كم هو ثقيل رحيلك أبونا ماهر
القيامة – يقام اليوم السبت في شفاعمرو حفل تأبين للأرشمندريت المرحوم ماهر عبود، في يوم الأربعين لوفاته وسيتولى عرافة حفل التأبين الكاتب زياد شليوط، رئيس تحرير موقع "القيامة"، وبهذه المناسبة ننشر الكلمة التي ستظهر في كتاب التأبين والذي سيوزع على الجمهور في ختام الحفل.
سمعت لأول مرة باسم الأب ماهر عبود، في أيام شبابنا الأولى عندما تناقل بين الناس خبر سفر شاب من عائلة عبود ويدعى ماهر إلى فرنسا ليتعلم "خوري". ولم أكن قد عرفت ذاك الانسان الذي يكبرني بسنوات، وتناقل الناس الخبر بعضهم بدهشة وبعضهم بإعجاب، حيث لم نكن معتادين على اختيار شبابنا دراسة الكهنوت، وكان هذا الأمر غريبا وبعيدا عن شبابنا، ولم نكن عندها نفقه أهمية الدعوات الكهنوتية، بل أن بعض الأهالي كانوا ينزعجون ويعترضون على اختيار ابنهم هذا المسار.
وفعلا سافر الشاب ماهر إلى فرنسا، وبعد سنوات سمعنا بأنه عاد من فرنسا وبات كاهنا، لكن شفاعمرو لم يحالفها الحظ بأن يبقى ابنها فيها ويخدمها، واختارته العناية الإلهية لخدمة رعايا أخرى في قرى وبلدات جليلية، وبتنا نسمع عن محبة الناس للأب ماهر، الذي اكتسب محبة الأهالي وأبناء الرعايا بسرعة، بفضل ما تمتع به من خصال وصفات قلما تجتمع في انسان واحد، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على طيب أصل هذا الكاهن وحسن تربيته ورحابة تفكيره وسعة قلبه وحكمة تدبيره. بنى علاقات إنسانية مع الجميع، تعامل بمحبة وتواضع مع الصغير كما الكبير.
صحيح أنه لم تجمعني علاقة قريبة مع الأب ماهر لبعده عن البلد، لكن كلما التقينا كنا نتبادل الحديث، وربطت بيننا علاقة من المحبة والاحترام. وأذكر أنه كان يحضر إلى كنيسة رعيتنا الشفاعمرية، كنيسة القديس يوسف للاتين، ليحيي قداس يوم الأحد عندما يغيب كاهن الرعية، وكنا نلتقي معه بعد القداس في ديوان الكنيسة، وكنا نجد فيه ذاك الكاهن التقي، المتواضع، المحب. وأذكر ذات مرة في القداس وأثناء تقديمه لعظة الأحد، أمسكت بالقلم وتناولت قصاصة ورق من جيبي وسجلت ملاحظة، حول ما جاء في تلك العظة، وبعد القداس وفي ديوان الكنيسة وبعد السلام عزمت طرح سؤال عليه، لكنه سبقني وهو يبتسم ويقول لي: شو زياد، رأيتك تكتب ملاحظة، ترى ماذا تريد أن تسأل؟ وأدهشني بشدة ملاحظته ومتابعته لما يدور حوله، وطرحت عليه السؤال وأشار عليّ أن أبحث عن المعلومة في بعض الكتب.
وبعدما عاد واستقر الأب ماهر في بيت عائلته في شفاعمرو زرناه وبعض الأصدقاء وكانت لنا جلسة مثرية معه، وكم كنت أتمنى أن أجلس إليه واجراء حديث مطول معه، لكن كثرة الانشغالات وبعدها تراجع صحته حالا دون ذلك، وكنت دائما أتسقط أخباره وأخبار صحته خاصة، وآلمني جدا تراجع صحته. وأكثر ما آلمني شعوري بالتقصير نحوه وعدم زيارته قبل ذلك، والاستفادة من خبرته الواسعة كهنوتيا واجتماعيا وتربويا وتسجيلها للأجيال. لقد سار الأب ماهر على طريق معلمه سيدنا يسوع المسيح – له المجد- وعاش هذا الطريق بكل إيمان وإخلاص وإدراك، عاملا بقوله: "من أرادَ أن يكونَ فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً، ومن أراد أن يكونَ الأوّلَ فليكن للجميع عبداً". (مر 10: 43-44).
رحم الله الكاهن المحبوب وصاحب الرصيد الكبير من المحبة بين الناس، وليسكنه الرب مع القديسين وليكن ذكره مؤبدا.. آمين.