ديني كبير مثّل الكنائس في البلاد برئاسة المطران يوسف متى والعديد من الكهنة. وحضرت وفود رؤساء المجالس العربية المحلية والبلدية، ورؤساء وكوادر الأحزاب العربية والنواب العرب، ورؤساء لجنة المتابعة واللجنة القطرية والهيئات المجتمعية ووفد من أهالي النقب ضم لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، وممثلون عن اتحاد المحامين العرب في النقب ووفد الاتحاد العام للكتاب ووفد حركة "نقف معا"، وغيرهم.

هذا وزار رئيس حزب "الديمقراطيين"، يئير جولان مدينة طمرة برفقة عضو الكنيست نعمه لازيمي معزيا ومستنكرا التفوهات العنصرية قائلا: " نحن نؤمن بالسلام والتعايش المشترك فالصواريخ لاتفرق بين عربي ويهودي". كما قام بزيارة مماثلة وزير الأمن السابق، يوآف غالانط.

وكان وزير التربية والتعليم، يوآف كيش قد قام بزيارة بلدية طمرة ومدرسة "الحكمة" الإعدادية في الحي الذي وقع فيه الصاروخ، حيث قدم التعازي لأهالي الضحايا ووعد بتقديم الدعم النفسي والتربوي للطلاب والمعلمين، مؤكداً على أهمية الحفاظ على الإطار التعليمي كمرتكز للأمان والاستقرار. وشدد الوزير على أن "المجتمعين العربي واليهودي يتعرضان لمصير واحد في هذه الحرب، ويجب التكاتف لمواجهتها".

وكانت اللجنة الشعبية في طمرة قد أصدرت بيانا ثمّنت فيه "الهبّة العفوية والنبيلة التي أبداها أبناء طمرة بالتوازي للعمل المؤسساتي، نؤكد من جديد أن مدينتنا، كما عهدناها دومًا، تتصرف في المحن كالبنيان المرصوص، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى". وأكدت على أن " انهاء هذه الحرب هو الكفيل الوحيد لمنع تكرار هذه المآسي."