مع يسوع، نحن في النور - يوحنا ١٦: ٥-١١

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٥ أَمَّا الآنَ، فإِنِّي ذاهِبٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني وما مِن أَحَدٍ مِنكُم يسأَلُني: إِلى أَينَ تَذهَب؟ ٦ لا بل مَلأَ الحُزنُ قُلوبَكم لأَنِّي قُلتُ لَكم هذهِ الأَشياء. ٧ غَيرَ أَنِّي أَقولُ لَكُمُ الحَقّ: إِنَّه خَيرٌ لَكم أَن أَذهَب. فَإِن لم أَذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المــُؤيِّد. أَمَّا إِذا ذَهَبتُ فأُرسِلُه إِلَيكُم. ٨ وهو، مَتى جاءَ أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة والبِرِّ والدَّينونَة: ٩ أَمَّا على الخَطيئَة فَلأَنَّهم لا يُؤمِنونَ بي.١٠ وأَمَّا على البِرّ فلأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب فلَن تَرَوني. ١١ وأَمَّا على الدَّينونة فَلأَنَّ سَيِّدَ هذا العالَمِ قد دِين.

مع يسوع، نحن في النور - يوحنا ١٦: ٥-١١

الحرب ٢١١

                "فَمُ البارَ بِالحِكمَةِ يُتَمتِم ولسانُه بالحَقِّ يَنطِق. شَريعةُ إِلهِه في قَلبِه فلا يَتزعزَعُ في خَطَواتِه" (مزمور ٣٧: ٣٠-٣١).     

                ارحمنا، يا رب. مَن هو البارّ امامك، يا رب؟  أهم الفقراء المتواضعون؟ أهم القلوب المنسحقة ندمًا؟ هل هم أطفال غزة الذين يبكون والموت يحاصرهم؟ أم الكبار الذين ينظرون إليهم يموتون؟ لا أحد بارٌّ أمامك، يا رب. لكن، اللهم، أنت أبونا، تغفر لنا وتخلِّصنا وتقدِّسنا. اذكر، يا رب، هذه الأرض التي قدستها بحياتك فيها، وبموتك وقيامتك، هذه الأرض التي أردْتَ فيها أن تَفدِيَ كل الأرض، وكلَّ الإنسانية من خطيئتها القديمة والحالية. ربَّنا، أبانا، أرسلت ابنك وحيدك، يسوع المسيح، مخلِّصًا لنا، هنا، في هذه الأرض، التي صارت أرض موت. ربنا أبانا، ارحمنا، خلِّصْنا، قل كلمة واحدة، وأوقف هذه الحرب بقدرة حبك لنا.

        إنجيل اليوم

        " أَمَّا الآنَ، فإِنِّي ذاهِبٌ إِلى الَّذي أَرسَلَني، وما مِن أَحَدٍ مِنكُم يسأَلُني: إِلى أَينَ تَذهَب؟"

        من أين جاء يسوع، وإلى أين يذهب الآن، بعد أن انتهت رسالته على الأرض؟ لم يكن التلاميذ حتى الآن في ملء النور. كانوا يشعرون بالموت في الجو، ويسوع قال لهم صراحة إنه يجب أن يموت. فملأهم الحزن. لكنهم حتى الآن لا يفهمون كل شيء.

        مع يسوع، نحن في النور. لكن، نحن أيضًا، مرارًا لا نفهم كل شيء. لا نفهم كل رسالتنا التي عهد بها الله إلينا لتطوير الأرض، لخلاصها من شرها، الذي هو ابتعادها عن خالقها. لا نفهم كل ما يحدث في حياتنا، حضور الله فينا، وما العلاقة بين الأحداث في حياتنا وبين الله خالقنا وأبينا. لا نفهم علاقة حياتنا الشخصية مع الله، ومع إخوتنا، والحياة العامة، وإلى أين تسير البشرية. لا نرى الله. نحن وحدنا.  ووحدنا، لا نقدر أن نفهم. الله الآب هو دائمًا أبونا، ولا يتركنا أبدًا. لكن، من جهتنا، لا بد دائمًا من جهد نبذله نحن، لنرى، حتى نضع كل شيء بين يدي الآب، ولنضيء كل ما في الأرض، في حياتي الشخصية وفي الحياة العامة، خيرًا أو شرًّا، سلامًا أو حربًا، بنور الله أبينا.

        من دون رؤية الله، يملأ الحزن قلوبنا، وعدم الفهم... "مَلأَ الحُزنُ قُلوبَكم لأَنِّي قُلتُ لَكم هذهِ الأَشياء" (٦).

        " غَيرَ أَنِّي أَقولُ لَكُمُ الحَقّ: إِنَّه خَيرٌ لَكم أَن أَذهَب. فَإِن لم أَذهَبْ، لا يَأتِكُمُ المــُؤيِّد. أَمَّا إِذا ذَهَبتُ فأُرسِلُه إِلَيكُم" (٧). "أقول لكم الحق"، الذي هو الله، الذي هو الخليقة في نور الله، الذي هو نور الفداء، وأمور كثيرة لا نقدر وحدنا أن نفهمها. لكن الروح يقدر أن يُفهِمَنا إياها، يقدر أن يُفهِمَنا مكاننا ورسالتنا، وقدرتنا في الخليقة.

        "وهو، مَتى جاءَ أَخْزى العالَمَ على الخَطيئِة والبِرِّ والدَّينونَة: أَمَّا على الخَطيئَة فَلأَنَّهم لا يُؤمِنونَ بي. وأَمَّا على البِرّ فلأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب فلَن تَرَوني. وأَمَّا على الدَّينونة فَلأَنَّ سَيِّدَ هذا العالَمِ قد دِين" (٨-١١).

        روح الله يدين العالم، رؤساء العالم في زمن يسوع، الذين هم ظنوا أنهم يقدرون أن يحكموا على يسوع، الذين رفضوا النور، هم حُكِم عليهم، هم حكموا على أنفسهم. رفضُهم له حكمٌ على أنفسهم. جاء النور ولم يروا النور، جاء إلى أهل بيته ولم يقبله أهل بيته. جاء يسوع ليخلِّص، لا ليدين. لكن الذين يرفضون النور يحكمون هم على أنفسهم. جاء يسوع وتمم رسالته، تمم مشيئة الآب، ومات وقام وقهر الموت. وهم رفضوه. فَضَّلوا الظلمات على النور.

        ونحن، آمنا وفضَّلنا النور.

        ربي يسوع المسيح، احفظنا في نورك. أرسل إلينا روحك حتى نراك دائمًا في هذا العالم ولا سيما إذا رفضك العالم. أعطنا أن نكون دائمًا مدركين أنك أبونا، ونحن أبناؤك، وإخوة وأخوات في ما بيننا. آمين.

        الثلاثاء ٧/٥/ ٢٠٢٤              بعد الأحد السادس للفصح