عندما نعرف يسوع، نريد أن نتبعه - متى ٨: ٢٣-٢٧

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح، بطريرك اللاتين الأسبق في القدس

١٨ ورأى يسوعُ جُموعًا كَثيرَةً حَولَه. فأَمَرَ بِالعُبورِ إِلى الشَّاطِئِ المــُقابِل. ١٩ فدَنا مِنْه كاتِبٌ وقالَ لَه: يا مُعَلِّم، أَتبَعُكَ حَيثُ تَمضي. ٢٠ فقالَ لَه يسوع: إِنَّ لِلثَّعالِبِ، أَوجِرة، ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكارًا، وأَمَّا ابنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه. ٢١ وقالَ لَه آخَرُ مِنَ التَّلاميذ: يا رَبّ، إِيذَنْ لي أَن أَمْضِيَ أَوَّلًا فَأَدْفِنَ أَبي. ٢٢ فقالَ لَه يسوع: اتْبَعْني وَدَعِ المَوتى يَدفِنونَ مَوْتاهم.

عندما نعرف يسوع، نريد أن نتبعه - متى ٨: ٢٣-٢٧

        الحرب. اليوم ٢٦٩

        " لأَنَّكَ أَنتَ يا رَبُّ عَلِيٌّ على الأَرضِ كُلِّها مُتَعالٍ جِدًّا على الآلِهَةِ جَميعِهم.  يا مُحِبِّي الرَّبِّ كونوا لِلشَّرِّ مُبغِضين. فهو يَحفَظُ نفوسَ أَصْفِيائِه، ومِن أَيدي الأَشْرارِ يُنقِذُهم. أشرَقَ النورُ على الأَبْرار والفَرَحُ على مُستَقيمي القُلوب" (مزمور ٩٧: ٩-١١).

        ارحمنا، يا رب. أنت الإله العَلِيُّ على الأَرضِ كُلِّها، وعلى كل أقوياء هذه الأرض، وعلى الذين يصنعون الحرب في غزة ورفح. أنت تَحفَظُ نفوسَ أَصْفِيائِك وأبنائك ومِن أَيدي الأَشْرارِ تُنقِذُهم. اللهم، اهدِ بنورك أقوياء هذه الأرض، وصُنّاع الحروب، ورُدَّهم إلى طرقك. أرشدهم إلى طرق السلام. اللهم امنح غزة، والمعذبين في غزة، الخبز والسلام والإنسانية. لتشرِقْ شمسك، شمس عدلك وسلامك، على غزة، واجعل حبك ينتصر. ارحمنا، يا رب.

      

        إنجيل اليوم

        "فدَنا مِنْه كاتِبٌ وقالَ لَه: يا مُعَلِّم، أَتبَعُكَ حَيثُ تَمضي. فقالَ لَه يسوع: إِنَّ لِلثَّعالِبِ أَوجِرة، ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكارًا، وأَمَّا ابنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه" (١٨-٢٠).

        عندما نعرف يسوع، وعندما نسمعه يتكلم، ونراه يعمل الخير، نريد أن نتبعه. لكن، لكي نتبع يسوع، يجب أن نعرفه: يسوع، كلمة الله الأزلي، هو محبة الله لهذه الأرض، محبة فقط، إلى حد أنه بذل حياته في سبيل من يحب، في سبيل الجميع، ومن أجلي أنا. خالق السماء والأرض، سيد الكل، ومع ذلك فقير في هذا العالم، مالك كل شيء، ومدبر كل شيء، ولا حاجة له إلى شيء. فهو ليس في معركة الناس في سعيهم ليستملكوا الأرض. "وأَمَّا ابنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه".

