يسوعُ وتَلاميذُه في قُرى قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس - مرقس ٨: ٢٧-٣٥
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس
٢٧وذَهبَ يسوعُ وتَلاميذُه إِلى قُرى قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس، فسأَلَ في الطَّريقِ تَلاميذَه: «مَن أَنا في قَولِ النَّاس؟» ٢٨فأَجابوه: «يوحَنَّا المَعمَدان. وبَعضُهُم يقول: إِيلِيَّا، وبَعضُهُم الآخَرُ: أَحَدُ الأَنبِياء». ٢٩فسأَلَهم: «ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟» فأَجاب بُطرس: «أَنتَ المسيح». ٣٠فنَهاهُم أَن يُخبِروا أَحَدًا بِأَمرِه ٣١وبَدأَ يُعَلِّمُهم أَنَّ ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ علَيه أَن يُعانيَ آلامًا شديدة، وأَن يرْذُلَه الشُّيوخُ وعُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يقومَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام. ٣٢وكانَ يقولُ هٰذا الكلامَ صَراحةً. فانفَرَدَ بِهِ بُطرُس وجَعَلَ يُعاتِبُه. ٣٣فالتَفَتَ فَرأَى تَلاميذَه فزَجَرَ بُطرسَ قال: «انسَحِبْ! وَرائي! يا شَيطان، لِأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ الله، بل أَفكارُ البَشَر. ٣٤ودَعا الجَمعَ وتَلاميذَه وقالَ لهم: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. ٣٥لِأَنَّ الَّذِي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارة فإِنَّه يُخَلِّصُها"
الحرب. اليوم ٣٤٤
"انحَنَيتُ جِدًّا وتَحَدَّبتُ، وبِالحِداد طَوالَ النَّهارِ مَشَيتُ. امتَلأَتْ كُلْيَتايَ التِهابًا، ولا صِحَّةَ في جَسَدي. وَهَنتُ جِدًّا وانسَحَقتُ، ومِن زَئيرِ قَلْبي زَمجَرتُ" (مزمور ٣٨: ٧-٩).
ارحمنا، يا رب. نعم، "انحَنَيتُ جِدًّا وتَحَدَّبتُ، وبِالحِداد طَوالَ النَّهارِ مَشَيتُ. امتَلأَتْ كُلْيَتايَ التِهابًا، ولا صِحَّةَ" في كل غزة، بل موت وإنسان يهين الإنسان. ارحمنا، يا رب. أنت وحدك ترى كل شيء، أنت وحدك ترحم. استجبنا يا رب. مع الموت "طَوالَ النَّهارِ مَشَيتُ". خارت قواي. في الموت، في الأمراض، في الجوع والعطش تحت شمس الصيف المحرقة. ارحمنا، يا رب. رُدَ قلب الإنسان إليك، ردَّ إليك قلوب الذين يقتلوننا، والذين يسوموننا أنواع العذاب. ألست أنت السيد، يا رب؟ ألست أنت ربَّ الكون؟ هل يقف إنسان أمامك؟ ارحمنا، يا رب.
إنجيل اليوم
"وذَهبَ يسوعُ وتَلاميذُه إِلى قُرى قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس، فسأَلَ في الطَّريقِ تَلاميذَه: «مَن أَنا في قَولِ النَّاس؟» ٢٨فأَجابوه: «يوحَنَّا المَعمَدان. وبَعضُهُم يقول: إِيلِيَّا، وبَعضُهُم الآخَرُ: أَحَدُ الأَنبِياء». ٢٩فسأَلَهم: «ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟» فأَجاب بُطرس: «أَنتَ المسيح» (٢٧-٢٩).
