الطبيب الأديب د. يوسف حنا في حوار مع موقع "القيامة" حول الأدب والترجمة والموسيقى: الترجمة بالنسبة لي ليست مجرد ترجمة نصوص، إنما هي إبحار في النص بحثا ودراسة

القيامة - يوسف حنا، طبيب ينحدر من قرية الرامة الجليلية، يسكن في مدينة الناصرة، يعمل طبيبا باطنيا درس الطب في "التخنيون" ورومانيا، لوحق من قبل أجهزة الأمن الاسرائيلية على خلفية نشاطه السياسي. ناشط في عدة هيئات ثقافية، فهو رئيس ادارة جمعية "أورفيوس" للرقي بالموسيقى وعضو ادجارة جمعية "مسار" للتعليم البديل.

الطبيب الأديب د. يوسف حنا في حوار مع موقع "القيامة" حول الأدب والترجمة والموسيقى: الترجمة بالنسبة لي ليست مجرد ترجمة نصوص، إنما هي إبحار في النص بحثا ودراسة

من المعتاد عندما نتحدث إلى طبيب أن يتمحور اللقاء حول مواضيع تتعلق بمجال اختصاصه الطبي، لكن أن تجالس طبيبا وتكاد لا تذكر الطب وكل ما يتعلق به إلا عرضا، فانه أمر غير عادي، والأكثر إثارة أن يتمحور الحديث حول الأدب والثقافة واللغة العربية والترجمة الأدبية والنقد وغيرها من المواضيع التي تحلق معها في فضاءات روحانية.

ومن يراجع أسماء الأطباء الذين مارسوا الكتابة الابداعية شعرا ونثرا والفن الموسيقي والتشكيلي، لا يستغرب أن نصادف طبيبا مثل د. يوسف حنا، حيث سبق وتعرفنا في النصف من القرن الماضي الى الدكتور سليم  مخولي من كفرياسيف، والذي كان شاعرا ورساما إلى جانب كونه طبيبا، وسبق أن تعرفنا إلى أطباء مصريين اشتهروا كأدباء وفي مقدمتهم القاص المعروف الدكتور يوسف إدريس والكاتبة د. نوال السعداوي وزوجها الدكتور شريف حتاتة والدكتور الشاعر ابراهيم ناجي صاحب "الأطلال" ومن سوريا د. هناء البيطار وفي فلسطين الدكتور جمال سلسع، والقائمة تطول وتصل إلى عصور قديمة.

يعمل د. يوسف في المجال الأدبي على مشروع ترجمات أدبية عن عدة لغات منها الرومانية والانجليزية والعبرية، ومؤخرا أصدر مجموعة شعرية بعنوان "لا شيء مرتين"، للشاعرة البولندية ڤيسواڤا شمبورسكا الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 1996، وهي ثمرة عمل أربع سنوات عكف فيها على قراءة أعمال الشاعرة البولندية والعمل على ترجمتها. وجاء إصدار الكتاب بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاة الشاعرة شمبورسكا، وصممت غلافه الفنانة التشكيلية والشاعرة الجزائرية عنفوان فؤاد.

وبهذه المناسبة التقى رئيس تحرير موقع "القيامة"، الكاتب زياد شليوط الدكتور يوسف حنا في حديث صريح وشامل تناول مواضيع مختلفة في الأدب والفنون.

القيامة: دكتور يوسف حنا ماذا تحدثنا عن عملك الذي صدر مؤخرا؟

د. حنا: إن ترجمة القصائد إلى اللغة العربية استندت إلى ثلاث لغات حتى تظهر القصائد بصورتها الشعرية ودون أن تفقد شاعريتها. والشاعرة شيمبورسكا حكيمة، لمقدرتها على جمع آرائها الفلسفيّة وتفكيرها العميق والحاد مع مقدرة حسيّة وشاعرية عالية. ويضيف أن عنوان الديوان من اختياره، وهو عنوان إحدى قصائد الديوان. أما مواضيعه غير متداولة لدى سائر الشعراء وتقدمها شمبورسكا بأسلوب مغاير غير مطروق. 

القيامة: من هي الشاعرة شيمبورسكا؟

د. حنا: تعتبر شمبورسكا (1923- 2012) واحدة من أكثر شعراء عصرها تنوعا في استعمال الأساليب الأدبية، وتمتاز قصائدها باستحضارها القضايا الفلسفية والوجودية حتى أطلق عليها لقب "موتسارت الشعر"، تيمُّناً بعبقري الموسيقى النمساوي فولفغانغ موتسارت، إضافة إلى تبني مشروعها الشعري التأمل في بواطن الأشياء وبروح فكاهية ساخرة، حيث قالت في كلمة استلام جائزة نوبل "وحدهم الجلادون والدكتاتوريون والمأفونون ومتملقو الجماهير يعرفون، لكنهم يعرفون مرة واحدة إلى الأبد". وقد ترجمت قصائدها إلى أكثر من لغة عالمية وحصلت بالإضافة إلى نوبل، على جائزة غوته الألمانية عام 1991 عن أشعارها حيث صدر لها 16 مجموعة شعرية.

