عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السادس عشر من الزمن العادي، السنة ج

في الكتاب المقدس، يصعب العثور على قصة يدور موضوعها حول أخوين أو أختين لا تتسم علاقتهما بطابع الصراع. من ناحية، نجد صداقات جميلة مثل تلك التي جمعت بين داود ويوناتان، وعلاقات قوية بين ابن وأبيه، وزوج وزوجته، وحتى مثالاً على علاقة ناجحة تجمع الحماة والكنة (راجع سفر راعوت).

عظة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السادس عشر من الزمن العادي، السنة ج

إلا أن العلاقة الموجودة بين الإخوة يبدو أنها تتسم منذ البداية، مثلما حدث بين قايين وهابيل، بطابع العنف. وما يرويه التاريخ لاحقا يؤكد هذا النهج.

يسرد لنا إنجيل اليوم قصة أختين ينطبق عليهما هذا الطرح. يسوع يدخل بيتاً، وتستضيفه أختان، الأولى تجلس وتصغي، بينما الأخرى مشغولة بأعمال البيت وتشكو إلى يسوع قائلة: “أما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتني أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني” (لوقا ١٠: ٤٠).

دعونا نقرأ حدثين آخرَين يساعداننا كي نتعمق في هذه الكلمة.

يتحدث لوقا عن الحدث الأول بعد قصة مرتا ومريم بفصلين. اقترب رجل من يسوع وطلب منه أن يقسّم الميراث بينه وبين أخيه (لوقا ١٢: ١٣– ٢١)، واستعمل كلمات شبيهة بتلك التي استعملتها مرتا: “فقالَ لَهُ رِجُلٌ مِنَ الجَمْع: “يا مُعَلّم، مُرْ أخي بأن يُقاسِمَني الميراث” (لوقا ١٢: ١٣). يجمع هذان النصان العديد من العناصر المشتركة، فهما يتكلمان عن أخوين وأختين، وعن الطلب من يسوع أن يكون حاكماً بينهما مستخدماً الكلمات ذاتها: “مُرْ أَخي” و“مُرْ أُختي“. كما وينتهي كلاهما بشيء سيتم أخذه أو لن يتم. لقد اختارت مريم الجزء الأفضل وهو جزء لن يؤخذ منها، أما الأخ الذي يطالب بنصيبه من الميراث، فيسرد له يسوع مَثل الغني الجاهل، الذي بعد أن جمّع ثروة كبيرة (تذكرنا بانشغالات مرتا الكبير) أُخِذَت حياته منه.

أما الحدث الثاني فهي ساعة هبوب العاصفة وسط البحر. التلاميذ خائفون على حياتهم ويسوع نائم على الوسادة في مؤخرة السفينة. “فأيقَظوه وقالوا له: “يا مُعَلِّم، أما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟” (مرقس ٤: ٣٨). نستطيع قراءة التعبير نفسه في كلام مرتا: أما تُبالي؟، كما لو أن مشكلة مرتا لا تتعلق بانشغالها بالخدمة فقط بل أيضا بلامبالاة يسوع بتعبها.

لربما تكمن وراء هذه التنويهات بعض المشاكل التي تجعل العيش صعباً بين الإخوة والأخوات.

تتمثل المشكلة في أن الإخوة يتشاركون في مجموعة من الأشياء، كالسكن في البيت الواحد وحنان الوالدين والحقوق والواجبات وصولاً إلى الميراث… “مُرْ أخي بأن يُقاسِمَني الميراث“.

إنهم يتجادلون حول هذه الأمور وكيفية تقسيم الأشياء تقسيما عادلا لإعطاء كل ذي حق حقه.

إن تقاسم الحقوق والممتلكات يمثّل مشكلة ولكن توزيع الواجبات ينطوي على مشاكل أكثر. ولكن من سيقوم بذلك؟ هذه هي مشكلة مرتا حين قالت: “مُرها أَن تُساعِدَني“.

