جمال قعوار - رمز من رموز مرحلة

الكاتب : فتحي فوراني - حيفا

هل رأيتم كيف ينهمر الحرير ناعمًا!؟ لقد هدأت العاصفة..وانحسر الغبار..واتضحت خيوط المؤامرة.. لقد حدثت عملية سطو تاريخية..في غفلة من الدهر..والعُربان غافلون نائمون! وتمخّض الجبل..فولد إمبراطورية عظمى..فرفورة..ورشيقة القد! طُرد الفلسطيني صاحب البيت من بيته..وراح يهيم على وجهه مشردًا في ديار الغربة وفي جهات الدنيا الأربع! وظل الجرح جرحًا ينزف دمًا راعفًا يتدفق على جميع الجبهات ويملأ خارطة الدنيا!

جمال قعوار - رمز من رموز مرحلة

وعلى المشهد الشعري..تواصل القافلة مسيرتها..فيطلّ الشعراء الذين عضُوا على التراب بالنواجذ..وتمسّكوا بوطن آبائهم وأجدادهم..وكان خيارهم الوحيد والأوحد!

تصعد الكوكبة من الرماد..فتمشي على جراحها..وتنوء تحت أوزار النكبة..

غصّة تغوص في القلب..ورمح يرمح الخاصرة!

نستعرض الكوكبة التي تسير في الطليعة..والتي تحمل راية الشعر..وتغذّ الخُطى طموحًا للإطلال على مشارف الأمل!

فنلتقي توفيق زياد وحنا أبو حنا وعصام العباسي وحبيب قهوجي وحنا إبراهيم ومؤيد إبراهيم وجورج نجيب خليل وميشيل حداد وراشد حسين وجمال قعوار ومحمود دسوقي وآخرين.

كان جمال قعوار واحدًا من هذه الكوكبة التي آلت على نفسها إلا أن تواصل المسيرة لتحقيق الحلم!

كان جمال وصديقه راشد حسين التوأم السيامي الذي سار في طليعة الموكب واحتل مساحة بارزة في المشهد الشعري..وكان هذا التوأم "حديث الساعة" الشعري الذي دار النقاش حوله لدى الطلاب الثانويين الطموحين ولدى المهتمين في الميادين الأدبية.

الكاتب فتحي فوراني

وفي أعقاب هذا التوأم..بدأت طلائع "الربيع الأدبي" تهلّ مبشرة بالميلاد الشعري لشكيب جهشان وفرج نور سلمان وسميح القاسم ومحمود درويش وسليم مخولي وسالم جبران وإبراهيم مالك وأحمد حسين ونايف سليم وحسين مهنا وسعود الأسدي ويوسف ناصر وفوزي أسمر وفهد أبو خضرة وإدمون شحادة وفاروق مواسي وفوزي جريس عبد الله وحبيب شويري وأنطون شماس وطه محمد علي وتركي عامر ومفلح طبعوني وسهام داود وسميح صباغ وسلمان دغش وسلمان مصالحة ووهيب نديم وهبه وسعاد قرمان ومعين شلبية وحاتم جوعيه ونعيم عرايدي ومنير توما ورشدي الماضي وجورج فرح وأنور سابا ونداء خوري وشفيق حبيب وناجي ظاهر وسامي مهنا ومنيب مخول ومروان مخول وسيمون عيلوطي ونزيه قسيس وإياس ناصر وعلي هيبي وعطا الله جبر ومنى ظاهر ووجيه سمعان وزهيرة صباغ وكاظم إبراهيم ونزيه خير وسامر خير وآخرين كثيرين يضيق بهم فضاء هذا المقال.

أسوق هذه الأسماء "رزمة" واحدة دون ترتيب ودون تصنيف، ودون اعتبار للمسافات الزمنية بين الأجيال المتفاوتة والقيم الفنية لإبداعاتها والفترات الزمنية التي شهدت ميلادها الأدبي.