        لاتباع يسوع، مع بقائنا على هذه الأرض، يجب الخروج من الأرض، يجب تغيير الأرض وجعلها سماء، يجب تحويل الأرض إلى مكان لسكنى الله، فتصير مكان سكنى مرحِّبًا بكل الناس، فتتوقف فيها الحروب والدماء، والإخوة الذين يقتلون بعضهم البعض من أجل استملاكها. عندما تكون الأرض مكان سكنى الله، يصير الإنسان فيها إنسانًا، فيرى الله، ويلتقي بيسوع، وفيه يلتقي مع نفسه، صورة لله، قادرًا على المحبة، وعلى أن يكون تلميذًا ليسوع، لا يملك شيئًا ويحيا ملء الحياة.

        كاتب، صادق، التقى يسوع. سمعه ورآه يعمل الخير فأراد أن يتبعه. لكنه كان يفكر أن يسوع هو من هذه الأرض وكان له فيها مسكن. فكشف له يسوع الحقيقة التي يجب أن يعرفها. لخدمة يسوع على هذه الأرض، يجب الخروج من الأرض، يجب ألا تريد شيئًا من الأرض، حتى ولا مكانًا تملكه لتسكن فيه.

        "يا مُعَلِّم، أَتبَعُكَ حَيثُ تَمضي. فقالَ لَه يسوع: إِنَّ لِلثَّعالِبِ، أَوجِرة، ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكارًا، وأَمَّا ابنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه".

        لا نملك شيئًا لكي نملك كل شيء، لنصير مثل يسوع، لنصير على صورة الله ومثاله. " أَتبَعُكَ حَيثُ تَمضي". هل قلتُ هذا، أنا، يوم قررت أن أتبع يسوع؟ هل يمكنني أن أقول هذا اليوم ليسوع؟ أتبعك حيث تمضي، في كل طرقك، والتي ليست طرق الناس. سأفقد كل شيء لأكسب كل شيء. قال يسوع: " أمّا ابنُ الإِنسان فَلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه". هل أقبل هذا اليوم؟ لا شيء على الأرض، الله الخير الوحيد، ويسوع وحده، الطريق والحق والحياة؟

        "وقالَ لَه آخَرُ مِنَ التَّلاميذ: يا رَبّ، إِيذَنْ لي أَن أَمْضِيَ أَوَّلًا فَأَدْفِنَ أَبي. فقالَ لَه يسوع: اتْبَعْني وَدَعِ المَوتى يَدفِنونَ مَوْتاهم" (١٩-٢٢).

        نوع آخر من التلاميذ. له رُبُطٌ بالأرض، واجبات، يجب أن يدفن أباه... نعم، لا بد من القيام بكل واجباتنا تجاه الأرض وإخوتنا وأخواتنا الذين على الأرض. هذه بكل بساطة وصية المحبة. لكن هذه الواجبات نفسها يجب ألا تصير عوائق، أو انحرافًا عن الطريق، أو ابتعادًا عن يسوع الطريق والحق والحياة. "دَعِ المَوتى يَدفِنونَ مَوْتاهم". ما لا تقدر أن تعمله أنت، لكي تتفرَّغ لشؤون الله، يعمله الله أفضل منك. اترك الله يعمل في عالمه، أما أنت فلا تدَّعِ شيئًا ولا تتعذَّرْ بشيء. مع الناس يمكن أن تناقش وتجادل، ليس مع الله. مع الله نسلِّمُ أمرنا له. لا نفقد شيئًا إن وضعنا كل شيء بين يديه، إن تركنا كل شيء لنتبعه، ولنلقي بنفسنا في النور، في نور الله، في قدرته، وفي حبه، فيتخذ كل شيء مكانه، ويتِمّ كل شيء: الموتى سيُدفَنون، وستوجد أماكن للسكن، من غير أن نفقد حريتنا، ومع كوننا تلاميذ فقط.

        ربي يسوع المسيح، تبعتك. ولم أضع شروطًا لأتبعك. لكن أنت تعلم كيف تتولد فيَّ القيود والعوائق فأنسى أني تبعتك، وسرْتُ في نورك، لأبقى في النور معك، وأصير نورًا لإخوتي وأخواتي. آمين

الاثنين ١/٧/ ٢٠٢٤               بعد الأحد الثالث عشر من زمن السنة/ب