يسوع يواجه حالة غير منطقية - لوقا ٧: ٣١-٣٥

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

٣١ فَبِمَن أُشَبِّهُ أَهلَ هٰذا الجِيل؟ ومَن يُشبِهون؟ ٣٢يُشبِهونَ أَولادًا قاعِدينَ في السَّاحَةِ يَصيحُ بَعضُهم بِبَعضٍ فيَقولون: زَمَّرْنا لَكُم فلَم تَرْقُصوا، نَدَبْنا فلَم تَبْكوا. ٣٣جاءَ يوحنَّا المــَعمَدان لا يأكُلُ خُبزًا ولا يَشرَبُ خَمرًا، فقُلتُمْ: لقَد جُنَّ. ٣٤وجاءَ ابنُ الإِنسانِ يأكُلُ ويَشرَب، فقُلتُم: هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَديقٌ لِلجُباةِ والخاطِئين. ٣٥ولٰكِنَّ الحِكمَةَ قد بَرَّها جَميعُ بَنيها.

يسوع يواجه حالة غير منطقية - لوقا ٧: ٣١-٣٥

الحرب. اليوم ٣٤٧

"لا تَترُكْني أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهي، ولا تَتَباعَدْ عنِّي. أَسرِعْ إِلى نُصْرتي، أَيُّها السَّيِّدُ خَلاصي" (مزمور ٣٨: ٢٢-٢٣).

ارحمنا، يا رب. "لا تَترُكْني، أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهَنا، ولا تَتَباعَدْ عنَّا. أَسرِعْ إِلى إغاثَتِنَا". إن تركتنا أنت يا رب فإلى من ملجأ؟  أنت كل شيء، أنت تحِبُّنا، وأنت الذي تخلِّصُنا. باطل كل اتكال على الناس. الشرُّ أفناهم. لم يبقَ فيهم سوى الموت والمقدرة على الدمار. لا يعرفون ما صاروا يصنعون. يظنون أنفسهم قادرين على كل شيء، وهم لا يقدرون على شيء، ما عدا الموت والدمار والكراهية. اللهم، اشفِ الإنسانية المسكينة المتبقية في أرضك المقدسة. افدِهَا من جديد. أظهِرْ لنا محبَّتَك، واخلق فيها الإنسان الجديد. ارحمنا، يا رب.

إنجيل اليوم

" فَبِمَن أُشَبِّهُ أَهلَ هٰذا الجِيل؟ ومَن يُشبِهون؟ ٣٢يُشبِهونَ أَولادًا قاعِدينَ في السَّاحَةِ يَصيحُ بَعضُهم بِبَعضٍ فيَقولون: زَمَّرْنا لَكُم فلَم تَرْقُصوا، نَدَبْنا فلَم تَبْكوا. ٣٣جاءَ يوحنَّا المــَعمَدان لا يأكُلُ خُبزًا ولا يَشرَبُ خَمرًا، فقُلتُمْ: لقَد جُنَّ. ٣٤وجاءَ ابنُ الإِنسانِ يأكُلُ ويَشرَب، فقُلتُم: هُوَذا رَجُلٌ أَكولٌ شِرِّيبٌ لِلْخَمْرِ صَديقٌ لِلجُباةِ والخاطِئين. ٣٥ولٰكِنَّ الحِكمَةَ قد بَرَّها جَميعُ بَنيها" (٣١-٣٥).

يسوع في هذا الإنجيل وجد الناس من حوله في وضع لا منطقي. جاء يحمل رسالة من السماء، وهو نفسه كلمة الله الأزلي صار إنسانًا بين الناس، فلم يقبله الناس. وجاء يوحنا من قبله يبشِّر به، ويعِدُّ الطريق له، فسلك طريق النسك وعاش في البرية. ولم يؤمن الناس به. يسوع جاء ولم يسلك طريق النسك ولا عاش في البراري، بل عاش بين الناس، متنبِّهًا لهموم الناس وأمراضهم، يعظ ويعلِّم ويشفي، ويقبل دعوة الناس إلى الولائم، فاتهموه بأنه يأكل مع الخطأة...