ملاحظة: إذا خانتني الذاكرة..ووقعت في مطبّ السهو والنسيان..وسهوت عن ذكر بعض الإخوة والأحبّة..فالمعذرة!

**

أما السنابل الجديدة والمباركة والتي نقدّر عطاءها الإبداعي..فقد بدأت أقلامها الشعرية تجتاح المشهد الأدبي في السنوات العشرين الأخيرة..وراح بعضها يشق طريقه ليحتل مكانة مرموقة واعدة. عدد هذه الأقلام كبير..ولا يتسع الفضاء الضيق لهذا المقال القصير للتوقف عندها وطرح السلام عليها والتعريف بأسمائها وإجراء الحوار معها وتقييم عطائها..ونرجو أن يتاح ذلك مستقبلًا..

**

كنا طلابًا ثانويين وفي صدورنا يتوثّب طموح بلا حدود ورغبة جامحة لأن ننطلق ونحلق في سماء الأدب.

كان جمال وراشد هما الشجرة الوارفة الظلال التي نلجأ إليها ونستظل بظلها، فنعرض عليهما خربشاتنا وتجاربنا الأدبية والشعرية الطلابية..ونسترشد بهما. كنت وصديقي فوزي جريس عبد الله نزور جمال في منزله، فيفتح لنا بيته ويفتح لنا قلبه، ويغمرنا بعاطفته الأبويّة والأخويّة ولا يبخل علينا بملاحظاته النقديّة البناءة. وكثيرًا ما كان بيننا تباين في الآراء ونقاشات حادة لم تخرج عن دائرة الروح الرياضية التي لم تفسد للودّ قضية. هذه النقاشات كانت تساهم في صقل الفكر والارتقاء بالذوق الأدبي والحسّ النقدي..وتضعه على صراط كان طموحنا أن يكون مستقيمًا.

**

الشاعر جمال قعوار

يجلس جمال على الكنبة المقابلة..فيلقي علينا من إبداعاته التي تفيض بالمشاعر المرهفة والموسيقى الحريرية الناعمة البعيدة عن الخطابية المنبرية.

هل رأيتم كيف ينساب الحرير ناعمًا!؟

لقد استمتعنا بوجدانياته ورقة أحاسيسه التي طرقت معظم الأبواب والمواضيع..وعكست الهمّ العاطفي والوجداني والاجتماعي والقومي والإنساني.

نودّعه..فيودّعنا معانقًا عناقًا حميميًا..ويحيطنا بذراعيه الدافئتين..

ما زال الدفء نائمًا على كتفيّ منذ أكثر من خمسين عامًا!

نودّعه وفي جعبتنا زوّادة أدبية مليئة بمخزون ثقافي ممتع..يثير فينا مشاعر الاكتفاء والرضا (الرضى)..ويحفزنا على المزيد من الفضول للبحث والتنقيب لاكتشاف المساحات والحدائق الأدبية التي نجهلها.

إن جمال واحد من رموز مرحلة..ساهمت في تشكيل خارطة الشعر الفلسطيني في هذا الوطن..

لقد غاب العديد من رموز الكوكبة الطليعية عن الدنيا..ولكنهم باقون في الوجدان والذاكرة..ولهم حضور عصيّ على الغياب..نراهم فنسلم عليهم ونجالسهم ونتحدث معهم..ونسمع صوتهم..ونغرف من ينابيعهم..وتهبّ علينا نسمات أنفاسهم..وتطربنا موسيقى إبداعاتهم..

إنه الحنين إلى أيام جميلة!

هؤلاء باقون خالدون..وعلى الغياب متمرّدون..

ويظل شعرهم راسخًا في وجداننا وفي نفوس عشاق الكلمة الجميلة الأصيلة..ويظل "جمالهم"..جمالًا ومنارة خضراء مشرقة تهتدي بها الأجيال الشعرية الآتية..

(من كتاب "شموع لا تنطفئ" الذي سيصدر قريبًا)