كل يوم، كل لحظة، الله هنا، ويطرق بابنا - لوقا ١٧: ٢٦-٣٧
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – بطريرك القدس للاتين سابقا
"وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ نُوح، فَكَذَلِكَ يَحدُثُ فِي أَيَّامِ ابنِ الإنسَانِ: كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشرَبُونَ، وَالرِّجَالُ يَتَزَوَّجُونَ وَالنِّسَاءُ يُزَوَّجْنَ، إلَى يَومِ دَخَلَ نُوحُ السَّفِينَةُ، فَجَاءَ الطَّوَفَانُ وَأَهلَكَهُم أَجمَعِينَ. وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ لُوط ... أَمطَرَ الله نَارًا وَكِبرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهلَكَهُم أَجمَعِينَ" (٢٦-٢٩).

٢٦. وكما حدث في أيام نوح، فكذلك يحدث في أيام ابن الإنسان:
٢٧. كان الناس يأكلون ويشربون، والرجال يتزوجون والنساء يُزَوَّجْنَ، إلى يومِ دخل نوح السفينة، فجاء الطَّوَفان وأهلكهم أجمعين.
٢٨. وكما حدث في أيام لوط، إذ كانوا يأكلون ويشربون، ويشترون ويبيعون، ويغرسون ويبنون،
٢٩. ولكن يوم خرج لوط من سدوم، أمطر الله نارًا وكبريتًا من السماء فأهلكهم أجمعين،
٣٠. فكذلك يكون الأمر يوم يظهر ابن الإنسان.
٣١. فمن كان في ذلك اليوم على السطح وأمتعته في البيت، فلا ينـزل ليأخذها. ومن كان في الحقل فلا يرتَدَّ إلى الوراء.
٣٢. تذكَّروا امرأة لوط!
٣٣. من أراد أن يحفظ حياته يفقدها، ومن فقد حياته يخلِّصُها.
٣٤. أقول لكم: سيكون في تلك الليلة رجلان على سرير واحد، فيُقبَضُ أحدهما ويُترَكُ الآخر.
٣٥. وتكون امرأتان تطحنان معًا، فتُقبَضُ إحداهما وتُترَكُ الأخرى.
٣٧. فسألوه: أين، يا رب؟ فقال لهم: حيث تكون الجيفة تتجمع النسور.
الحرب. اليوم ٤١
اللهم ٤١ يومًا، الموت في غزة وفي قلوبنا. جنود ومقاتلون، كلهم آباء أو إخوة أو أخوات أعزاء لمن يحبونهم، وبين الضحايا أناس غيرهم أبرياء، ولا سيما الصغار، والأمهات... الكل فريسة الموت. والإنسانية تحت الأنقاض. إلى أين، يا رب؟ إلى أين تسير بنا قوى الموت التي نبتت في أرضنا؟ اللهم انظر إلى الكبار والأقوياء في هذه الحرب، كيف فقدوا رشدهم. يأمرون بالقتل والدمار. وهم هل ما زالوا أحياء؟ ألا يرون أن الموت ينهشهم هم أيضًا؟ هل بقي في هؤلاء الأقوياء شيء من الإنسان؟ لحسن الحظ، يا رب، أن هناك "صغارًا" تحبُّهم، يُصلُّون إليك ويتشفَّعون بإخوتهم، من اليهود والمسلمين والمسيحيين. هناك رجال صالحون يعبدونك بالروح والحق. تقبَّلْ صلاتهم، يا رب. وأرسل روحك ليقيم فينا قادة جدُدًا للبشرية. اللهم، ارحمنا.
إنجيل اليوم.
في إنجيل اليوم رؤية للأيام الأخيرة. أيام دينونة وعقاب. ومكافأة أيضًا.
"وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ نُوح، فَكَذَلِكَ يَحدُثُ فِي أَيَّامِ ابنِ الإنسَانِ: كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشرَبُونَ، وَالرِّجَالُ يَتَزَوَّجُونَ وَالنِّسَاءُ يُزَوَّجْنَ، إلَى يَومِ دَخَلَ نُوحُ السَّفِينَةُ، فَجَاءَ الطَّوَفَانُ وَأَهلَكَهُم أَجمَعِينَ. وَكَمَا حَدَثَ فِي أَيَّامِ لُوط ... أَمطَرَ الله نَارًا وَكِبرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَهلَكَهُم أَجمَعِينَ" (٢٦-٢٩).