من أنا، لكم؟ أراد يسوع أن يعرفه تلاميذه، أنه مسيح الله. ثم كمَّل معرفتهم وقال لهم إن المسيح ابن الله الحي " يَجِبُ علَيه أَن يُعانيَ آلامًا شديدة، وأَن يرْذُلَه الشُّيوخُ وعُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يقومَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام" (٣١). هذا هو يسوع، الآتي من عند الآب، الواحد هو والآب، كلمة الله الأزلي، المسيح، الذي صار إنسانًا ليتألم ويموت ويقهر الموت ويقوم من بين الأموات.
ووعظ الرسل، بعد صعود يسوع، بهذا المسيح الذي مات ثم قام.
هذا هو المسيح الذي نؤمن به، الذي أومن به. المسيح الذي يسألني دائمًا: من أنا، لك؟ في حياتك اليومية، في همومك، في أفراحك، في نجاحك، في فشلك، في حروبك، في اللامعنى واللاإنسانية في غزة، وفي كل الحرب في الضفة الغربية، في كل هذا: من أنا، لك؟
هل أرى أعماق الأبدية؟ هل أرى فيها كلمة الله الأزلي، يسوع الواحد مع الآب؟ هل أسمعه يدعوني: تعال، ارتفِعْ، إلى العلى، فوق نفسك، وفوق الأرض، وفوق كل شر الأرض التي يجب تطهيرها، تعال، ارتفِعْ إلى العلى، إلى ينبوع الحياة، وكل حياة بشرية. توقَّفْ واسترِحْ في وسط حياتك على الأرض، اصعَدْ إلى الجبل وحدك حتى تجد هناك يسوع وحده في القفر، وتتأمل فيه في أبديته، وفي نوره، وفي حبه الذي يخلِّص الأرض، وينتصر على الخطيئة.
من أنا لك؟ ومن أنت؟ اسأل نفسك: من أنت؟ السؤال يدعو إلى التوقف والتفكير وبلوغ الحقيقة. من أنت أمام الله أبيك؟ من أنا في نور الأبدية؟ من أنا في سر يسوع المسيح؟
خلقني الله على صورته ومثاله، قادرًا على الحب مثله.
من أنا، فلان؟ وما هي رسالتي بين ويلات الأرض؟
ومن هو يسوع المسيح، لي؟ هو الله معي، هو الذي جاء إلى الأرض وتألم ومات وقام. وأنا مدعُوٌّ لأن أكون معه في الأبدية مع الآب، ومعه في آلامه وموته على الأرض. ومعه في قيامته، على الأرض. لن أكون أبدًا وحدي، على الأرض، دائمًا مع يسوع، مع العمانوئيل، الله معي.
"ودَعا الجَمعَ وتَلاميذَه وقالَ لهم: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِهِ ويَحمِلْ صَليبَه ويَتبعْني. ٣٥لِأَنَّ الَّذِي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذِي يَفقِدُ حَياتَه في سبيلي وسبيلِ البِشارة فإِنَّه يُخَلِّصُها" (٣٤-٣٥)
للبقاء مع يسوع ابن الله في الأبدية، ومعه في الأرض، يجب حمل الصليب والسير معه، يجب أن أخسر الأرض لأكسبها من جديد، يجب أن أعطيها لأقبلها من جديد، يجب أن أعطيها لإخوتي وأخواتي، ثم أجدها كنزًا محفوظًا لي لدى الآب. أفقد الحياة لأجدها. يسوع مات ثم قام. وأنا مدعُوٌّ لأن أصنع من كل موت طريقًا إلى القيامة، إلى تغيير الأرض، بموتي في كل نشاطاتي وفي عطائي نفسي لإخوتي، حتى تعرف الأرض نفسها، وحتى يعرف كل إخوتي فيها القيامة والحياة الجديدة.
ربي يسوع المسيح، من أجلنا ومن أجل خلاصنا، صرت إنسانًا. ومُتَّ وقمْت من بين الأموات. أعطني أن أبقى معك، في الأبدية، وعلى الأرض، حتى نقدر أن نخلِّص الأرض معك. آمين.
الأحد ١٥/٩/ ٢٠٢٤ الأحد ٢٤ من السنة/ب