فيروز أيقونة الغناء الشرقي.. وسيدة الانتظار
الكاتب : سامية وديع عطا
صادف اليوم 21 نوفمبر تشرين الثاني ذكرى مولد أيقونة الغناء الشرقي الملكة فيروز، المولودة سنة 1935. ومن هنا تكون فيروز قد بلغت 89 عاماً أطال الله في عمرها وأمدها بالصحّة والعافية. ويقول أهل لبنان إنَّ لبنان هو فيروز، وفيروز هي لبنان، فهي الـمُطربة والـمُغنية والـمُنشدة والـمُرنمة بصوتها الملائكي المخملي والمعبِّر القويّ الذي يدخل قلب الإنسان ويلامس روحه بلا منازع.
وقد صدر كتاب عنها تحت عنوان "وطن اسمه فيروز"، تكريماً لفنِّها في عيد ميلادها هناك.
لقد غنَّت فيروز للعديد من العواصم أشهرها "زهره المدائن" مدينه السلام، والتي تُقابلها في الإنجليزية أوبرا Jerusalem العظيمة للملحِّن Verdi. وأيضاً "غنيت مكة"، و"عمان في القلب"، و"بغداد" و"سوريا الشَّام".
كذلك غنَّت للأطفال ولـ "ستي الختياره"، للحزن والفرح، والأم والوطن، للطبيعة، للسّماء والأرض والمطر، والصّيف والشّتاء، فاحتوت أغانيها على الفنّ والفكرة وحب الوطن.
ولعلَّ عِدَّة أُدباء كبار كان لهم رأي في هذه الأيقونة:
* فقال فيها الشاعر سعيد عقل: هي مجدٌ لِـ لُبنان ومجدٌ للعالَم.
* وقال نزار قباني: صوتٌ يُغرِّد قادم من كوكب آخر.
* وقال محمود درويش: أُغنية فيروز تنسى أن تكبر: تجعل الصحراء أصغر والقمر أكبر.
* وقال محمد عبد الوهاب: صوتٌ يُنسَب إلى السَّماء.
فيروز صوتُها جمال ما بعده جمال. ومع أنها تعلو في صوتها عند الغناء إلا أنَّها تحبّ الصَّمت والعُزلة، وتتجنَّب الأضواء والـمُقابلات الإعلامية مؤكّدة:
"أنا لا أحبّ الكلام... ولا أُجيد الكلام".
في الواقع إنَّ فيروز الأسطورة لأكثر من ستين عاماً لا تُغنّي كما نعهد الغناء، وإنما تصدَح وتُغرِّد وتُلحِّن وسط الأغنية في لغة أُوركسترالية متناغمة.
ولا بُدَّ أنَّ القرّاء الأعزاء يعرفون أنّ السيدة فيروز لها لقب "جارة القمر" بعد أُغنيتها الشهيرة "نحن والقمر جيران". وهناك ألقاب أخرى يمكن الحديث عنها تمتلكها فيروز. وبعد البحث والإطلاع وجدتُ لقباً حديثاً لها هو "سيّدة الانتظار". فالإنتظار يعني ترويض النَّفس على الصَّبر للحصول على ما يتمناه المرء دون كلل أو ملل.
وقد ذكر الدكتور شوكت المصري (رئيس قسم النقد الأدبي في أكاديمية الفنون بالقاهرة) أنَّ صوت فيروز يحمل الشِّفاء لقلب كل حبيب ينتظر اللقاء خاصة البعيد في الغربة عن الأهل والوطن، وأمل عودته إليهم. إننا في الإنتظار ننتظر بلهفة الحضور لما نتوقّع، فالانتظار يكتنفه شوقاً دفيناً على أمل وصول الحبيب بموعد أو بلا موعد إلينا.
فالانتظار هو شفاء لكلّ قلب ينتظر (الدكتور المصري). وفيروز أدمنتْ الانتظار وما زالت تنتظر. فهل الانتظار في الحبّ أمل أم ألم؟
في هذا الشأن تخرج أوتار صوت فيروز الرَّخيم بأغنية:
- أحترف الحزن والانتظار أرتقب الآتي ولا يأتي
- وأيضاً: أدّيش كان في ناس عالمفرق تُنطُر ناس
وتشتّي الدنيا ويحملوا شمسية
وأنا بأيام الصحو ما حدا نَطرني
- وأغنية: نَطَّرونا كتير عَموقِف دارينا
لا عرِفنا أساميهم ولا عِرفوا أسامينا
ويذكر الدكتور شوكت المصري أنَّ أغاني فيروز هي مزج بين الانتظار والأمل وليس الانتظار والانكسار. ويُفسِّر الدكتور المصري أنَّ الإنتظار هو حالة إنسانية عابرة كلّها شوق وقلق. فيها الخوف من المجهول وخِشية الفَقدْ والفُراق والوحدة والألم، والتخيُّل أن يأتي مَنْ تودُّه أو لا يأتي. فمَنْ ينتظر يتعلّق بالزمن ويتمنّى أن يمضي سريعاً ليأتي الـمُستقبل.
والواقع إن مجال الإنتظار هو ترويض النَّفس على الصَّبر حتى لو أرهقنا. فهو يُعَوِّدنا على احتمال الألم في سبيل انتظار مَن غابوا عنا. وهو يُمهِّد التوازن والسُّبل إلى بذل أوقاتنا فداء للقاء مَن نُحِّب وإنجاز ما نُحِب.
إنَّ صوت فيروز القوي ووقفتها الشَّامخة عند الأداء قد وحَّد مُحبيها، فهذا صوتٌ لا يَشيخ، لأنه صوتٌ مملوء بالحبّ والأمل والفرح.
وكل عام وأنتِ بخير