مثل الوزنات - متى ٢٥: ١٤-٣٠

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا

"مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ السَّفَرَ، فَدَعَا خَدَمَهُ وَسَلَّمَ إلَيهِم أَموَالَهُ. فَأَعطَى أَحَدَهُم خَمسَ وَزَنَاتٍ وَالثَّانِي وَزنَتَيْنِ وَالآخَرَ وَزنَةً وَاحِدَةً، كُلًّا مِنهُم عَلَى قَدرِ طَاقَتِهِ، وَسَافَرَ" (١٤-١٥).

مثل الوزنات - متى ٢٥: ١٤-٣٠

 

١٤. فمثل ذلك كمثل رجل أراد السفر، فدعا خدمه وسلم إليهم أمواله. 

١٥. فأعطى أحدهم خمس وزنات والثاني وزنتين والآخر وزنة واحدة، كلًّا منهم على قدر طاقته، وسافر. 

١٦. فأسرع الذي أخذ الوزنات الخمس إلى المتاجرة بها فربح خمس وزنات غيرها. 

١٧. وكذلك الذي أخذ الوزنتين فربح وزنتين غيرهما. 

١٨. وأما الذي أخذ الوزنة الواحدة، فإنه ذهب وحفر حفرة في الأرض ودفن مال سيده. 

١٩. وبعد مدة طويلة، رجع سيد أولئك الخدم وحاسبهم. 

٢٠. فدنا الذي أخذ الوزنات الخمس، وأدى معها خمس وزنات وقال: يا سيد، سلمت إليَّ خمس وزنات، فإليك معها خمس وزنات ربحتها. 

٢١. فقال له سيده: أحسنت أيها الخادم الصالح الأمين! كنت أمينًا على القليل، فسأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيدك. 

٢٢. ثم دنا الذي أخذ الوزنتين فقال: يا سيد، سلمت إلي وزنتين، فإليك معهما وزنتين ربحتهما. 

٢٣. فقال له سيده: أحسنت أيها الخادم الصالح الأمين! كنت أمينًا على القليل، فسأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيدك. 

٢٤. ثم دنا الذي أخذ الوزنة الواحدة فقال: يا سيد، عرفتك رجلًا شديدًا تحصد من حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم توزع، 

٢٥. فخفت وذهبت فدفنت وزنتك في الأرض، فإليك مالك. 

٢٦. فأجابه سيده: أيها الخادم الشرير الكسلان! عرفتني أحصد من حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أوزع، 

٢٧. فكان عليك أن تضع مالي عند أصحاب المصارف، وكنت في عودتي أسترد مالي مع الفائدة. 

٢٨. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي معه الوزنات العشر: 

٢٩. لأن كل من كان له شيء، يعطى فيفيض. ومن ليس له شيء، يُنتَزعُ منه حتى الذي له. 

٣٠. وذلك الخادم الذي لا خير فيه، ألقوه في الظلمة البرانية. فهناك البكاء وصريف الأسنان.

 

          الحرب. اليوم ٤٣

          يا رب، ارحم. الأخبار هي هي، أخبار موت ودمار. ونفوس مليئة بالانتقام. إنسان لم يعد يعرف أنه إنسان. يا رب، ارحم. في إنجيل اليوم، أعطيتنا، يا رب، وزنات. أعطيتنا العطايا، لنستثمرها. واليوم، في هذه الأرض المقدسة، استثمروها في الحرب. أسوأ من صاحب الوزنة الواحدة الذي استولى عليه الحرد... هو على الأقل لم يصنع الحرب، ولم يقتل أحدًا... لكنه عوقب لأنه رفض عطاياك. الحرب أيضًا، يا رب، رفض لعطاياك. إنها استثمار في الشر. في حياة الإنسان لحظات يصبح فيها فاقد الوعي. يصير لا يعرف ماذا يصنع، بالرغم من كل مخططاته، واستشاراته في مجالس الحرب. صار لا يعرف، ووقع في جهل صعب وقاسٍ على نفسه وعلى إخوته. خلِّصْنا، يا رب، من شر أنفسنا، ومن قسوة أنفسنا. علِّمْنا أن نستثمر في الخير فقط، لا في موت إخوتنا، بل في محبتهم.  

       إنجيل اليوم.

       مثل الوزنات.

