يسوع في الناصرة، قريته الصغيرة - مرقس ٦: ١-٦
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس
١وانصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه. ٢ولمــَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المــَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المــُعجِزاتِ المــُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟ ٣ أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟ وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة. فقالَ لهم يسوع: لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلَّا في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه. ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المــُعجزات، سِوى أَنَّه وَضَعَ يَديَهِ على بَعضِ المــَرْضى فَشَفاهم. وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المــُجاوِرَةِ يُعَلِّم.
الحرب. اليوم ٢٧٥
"لأَنَّكَ قُلتَ: الرَّبُّ مُعتَصَمِي، وجَعَلتَ العَلِيَّ لَكَ مَلْجَأً. الشَّرُّ لا يَنالُكَ ولا تَدْنو الضَّربَةُ مِن خَيمَتِكَ: لأَنَّه أَوصى مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ في جَميعِ طُرُقِكَ. على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لئَلَّا تَصدِمَ بحَجَرٍ رِجلَكَ" (٩١: ٩-١٢).
ارحمنا، يا رب. إنا نتابع صلاتنا مع المزمور: " الرَّبُّ مُعتَصَمِي، وجَعَلتَ العَلِيَّ لَكَ مَلْجَأً. الشَّرُّ لا يَنالُكَ ولا تَدْنو الضَّربَةُ مِن خَيمَتِكَ: لأَنَّه أَوصى مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ في جَميعِ طُرُقِكَ". إنَّا نؤمن يا رب، وفيك وضعنا ثقتنا وعليك اتكالنا. لكنَّا نتألم يا رب، عذاباتنا كثيرة. في كل غزة وفي رفح الموتى والأحياء يتقاسمون الأرض، ولا نرى أي مستقبل لنا. أنت، يا رب، أُفُقُنا ومستقبلنا، ورجاؤنا فيك. ارحمنا، يا رب.
إنجيل اليوم
"وانصَرَفَ مِن هُناكَ وجاءَ إِلى وَطَنِه يَتبَعُه تَلاميذُه. ولمــَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المــَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المــُعجِزاتِ المــُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟ أَلَيسَ هذا النَّجَّارَ ابنَ مَريَم، أَخا يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟ وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة" (١-٣).
يسوع في الناصرة، قريته الصغيرة، حيث نشأ وكبر. يعرفه الناس، هو النجار، ابن مريم، وإخوته/وأبناء عمومته، يعرفونه... وهو في المجمع يعلِّم. مريم وحدها كانت تعرف، وتحفظ كل شيء في قلبها. أما الباقون فلم يقدروا أن يعرفوا من هو يسوع النجار بينهم. السماء عالية، وسر الله فوق معرفة القرية.
مع أن القرية لم تكن من "كبار" ذلك الزمن، بل من الصغار الذين يُظهِر لهم الآب نفسه.
معرفة يسوع. المختارون منذ الأزل أعطِيَ لهم أن يعرفوه، مريم ويوسف، والتلاميذ الأولون ... والصغار الذين يُظهِر الله لهم حكمته. أهل الناصرة كانوا من هؤلاء الصغار وفقراء الله. ومع ذلك، لم يرَوا في يسوع أكثر من النجار ابن القرية. أمَّا يسوع فلم يكن فقط ابن القرية. وهم أرادوه فقط كذلك، نجّارًا في القرية. ويسوع أراد ذلك أيضًا، لكنه أيضًا كلمة الله. وفيه تحقَّقت النبؤات: العميان يبصرون، والعرج يمشون، والصم يسمعون... وطوبى لمن يرى ويؤمن.
معرفة يسوع. نحن المسيحيين، الذي وُلِدْنا مسيحيين، وتعمَّدنا صغارًا، يسوع وسرُّه نحن معتادون عليه. منذ الطفولة ذهبنا (بعضنا، وبعضنا لا) إلى الكنيسة كل أحد، وصلينا وصمنا.
لكن أيَّ جهد اجتهدنا لتفوق معرفتنا معرفة أهل الناصرة؟ هل نقرأ ونتأمل في الإنجيل؟ هل نفكر في كل حادثة في حياتنا في ضوء ما يقول يسوع في الإنجيل؟ كل الحياة، كل دقائق الحياة، هل أقرأها في نور الإنجيل؟
في حياتي اليومية، هل أنا وحدي؟ أم أنا أكثر من نفسي؟ هل الإنجيل معي؟ هل الله معي؟ هل كل أفراح وأحزان إخوتي وأخواتي هي جزء من حياتي؟
معرفة يسوع هي معانقة الأرض كلها، وكل واقعي، بكل آلامه، وكل الحرب التي نعيش فيها، وتحويل ذلك كله إلى صلاة أرفعها إلى أبي الذي في السماوات.
يسوع أخونا نحن أيضًا، لكن ليس بحسب أخُوّة القرية، ليس أخي في همومي وحدها، وليس أخي في طائفتي وحدها. نحن تلاميذ يسوع، ونؤمن بيسوع كلمة الله، صار إنسانًا، من أجل كل البشر، من دون استثناء. فهل حياتي هي حياة الجميع؟ هي آلام الجميع، وأمراضهم وعذاباتهم، وهي فقر الفقراء وجوع كل جائع، وعطش كل عطشان، وفاجعة كل من دُمِّر بيته، وكل الذين أوقفوا وألقي بهم في السجون والتعذيب؟ هل حياتي هي هذا كله؟ هل هي حياة يسوع، حياة كل من يحبهم يسوع، أعني الجميع من دون استثناء؟
معرفة يسوع، لنا نحن المولودين في معرفته، بنعمة الله، هي أن نفتح قلبنا لنعانق الأرض كلها وكل ما يعانقه قلب يسوع.
معرفة يسوع هي الحياة مع يسوع، وله، هي التأمل في الإنجيل، وهي الاقتداء به، والمحبة بمثل محبته، وهي أن أحمل هموم الأرض، وهموم الجميع. الاقتداء بالله وقلب مثل قلب الله.
ربي يسوع المسيح، في الناصرة، مواطنوك لم يعرفوك. ونحن المسيحيين المولودين في معرفتك، مثلهم نحن أيضًا لا نعرفك. ونوشك أن نبقى في المظاهر، في انتماء بشري لجماعة بشرية، في الرعية. أعطنا أن ننتمي إليك، وأن ندخل في نورك، فنعرفك معرفة حقيقية، وأعطني قلبًا كبيرًا مثل قلبك يرى الجميع ويهتمّ للجميع. آمين.
الأحد ٧/٧/ ٢٠٢٤ الأحد الرابع عشر من زمن السنة/ب