رجل واحد يموت عن الأمة، هو يسوع - يوحنا ١١: ٤٥-٥٧

الكاتب : البطريرك ميشيل صباح – البطريرك الأسبق للاتين في القدس

٤٥فآمَنَ بِه كثيرٌ مِنَ اليَهودِ الذينَ جاؤوا إِلى مَريَم ورَأَوا ما صَنَع. ٤٦ على أَنَّ أُناسًا مِنهم مَضَوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ فَأَخبَروهم بِما صَنَعَ يسوع. ٤٧ فعقَدَ عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِسًا وقالوا: ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة. ٤٨ فإذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعًا، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا. ٤٩ فقالَ أَحَدُهم قَيافا، وكانَ في تِلكَ السَّنَةِ عَظيمَ الكَهَنَة: أَنتُم لا تُدرِكونَ شَيئًا، ٥٠ ولا تَفطُنونَ أَنَّه خَيرٌ لكُم أَن يَموتَ رَجُلٌ واحدٌ عَنِ الشَّعْب ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأَسرِها. ٥١ ولَم يَقُلْ هذا الكَلامَ مِن عِندِه، بَل قالَه لأَنَّه عظَيمُ الكَهَنَةِ في تِلكَ السَّنَة، فَتَنَبَّأَ أَنَّ يسوعَ سيَموتُ عَنِ الأُمَّة، ٥٢ ولا عنِ الأُمَّةِ فَقَط، بل لِيَجمَعَ أيضاً شَمْلَ أَبناءِ اللهِ المــُشَتَّتين. ٥٣ فعَزَموا مُنذُ ذلك اليَومِ على قَتْلِه

رجل واحد يموت عن الأمة، هو يسوع - يوحنا ١١: ٤٥-٥٧

 

٥٤ فكَفَّ يسوعُ عنِ الجَوَلانِ بَينَ اليَهودِ عَلانِيَّةً، فذهَبَ مِن هُناكَ إِلى النَّاحِيَةِ المــُتاخِمَةِ لِلبَرِّيَّة إِلى مَدينةٍ يُقالُ لَها أَفرامُ، فأَقامَ فيها معَ تَلاميذِه. ٥٥ وكانَ قدِ اقتَربَ فِصحُ اليَهود، فصَعِدَ خَلْقٌ كَثيرٌ مِن تِلكَ النَّاحِيَةِ إِلى أُورَشَليمَ قَبلَ الفِصْحِ لِيَطَّهِروا. ٥٦ وكانوا يَبحَثونَ عن يسوع، فيَقولُ بَعضُهم لِبَعضٍ وهُم قائمونَ في الهَيكلَ: ما رَأيُكم: أُتُراه لا يَأتي إِلى العيد؟ ٥٧ وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ قد أَمروا بِأَن يُخبِرَ عنه كُلُّ مَن يَعلَمُ أَينَ هو، لِكَي يُمسِكوه.

         

الحرب ١٦٧

          "أحبَبتُ الرَّبَّ لأَنَّه يَسْمعُ صَوتَ تَضَرُّعي.  قد أَمالَ أُذُنَه إليَّ يَومَ دَعَوُته. حَبائِلُ الموتِ أَحاطَت بي وشِباكُ مَثْوى الأَمْواتِ أَدرَكتني، فلَقيتُ الضِّيقَ والغَمّ.  بِاسمِ الرَّبِّ دَعَوتُ، آهِ يا رَبِّ، نَجّ نَفْسي"(١١٦: ١-٤).

       "يا رَبِّ، نَجّ نَفْسي"، من الحرب في غزة ورفح وفي كل مكان. الأقوياء والمستبدون يخططون دائمًا لأهل غزة ورفح الإبادة أو التهجير. اللهم، أبانا، في نظر الأقوياء والمستبدين، أهل غزة والقطاع زائدون على الأرض، يجب ألا يوجدوا. وأنت يا رب منحتهم الوجود. هل يقوى شر الناس، وزعماء الحرب، على صلاحك، يا رب؟ "أحبَبتُ الرَّبَّ لأَنَّه يَسْمعُ صَوتَ تَضَرُّعي.  قد أَمالَ أُذُنَه إليَّ يَومَ دَعَوُته". أنت وحدك القوي، يا رب، أنت أبونا، انت الصالح القدوس. إنا نبتهل إليك، وستستجيب لنا. أبانا، ارحم أبناءك.

       انجيل اليوم

       لما ولد يسوع في بيت لحم، بشَّر الملائكة الرعاة بفرح عظيم. قالوا لهم: ولد لكم اليوم مخلِّص، يكون فرحًا للشعب كله. والآن، يسوع في نهاية حياته العلنية، صنع الخير، وشفى وعلَّم وأكمل الشريعة بوصية المحبة. وآمن به كثيرون، لكن رؤساء الشعب يرون فيه خطرًا على الشعب. ويخافون منه. لم يروا فيه المخلص، بل هو خطر وسبب هلاك للشعب. هكذا رأوه، عكس بشارة الملاك، أن يكون فرحًا للشعب كله.