شبَّهَ يسوع أهل زمنه بالأولاد، الذين لا يأخذون الأمور على محمل الجد، ولا هم منطقيون في تصرفاتهم. بل هم قادرون على المنطق: رفقاؤهم يطالبونهم بالمنطق: بالفرح مع الفرحين والبكاء مع الباكين. لكنهم ليسوا جدّيِّين في تصرفاتهم. مِثلُهم معاصرو يسوع: جاء يوحنا زاهدًا ناسكًا، فقالوا هذا ليس من الشريعة. وجاء يسوع يعيش مع الناس ومثل الناس، ومحبًّا للبشر، فلم يقبلوه أيضًا.

ولٰكِنَّ الحِكمَةَ قد بَرَّها جَميعُ بَنيها" (٣٥). الحكمة من الله، وأبناؤها هم العاقلون المؤمنون بالله، والقادرون على سماع رسل الله. الحكمة، الشريعة نفسها تبرأت ممن يدعي الالتزام بها، لأنهم لم يعترفوا بمن أرسله الله الآب.

المسيحي المؤمن ما هو المنطق في تصرفه؟ آمن بيسوع. قال: ها أنا، يا رب. دعوتني، فسمعت صوتك، وأريد أن أسير بحسب تعليمك. أنا تلميذك، إذن أنا أقتدي بك، أطيع كل ما علَّمتني. أقرأ إنجيلك، وأتأمل فيه. لكن، أنا أيضًا أحيانًا لست جدِّيًّا في إيماني، لست منطقيًّا في تعاملي معك، لا أهتم لقراءة إنجيلك، ولا أقتدي بك، أنساك، فأحيا حياتي في هذه الأرض وحدي، بحسب ما أرى، وبحسب ميولي أو أهوائي. كذلك "الكبار" في زمنك، لم يقدروا حتى على التشبه بالأولاد: أن يكونوا منطقيين مثلهم، فيؤمنوا بيوحنا المعمدان الناسك، أو يؤمنوا بك أنت المتكلم بسلطان، وصانع المعجزات وشافي الأمراض...فتبرأت الحكمة منهم.

ونحن هل تتبرأ الحكمة منا؟ هل يتبرأ منا الإيمان بالله؟ كلا، الله أبونا لا يتركنا، ويبقى يعرفنا، ويقبلنا بالرغم من كل تيه أو عدم منطق فينا.

القضية نفسها دائما. الله ونحن. هل نَقبَلُهُ أم نرفضه أم نتجاهله؟ الله أتى إلينا ويأتي إلينا وهو معنا. لكن نحن لا نعمل الجهد الكافي لنكون معه. وذلك أحيانًا لجهلٍ فينا، أو لعجزٍ بلغناه بالشر الذي صار فينا، أو لنقصٍ في نضوجنا فلا نقدر أن نرتفع فوق الأنا فينا، وأحيانًا لكبرياء فينا، ولتضخم زائد في ذاتنا، لأننا صرنا إلهًا لأنفسنا، ففقدنا حكمتنا، وصرنا لا نسمع ولا نرى الله خالقنا وأبانا.

مسيحي، مؤمن يمكن أن يسير في الطريق الذي يختاره، إما ناسكًا زاهدًا، مكرَّسًا، بعيدًا عن العالم، وإمَّا علمانيًّا حيًّا في العالم، وفي كلا الحالتين، فيه الشوق الوحيد لرؤية الله، ولسماع كلمته.

في كل حالة، مكرسة أو عادية، الحياة معركة مع الذات، للبقاء في الرغبة الأصلية، الشوق إلى الله، ومحبة القريب الذي هو الطريق الأكيد الذي يؤدي إلى الله. علماني أو مكرس، ينظر المؤمن إلى العلى، يُمِيل أذنه ليسمع ما يقول الله، وليضيء حياته بحسب تعليم الله.

ربي يسوع المسيح، أعطني أن أبقى مصغيًا إلى صوتك، وصوت رسلك، ولأقرأ حكمتك في كل الأحداث، واجعَلْ أنت حياتي ممتلئة دائمًا بالشوق إليك. آمين.

الأربعاء ١٨/٩/ ٢٠٢٤          بعد الأحد ٢٤ من السنة/ب