وفي كل مرة يُؤخذ فيها شيء منا أو يبدو أنه يُؤخذ، حتى وإن كان بسيطاً، نمر بخبرة مأساوية تستبق اللحظة الأخيرة عندما يُؤخذ كل شيء منا، أي حياتنا. نشعر آنذاك بأننا كائنات فانية وهذه هي مأساة الحياة.

إنها المأساة التي تجعل الغني الجاهل يجمع ثروة كبيرة ضمانا لحياته، إلا أن الحياة لا تكمن هناك.

وعليه فإن قبول وجود الأخ والاقرار بحاجاته ليس أمر مسلّما به، إذ بإمكانه أن يثير بعض التساؤلات: هل ما نمتلكه سيكون كافياً لكلينا؟ ويثير الريبة: هل سيقنع أخي بحصته؟ ألن يأخذ حصتي؟ ألن تكون حياة الآخر سببا في هلاكي؟.

إن العلاقة بينه وبين أخيه تدور بصورة وثيقة حول الحياة والموت، وبشكل خاص حول الخوف من الموت وأن الشخص الآخر يشكل تهديداً لحياتي.

وعليه، عندما ننظر إلى الأخ باعتباره تهديداً لي، فالحل الوحيد يتمثل في التخلص منه. كان ذلك هو الحل الذي اختاره قايين وآخرون بعده، كما وهي تجارب العديدين، إن ليس الجميع، عاجلاً أم آجلاً.

تتمثل عظمة مرتا، بعكس قايين، في قدرتها على الحديث عن هذه المأساة مباشرة مع يسوع. هذه هي الخطوة الأولى كي تستنير هذه العلاقة الأخوية بنور الإنجيل.

كل علاقة أخوية (سواء بين إخوة أو جماعات أو مجموعات عرقية أو شعوب أو أمم) تحتاج إلى نور الإنجيل وإلا ستتسم العلاقة مع الآخر بالخوف.

الاستنارة بالإنجيل تعني العودة إلى الأمر الجوهري وهذا ما اختارته مريم.

ما الذي اختارته مريم؟ ببساطة اختارت الإيمان، على غرار إبراهيم في القراءة الأولى، أي الإيمان بمجيء الله، الذي لا يأتي ليأخذ الحياة بل ليمنحها بحيث تكون كافية للجميع.

تكون هذه الحياة كافية للجميع تحديداً بسبب تغلّب الله على الموت، وعليه لا يمكن لهذه الحياة أن تؤخذ.

لقد اختارت مريم الحياة التي تتميز بالحرية، والتي يتمتع بها الإنسان الواثق بان الرب يهتم بحياته. وعليه، ليس من الضروري عمل أي شيء له، بل الجلوس وقبول ما سيمنحنا إياه.

إنه تصرف مصدره الإصغاء والاستماع والجلوس بالقرب من قدمي الرب الذي يُخلّصنا من علاقة الأخوة المبنية فقط على الحقوق والواجبات وعلى المقارنات والمفارقات.

وطالما لا يمكن لهذا الأمر الجوهري والنصيب الأفضل أن يُؤخذ منها فلا تحتاج مريم إلى البحث عن الربح وهي ليست خائفة من الخسارة.

لهذا السبب، تقوم مريم في الفصل ١٢ من إنجيل القديس يوحنا بفعل يخسّرها كل شيء دون أن تحسب للخسارة حسابا لأنها تحررت تحرر كاملا من الخوف من الموت.

يمكن للفتة الحب الحقيقي أن تحدث عندما ننتصر على الخوف من الموت.

إذا، ما الأمر الذي يطلبه يسوع من مرتا؟ لا يطلب منها أن تتخلى عن أعمال البيت ولا عن عدم تشتيت انتباهها بالأعمال الكثيرة. كما ولا يطلب منها أن تقوم بالأمور من دون تذمر ولا أن تضحي بنفسها من أجل الجميع. ولكن يسوع يخبرها أنها إن أصغت سيتحول موتها إلى حياة تماماً كما حدث مع أختها مريم وبخاصة مع أخيها ألعازر.

وهذه هي الطريقة الوحيدة لاكتساب واسترجاع الأُخوّة واكتساب الإخوة.

+ بييرباتيستا                                                        17 تموز 2022