       "فآمَنَ بِه كثيرٌ مِنَ اليَهودِ الذينَ جاؤوا إِلى مَريَم ورَأَوا ما صَنَع. على أَنَّ أُناسًا مِنهم مَضَوا إِلى الفِرِّيسيِّينَ فَأَخبَروهم بِما صَنَعَ يسوع. فعقَدَ عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ مَجلِسًا وقالوا: ماذا نَعمَل؟ فإِنَّ هذا الرَّجُلَ يَأتي بِآياتٍ كثيرة. فإذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعًا، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا" (٤٥-٤٨).    

       في بيت لحم، قال الملائكة للناس: فرح وسلام. وفي أورشليم، عُظَمَاءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ قالوا: هذا الرجل، "إذا تَركْناهُ وشَأنَه آمَنوا بِه جَميعًا، فيأتي الرُّومانِيُّونَ فيُدَمِّرونَ حَرَمَنا واُمَّتَنا". كلامهم صحيح، سيسقط كثيرون، ويقوم كثيرون، إن آمنوا به أو لم يؤمنوا. كما أنبأ سمعان الشيخ في الهيكل لمريم أمه: " ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض" (لوقا ٢: ٣٤). سيزول عالم قديم، ويولد عالم جديد.

       قيافا، رئيس الكهنة آنذاك، مع بقائه في العالم القديم، تنبأ عن مجيء العالم الجديد، قال: "خَيرٌ لكُم أَن يَموتَ رَجُلٌ واحدٌ عَنِ الشَّعْب ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأَسرِها. ولَم يَقُلْ هذا الكَلامَ مِن عِندِه، بَل قالَه لأَنَّه عظَيمُ الكَهَنَةِ في تِلكَ السَّنَة، فَتَنَبَّأَ أَنَّ يسوعَ سيَموتُ عَنِ الأُمَّة" (٥٠- ٥١).

       رجل واحد يموت عن الأمة، هو يسوع، وليس "عنِ الأُمَّةِ فَقَط، بل لِيَجمَعَ أيضاً شَمْلَ أَبناءِ اللهِ المــُشَتَّتين" (٥٢)، بل عن العالم كله، والإنسانية كلها.

       "فعَزَموا مُنذُ ذلك اليَومِ على قَتْلِه" (٥٣).

       وفي تلك الفترة، منتظرًا أن تأتي ساعته، "ذهَبَ يسوع مِن هُناكَ إِلى النَّاحِيَةِ المــُتاخِمَةِ لِلبَرِّيَّة إِلى مَدينةٍ يُقالُ لَها أَفرامُ، فأَقامَ فيها معَ تَلاميذِه" (٥٤). ذهب إلى قرية الطيبة، اليوم. وأقام فيها أسبوعًا. ثم عاد إلى أورشليم ليتمِّم مشيئة الآب.

       كبار ذلك الزمن حدَّدوا موقفهم من يسوع. إنه خطر على الشعب، ويجب قتله. لم يقدروا أن يروا أنه المخلص.

       وعالمنا اليوم؟ ونحن اليوم؟ أنا وأنت؟

       يسوع دائمًا آية للمعارضة، سبب حياة أو موت، بحسب استقبالنا أو رفضنا له. والعالم اليوم الذي نعيش فيه، ونرى شره، بحاجة دائمة إلى مخلص. فيه دائمًا كبار وأقوياء يسببون هم الموت لغيرهم، فهم بحاجة إلى خلاص، مثل غيرهم، بل أكثر من غيرهم. ومثلهم، كبار كثيرون لا يريدون أن يروا، ويبقون سبب موت، بين الناس. نحن بحاجة إلى مخلِّص.

       ونحن، كل واحد منا، في حياتنا الشخصية، في معركتنا اليومية مع الشر، نحن بحاجة إلى مخلص. نحن بحاجة لأن نتبع يسوع، حتى نغلب الشر، ونساعد عالمنا لكي يغلب الشر، ويصير عالم صلاح وخير. ويسوع هو المخلص، أمس واليوم وإلى الأبد.

          أيها الرب يسوع، جئت لتخلِّصنا. والموت يحيط بنا. نحن بحاجة إليك. خلِّصْنا، يا رب، وخلِّصْ العالم الذي أحبَبْته وبذَلْتَ حياتك حُبًّا له. آمين.

السبت ٢٣/٣/ ٢٠٢٤           بعد الأحد الخامس من الصوم