عيد ارتفاع الصليب - يوحنا ٣: ١٣-١٧
الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس
١٣فما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلَّا الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء وهو ابنُ الإِنسان. ١٤وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة، فكذٰلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان ١٥لِتَكونَ بِهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. ١٦فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة ١٧فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم، بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم.
الحرب. اليوم ٣٤٣
"استَمِعْ يا رَبِّ لِصَلاتي، وأَصغِ إِلى صُراخي. ولا تَسكُتْ عن دُموعي، فإِنِّي عِندَك ضَيفٌ، وكَجَميعِ آبائي مُقيم" (مزمور ٣٩: ١٣).
ارحمنا، يا رب. أخبار جديدة في مآسي غزة، ولا جديد أمامك، يا رب، أنت ترى كل شرور الناس، وكل شقاء المعذَّبين. كتب أحدهم: في غزة، الناس ينامون في الخيم التي لجأوا إليها، فتصير لهم مع القصف المجدد مدافن تحت الرمال. شقاء جديد. ارحمنا، يا رب. يا رب، قل كلمة، وضع حدًّا لهذه الحرب. ضع حدًّا لكل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد هذه السنة من جنون الحرب، بعد كل هذا الموت وهذه الأهوال. يا رب، اهدِهِم إلى النور، نجِّهم جميعًا من الشرير، يا رب ارحَم. "استَمِعْ يا رَبِّ لِصَلاتنا، وأَصغِ إِلى صُراخِنا. ولا تَسكُتْ عن دُموعِنا".
إنجيل اليوم
اليوم عيد الصليب. ذكرى انتصار عسكري، لمــَّا استعاد الإمبراطور هيراقليوس من الفرس الصليب الذي كانوا قد أخذوه معهم لمــَّا غزوا القدس سنة ٦١٤. ذكرى انتصار بشري، وطوافات ومشاعل.
مع أن الصليب كان حتى تتوقف الحروب بين الناس. استمر تاريخ الناس، مثله في العهد القديم، تاريخ خطايا الناس ورحمة الله للناس، وإرادة الله الثابتة لخلاص الناس، وتغيير قلوبهم، ليفيض فيهم النور والمحبة والحياة الجديدة.
يسوع الذي أحب خاصته حتى بذل حياته في سبيل الذين أحبهم (كل البشرية)، ليخلصهم من حروبهم ومن كل شر فيهم، يسوع هذا باقٍ كل يوم واليوم أيضًا، بحبه وبالذبيحة التي يقدمها حتى اليوم. بعض الناس استجابت لحب الله، وقبلت الخلاص، وغيرهم لم يستجيبوا. واستمر الرفض في البشرية، كما في زمن يسوع لما كان على الأرض بين الناس، واستمر الشر، واستمرت الحروب. الإنسان بحريته يرفض الخلاص الذي يقدمه له الله. كأن الإنسان معجَبٌ بشَرِّه.
"مَا مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلَّا الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء وهو ابنُ الإِنسان. ١٤وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة، فكذٰلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان ١٥لِتَكونَ بِهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. ١٦فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة ١٧فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم، بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم" (١٣-١٧).
الصليب هو باب السماء الذي انفتح، به يقدر الإنسان أن يصعد إلى الله. " ما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلَّا الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء وهو ابنُ الإِنسان". يمكن أن نكون على الأرض وفي السماء أيضًا، بصليب ربنا يسوع المسيح.
الصليب أكثر من انتصار عسكري، أكثر من طوافات ومشاعل تبشِّرُ بالانتصار. الصليب هو حياة البشرية الجديدة، هو حياة جديدة فيَّ أنا أيضًا. هل أصعد إلى السماء وأبدأ حياتي الأبدية مع الله خالقي وأبي، أم أبقى على الأرض أعمى، كأن لا شيء حصل، كأن يسوع لم يتنازل ولم "يتَجَرَّد مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر، وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان، فَوَضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت، مَوتِ الصَّليب"؟ (فيليبي ٢: ٧-٨)، كأنه لم يكن صليب، ولا انتصار على الموت، ولا قيامة؟
عيد الصليب، هو كل سر الصليب، كل سر حب الله للبشرية التي أحبها الله وأراد أن يجدِّدها. وعيد الصلب، هو جوابي، هو إيماني أنا بالصليب، هو الصليب في حياتي، هو ذبيحة القداس التي أقدِّمها كل يوم ...
عيد الصليب هو "أن اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة". حب الله للبشرية، لي، وجوابي لله. وجوابي هو محبتي الله ومحبتي لإخوتي. محبة ومغفرة وخروج مستمر من ذاتي، حتى أبذل ذاتي في سبيل غيري. حياتي، حين تكون جوابًا على حب الله، هي دخول في الحياة الأبدية. والحياة الأبدية، هي محبة الله ومحبة الإخوة، أفيض منها على الأرض، وفي حروب الأرض، وفي كل أهوال الأرض، وفي شرور الناس، لتشفيهم، وتجدِّدهم، وتخلق فيهم الإنسان الجديد.
وأنا، هل أنا الإنسان الجديد، أم أنا ما زلت عالقًا في الإنسان القديم؟ كل قديم عالق في الشر يزيد الأرض شرًّا. وكل جديد يسهم في مجهود البشرية العام في طلب الحياة.
ربي يسوع المسيح، أحببتني فتألمت من أجلي ومُتَّ لتخلِّصني، ولتمنحني الحياة الجديدة. ربي، افتح عيني قلبي، حتى أرى حبك، وحتى أستجيب لحبك، وحتى أفيض حبك في الموت والويلات وشرور البشر على هذه الأرض. آمين.
السبت ١٤/٩/ ٢٠٢٤ بعد الأحد ٢٣ من السنة/ب