       "مَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَرَادَ السَّفَرَ، فَدَعَا خَدَمَهُ وَسَلَّمَ إلَيهِم أَموَالَهُ. فَأَعطَى أَحَدَهُم خَمسَ وَزَنَاتٍ وَالثَّانِي وَزنَتَيْنِ وَالآخَرَ وَزنَةً وَاحِدَةً، كُلًّا مِنهُم عَلَى قَدرِ طَاقَتِهِ، وَسَافَرَ" (١٤-١٥). 

       الله يعطينا، كل واحد بحسب حاجته، وبحسب مسؤولياته. ثم، الله لا يسافر، نحن نسافر في رحلة الحياة، مزوَّدين بالعطايا التي وهبنا إياها الله. الحياة، الأيام والساعات هي زمن لنحيا لا لنموت، زمن لنعمل، لا لنبقى بلا عمل. عطايا الله رسالة يكلِّفُنا بها الله. وحياة الإنسان هي إتمام لهذه الرسالة التي تسلَّمْناها. ثم يجب أن نؤدِّيَ الحساب. الله يحاسبنا. إنه أبونا، ويفرح لكل جهد بذلناه حتى نعود إليه حاملين بين أيدينا الخير الذي صنعناه. أما إن عملنا الشر، فالعقاب نصيبنا. وأيضًا إن لم نعمل، إن أهملنا عمل الخير، إن رأينا شرًّا ولم نعمل شيئًا لإزالته، وإن نما الشر فينا وتركناه ينمو، وصرنا لا مبالين، كل ذلك يستوجب العقاب.

       "وَبَعدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، رَجَعَ سَيِّدُ أُولَئِكَ الخَدَمُ وَحَاسَبَهُم" (١٩). حياتنا عطية من الله، وسنؤدي حسابًا عنها. هل كانت حياة؟ هل كانت عبادة لله بالروح والحق؟ هل كانت محبة لإخوتنا؟ هل رأينا الفقير الجالس عند بابنا؟ هل كانت حربًا؟ هل كانت لا مبالاة وأنانية؟ ... كل ذلك سنؤدي عنه حسابًا وسنجد جزاءنا. الخير بدل الخير، والخير الأسمى إن كانت حياتنا بحثًا عن وجه الله، وعبادة بالروح والحق، ومحبة لإخوتنا. إن كانت الحياة جهدًا لرؤية الله، سيُرينا الله وجهه، سيكون هو مكافأتنا وحياتنا وفرحنا. وإلا، إن كنا بحثنا عن الأرض، الأرض تزول، لن تكون، وسنجد أنفسنا في الفراغ. إن كان خيارنا أن نعيش في الفراغ، عند تأدية الحساب، ستكون أيدينا فارغة، وقلبنا فارغًا. والفراغ الأكبر هو غياب الله، وبُعدُنا عنه، وستكون إذّاك صرخة اليأس النهائية، ستكون "الظُّلمَةُ البَرَانِيَّةُ، وَالبُكَاءُ وَصَرِيفُ الأسنَانِ" (٣٠).

       السنة الليتورجية على وشك الانتهاء. الأحد القادم ٣٤ هو الأحد الأخير. ثم نبدأ سنة جديدة بالاستعداد لعيد الميلاد. ففي نهاية سنة، نتوقَّف لنؤدي حسابًا لله، ولنرى أين نحن واقفون؟ في محبة الله، في حقيقة الله، أم في فراغ الأرض؟

       "لِأَنَّ كُلَّ مَن كَانَ لَهُ شَيءٌ، يُعطَى فَيَفِيضُ. وَمَن لَيسَ لَهُ شَيءٌ، يُنتَزَعُ مِنهُ حَتَّى الَّذِي لَهُ" (٢٩).  الذي اختار الحياة يحيا، الذي يبحث عن الله يجده. والذي اختار الموت سيخسر حتى ما له. لكل واحد جزاؤه، الحياة أو الموت. الحياة في الله هي تتويج كل العطايا، هو الخير المطلق الذي لا يُعَدُّ بالعدد، هو الدخول في الحياة الأبدية، التي هي رؤية الله، والبقاء في حبه.

       ربي يسوع المسيح، أعطَيْتَني الوزنات. أعطني أن أعرف أن أستثمرها. أعطني أن أحيا الحياة التي تريدها أنت لي. أعطني أن أطلبك، فوق كل خير في هذه الأرض. آمين.

الأحد ١٩/١١/ ٢٠٢٣                        الأحد ٣٣ من السنة/أ