الإيمان هو رؤية الله في كل خلقه - مرقس ٧: ١٤-٢٣

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

١٤ ودعا الجَمعَ ثانِيةً وقالَ لَهم: أَصغوا إِليَّ كُلُّكُم وافهَموا: ١٥ ما مِن شَيءٍ خارجٍ عنِ الإِنسان إِذا دخَلَ الإِنسانَ يُنَجِّسُه. ولكِن ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان. ١٧ ولمــَّا دخَلَ البَيتَ مُبتَعِدًا عنِ الجَمْع، سأَلَهُ تَلاميذُه عَنِ المــَثَل، ١٨ فقالَ لَهم: أَهكَذا أَنتم أَيضاً لا فَهمَ لكم؟ أَلاَ تُدرِكونَ أَنَّ ما يدخُلُ الإِنسانَ مِنَ الخارِج لا يُنَجِّسُه، ١٩ لأَنَّهُ لا يَدخُلُ إِلى القَلْب، بل إِلى الجَوْف، ثُمَّ يَذهَبُ في الخَلاء. وفي قَولِه ذلك جَعَلَ الأَطعِمَةَ كُلَّها طاهِرة. ٢٠ وقال: ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان، لأَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المــَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ ٢٢ والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمــَكْرُ والفُجورُ، والحَسَدُ، والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة. ٢٣ جَميعُ هذِه المــُنكَراتِ تَخرُجُ مِن باطِنِ الإِنسانِ فتُنَجِّسُه.

الإيمان هو رؤية الله في كل خلقه - مرقس ٧: ١٤-٢٣

الحرب ١٢٣

"أَرسِلْ نورَكَ وحَقَّكَ هما يَهدِياني إِلى جَبَلِ قُدسِكَ وإِلى مَساكِنِكَ يوصِلاني. فأَدخُلُ إِلى مَذبَحِ الله إِلى إِلهِ فَرَحي وابتِهاجي، وبِالكِنَّارةِ أَحمَدُكَ يا أَللهُ إِلهي. لِمَاذا تَكتَئِبينَ يا نَفْسي وعلَيَّ تَنوحين؟ ارتَجي اللهَ فإِنِّي سأَعودُ أَحمَدُه. وهو خَلاصُ وَجْهي وإِلهي" (مزمور ٤٣: ٣-٥).

"أَرسِلْ نورَكَ وحَقَّكَ"، يا رب، إلى هذه الأرض. أعط رؤساءها أن يروا الحق، ولا يبدّلوه برؤى من عندهم، أعطهم نورك وبدِّدْ كل ظلام في قلوبهم، حتى يروك، حتى يروا حقيقة أنفسهم، وإخوتهم، - حتى يروا أنفسهم وإخوتهم أبناء لك. كلهم أبناء وإخوة. إذاك تتوقف الحرب، وتتوقف عذابات غزة، وكل المدن والقرى الفلسطينية. ويرى الأسرى كلهم الحرية ويعودوا إلى أحبائهم. وتصير الأرض من جديد أرض إنسان، وأرضك، يا الله. تصير أرضنا مكان سكناك، يا رب. ارحمنا يا رب.

إنجيل اليوم

"ودعا الجَمعَ ثانِيةً وقالَ لَهم: أَصغوا إِليَّ كُلُّكُم وافهَموا: ما مِن شَيءٍ خارجٍ عنِ الإِنسان إِذا دخَلَ الإِنسانَ يُنَجِّسُه. ولكِن ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان" (١٤-١٥).

عاد يسوع إلى الموضوع نفسه، الأطعمة الطاهرة والنجسة، مع الجموع، ثم مع تلاميذه على حدة. الموضوع مهم. الله يعطي الوصايا للإنسان، والإنسان لا يبدل وصايا الله بتعليمات وعوائد من عنده. كل ما صنعه الله فهو حسن. الخليقة كلها حسنة وصالحة. والديانة هي عبادة الله بالروح والحق. لا يقوم الإيمان بماذا تأكل وماذا لا تأكل، بل بمحبة الله وكل خلق الله. الإيمان هو رؤية الله في كل خلقه. رؤية الله في الأشياء والأشخاص. الأرض مكان سكنى الله والإنسان. وليس الإنسان وحده، معرَّضًا للتيه والضلال، وتدمير ما صنعه الله، الخليقة أو أخاه الإنسان. الإنسان مع الله، قادر صالح بقدرة الله وصلاحه.

الامتناع عن بعض الطعام أو الشراب هو وسيلة زهد يلتزمها المؤمن ليضع حدًّا لنزعته إلى الأرض فقط، التي تُنسِيه خالق الأرض. يمتنع لا لأن الطعام نجس، بل لأنه جيد، ويتدرب على الزهد فيه ليقوي إرادته، وليبقي اتجاهه إلى الله، ولكي لا تغلب عليه نزعات تبعده عن الله خالقه وأبيه.

قال لهم يسوع أيضًا: " ما يَخرُجُ مِنَ الإِنسان هو الَّذي يُنَجِّسُ الإِنسان، لأَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المــَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ ٢٢ والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمــَكْرُ والفُجورُ، والحَسَدُ، والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة. ٢٣ جَميعُ هذِه المــُنكَراتِ تَخرُجُ مِن باطِنِ الإِنسانِ فتُنَجِّسُه" (٢٠-٢٣)

ليس الطعام الذي ينجس الإنسان. بل ما يخرج من الإنسان من أفكار وأقوال وأعمال تعتدي على كرامة الإنسان نفسه في ذاته أو في إخوته. ونعود إلى الوصية الأولى والكبرى. أحبب الله وأحبب قريبك. ونعود إلى كل ما يعمل الإنسان من أعمال خارجية يعبر بها عن إيمانه: الصيامات والصلوات الكثيرة. قال يسوع صلوا ولا تملوا. وقال: اسهروا. وقال: إن صمتم لا تعبسوا، حتى لا يظهر للناس أنكم صائمون، بل لله فقط الذي تعبدونه. ظلوا أنتم حاضرين أمام الله أبيكم، في كل صلاة وعبادة تقدمونها أمامه تعالى: ولا تتركوا الصلوات اليومية والصيامات تصير طقوسًا وتقاليد الله غائب عنها. ولا تحوِّلوا أعمال العبادة إلى أعمال مراءاة لتظهروا أمام الناس أنكم صالحون. ولا تنقضوا أعمال عبادتكم بإساءتكم لأحد إخوتكم.

ربي يسوع المسيح، علمتنا أن الخليقة كلها مقدسة لأنها صنع يديك. وأن إمكانية الشر هي في أنفسنا. أعطنا القوة لنقاوم كل نزعة إلى الشر فينا، ونبقى في القداسة التي تريدنا أن نكون فيها. آمين.

الأربعاء ٧/٢/ ٢٠٢٤             بعد الأحد الخامس من السنة/ب