القيامة: ما هو أهم ما يشغل بال الدكتور يوسف في هذه المرحلة؟

د. حنا: مشروع الترجمة الذي أعمل فيه بجدية وبشكل شخصي تطوعي، وأكاد لا أعرف للنوم طعما من أجل انجاز الترجمات، التي تأخذ مني ساعات طوال خلال اليوم، لأن الترجمة بالنسبة لي ليست مجرد ترجمة نصوص، انما هي إبحار في النص بحثا ودراسة، فعملية ترجمة الشعر صعبة جدا بنظري لأنها تحتاج إلى دراسة وتفتح أبوابا للبحث عن كل كلمة. على سبيل المثال شمبورسكا تذكر في احدى قصائها أسماء معارك، مما تطلب البحث في كل الأسماء المذكورة، وذكرها في هامش كبير لتعريف القراء بها.

القيامة: الترجمة من لغة ثالثة ألا تفقد القصيدة جوهرها وجماليتها؟

د. حنا: هذا الأمر نتركه للنقاد المتخصصين، لكن أضيف أن من ترجم شعر شيمبورسكا للانجليزية هما مترجمين بولنديين ومتخصصين بالحداثة ومتمكنين من اللغتين، وترجمتهما قريبة جدا من الأصل، كذلك وجدت بعض القصائد مترجمة للرومانية، وقسم آخر قامت بترجمته الشاعرة الاسرائيلية داليا رابيكوفيتش للعبرية، وقمت باجراء ما يشبع عمل المصفاة من ثلاث لغات، وبهذا حافظت على جوهر الشعر وجماليته كما أعتقد.

القيامة: هل تتوفر لديك ترجمات أخرى من لغات أخرى؟

د. حنا: نعم لدي ترجمات عديدة من اللغة الرومانية، كذلك من والى اللغة الانجليزية، وقد أنجزت ترجمة ديوان "غودو يأكل أصابعه" للشاعرة الجزائرية عنفوان فؤاد، حيث ترجمت لها 29 نصا للغة الانجليزية. وهناك ترجمات لشاعر تونسي، شاعر عراقي، شاعرة كردية، شاعر مغربي وآخرين. وحاليا يقوم بالترجمة لدار "كيميت" في القاهرة. كما أنجزت ترجمة لقصائد شاعر عالمي كبير وأنتظر دار نشر لتصدر الديوان، وأفضّل عدم الكشف عنه في المرحلة الحالية.

القيامة: هل تتجنب ترجمة الشعر الفلسطيني، لم تذكر شاعرا فلسطينيا كما لاحظت؟

د. حنا: على العكس أنا لا أتجاهل الشعراء الفلسطينيين، لكن لم يتوجه إليّ أحد بهذا الخصوص، فأنا أترجم بناء على توجهات تصلني من دور نشر أو من الشعراء مباشرة.

القيامة: من أين استقيت موهبتك الشعرية ومن أين اكتسبت محبة ومعرفة اللغة العربية؟

د. حنا: ذلك يعود إلى مرحلة الدراسة الثانوية في قريتي الرامة، والفضل يعود لمعلميّ وخاصة المرحوم طيب الذكر الشاعر شكيب جهشان والناقد الدكتور نبيه القاسم، أمد الله في عمره، الذي جاء ليدرس في المدرسة بعد انهائه الدراسة الجامعية، جاء برؤية جديدة وأنشأ مجلة مدرسية ووزع المهام على الطلاب فتحملنا المسؤولية من البدايات، حيث أذكر اني استلمت صفحة التراث، فأخذت أزور كبار السن وأجمع القصص وأكتبها. لقد غرسوا فينا اللغة بشغف رغم كوننا طلابا في الفرع العلمي، وما زال طلاب فرعنا يتمتعون بمعرفة اللغة العربية بشكل جيد حتى يومنا هذا. كما أن الأستاذ شكيب فتح لنا اللغة من أوسع أبوابها، وكشف جمالياتها وكنوزها. تمتع المعلمون بحس وطني وتعاملوا مع اللغة كجزء من الانتماء والصمود، وقدموها لنا بشكل ممتع.

القيامة: لماذا لم تصدر ديوانا خاصا بك رغم انك تكتب الشعر؟

د. حنا: رغم أنني أنظم الشعر منذ أيام الدراسة الثانوية، وتجمع لدي كم كبير من القصائد إلا أني لم أصدر أي ديوان خاص بعد، وذلك لأسبابي الخاصة والتي ألخصها في ثلاثة اعتبارات يعاني منها أدبنا المحلي: أزمة قراءة، اسهال في الاصدارات، الافتقار لحركة نقدية جدية. 

القيامة إضافة إلى الترجمة ونظم الشعر وكتابة المقالات الأدبية، فان الدكتور يوسف يهوى الموسيقى ويمارسها كهواية، من أين استقيت الميل إلى الموسيقى؟

د. حنا: اكتسبت محبة الموسيقى من الوالد، الذي درس الفلسفة واللاهوت والترانيم الكنسية في البطريركية اللاتينية في بيت جالا، استعدادا للكهنوت، تفتحت عيناي على هذه الأجواء، لكني انقطعت عنها أيام الدراسة العليا، وعدت إليها مؤخرا من نافذة أخرى، حيث أعمل وأنشط في نشر الثقافة الموسيقية في مجتمعنا، من خلال جمعيات ومؤسسات.