ستكون دينونة أخيرة.
وستكون دينونة قبلها، يوم عودتنا، في نهاية حياتنا إلى الله أبينا.
وهناك دينونة ثالثة، وهي لقاؤنا مع الله سبحانه، في حياتنا اليومية: " كَانَ النَّاسُ يَأْكُلُونَ وَيَشرَبُونَ، وَالرِّجَالُ يَتَزَوَّجُونَ وَالنِّسَاءُ يُزَوَّجْنَ ..."، دون أن ينظروا إلى ما هو أبعد، وأعلى. كل يوم الله أبونا معنا، كل يوم يدعونا إلى أن ندين نحن أنفسنا، ولا نغرق في شؤون الأرض. كل يوم، كل لحظة، الله هنا، ويطرق بابنا. إن لم نفتح له، ستقتلعنا العواصف التي يثيرها الناس ويفرضون بها العقاب على أنفسهم بأنفسهم. بالحرب مثلا. أو بأي شر نتركه ينمو ويتضخَّم في حياتنا الشخصية. إلى أن نلتقي ربَّنا، أبًا رحيمًا أو ديَّانًا عادلًا. الأمر بيدنا.
"مَن أَرَادَ أَن يَحفَظَ حَيَاتَهُ يَفقِدُهَا، وَمَن فَقَدَ حَيَاتَهُ يُخَلِّصُهَا" (٣٣). من حافظ على الأرض فقدها وفقد نفسه. ومن زهد فيها، وتركها، لينظر إلى ما أعلى من الأرض، كسَبَ حياته. إما الحياة على الأرض، مع أمور الأرض، وهي حياة زائلة، أو الحياة مع الله، وهي الدائمة والسعيدة. لنا أن نختار. الله أبٌ لنا، أو ديّان لنا ومعاقِب، لنا أن نختار.
"أَقُولُ لَكُم: سَيَكُونُ فِي تِلكَ اللَيلَةِ رَجُلَانِ عَلَى سَرِيرٍ وَاحِدٍ، فيُقبَضُ أَحَدُهُمَا وَيُترَكُ الآخَرُ. وَتَكُونُ امرَأَتاَنِ تَطحَنَانِ مَعًا، فَتُقبَضُ إحدَاهُمَا وَتُترَكُ الأُخرَى" (٣٤-٣٥). في يوم الدينونة الأخيرة، كما في الدينونة في كل يوم، كل واحد يلقى مصيره الذي أعدَّه لنفسه بأعماله، الصالحة او الطالحة. سيكافأ الواحد ويعاقب الآخر، كل بحسب ما قدَّم.
"فَسَأَلُوهُ: أَينَ، يَا رَبّ؟ فَقَالَ لَهُم: حَيثُ تَكُونُ الجِيفَةُ تَتَجَمَّعُ النُّسُورُ" (٣٧).
سأل الرسل يسوع: متى وأين؟ في مكان آخر، قال يسوع: لا أحد يعرف الساعة، اسهروا وصلُّوا. هنا يتكلَّم يسوع بلغز، يصعب تفسيره. قال: "حَيثُ تَكُونُ الجِيفَةُ تَتَجَمَّعُ النُّسُورُ".
والناس حول ماذا يتجمَّعون؟ إما حول كلمة الله، وصلاحِهم بها، وإما حول شرهم، حيث يجدون عقابهم.
متى يكون ذلك؟ ولماذا نهتم بعلم الغيب؟ إن نحن بقينا ساهرين، ندين أنفسنا أمام أبينا في كل يوم وفي كل لحظة، فنحن في لحظة الدينونة اليوم وغدًا على السواء. إن وضعنا أنفسنا أمام أبينا الذي في السماوات، فنحن خارج الزمن، نحن في أبدية الله، ومع كوننا في زمن الأرض هنا، فنحن مطمئنون، قلبنا مطمئن، روحنا مطمئنة، لأننا بين يدي أبينا.
ربي يسوع المسيح، علمنا أن نبقى ساهرين حتى نراك، عندما تمُــرُّ بنا. حتى نكون مستعدين لاستقبالك في كل لحظة في حياتنا على الأرض، كما في لحظة مرورنا من هذه الحياة إلى الحياة الأبدية. آمين.
الجمعة ١٧/١١/ ٢٠٢٣ بعد الأحد ٣٢ من السنة/أ